تُحيل الحملة على سمير جعجع بسبب ترشّحه الى الانتخابات
الرئاسية الى أمرين أساسيّين.
الاوّل مرتبط بشخص الرجل ومساره خلال الحرب وما أصابه
بعد انتهائها. والثاني مرتبط بذاكرة إنتقائية يعتمدها أطراف في لبنان بهدف تجميل
جرائم وتقبيح جرائم أخرى.
في الأمر الأوّل، يبدو استسهال استهداف جعجع
مرتبطاً بكونه سجيناً سابقاً، أي شخصاً فقد مرّة حصانة تُتيحها "الزعامة"
الطائفية في لبنان، وصار بالتالي أمير الحرب الوحيد الذي حوكم ووُضع 11 عاماً في
الحبس من دون أن ينقذه أحد. وفي هذا ما جعله، رغم التظلّم وربط الأمر بالوصاية
السورية، أكثر عرضة من غيره للتهديد وللتذكير بما أصابه.
كما
يبدو الأمر متّصلاً بكونه قاد ميليشياته بنفسه، أي أنه كان مقاتلاً وقاتلاً ومقتولاً،
على خلاف غيره من قادة ميليشيات الحرب الذين وضعوا مسافة بين أوامر القتال والقتل
الصادرة من مكاتب وربطات عنق وبين التنفيذ وحمل البندقية ولمس الدم.
ويبدو
الأمر أخيراً على علاقةٍ بنشأة جعجع وأصوله الاجتماعية. فهو أتى من بشرّي في الشمال،
من خارج الطبقة السياسية المسيحية التقليدية، واسمه بالتالي لا تراث سياسياً له
خارج السياق الحربي الذي أتاح له البروز والقيادة.
وفي
الأمر الثاني، تبدو الهجائيّات لجعجع والقوّات تعبيراً فجّاً عن ثقافة سياسية عامة في لبنان، يدّعي أصحابها كلّ من جهته
تطّهريّة وتعالياً من ناحية، ويبحثون في الأحداث عن وقائع محدّدة تنال من خصومهم
ولو أن في رصيدهم ما يعادلها (أو يفوقها) سوءاً من ناحية ثانية.
بهذا
المعنى، تُستذكر اغتيالات ومجازر أو معارك وتُسقط سواها، أو تُعدّ صفاتٌ شتائمَ في
حالات معينة في ما هي مدائح في حالات غيرها. وتُصبح قسمة اللبنانيين الانتقائية
هذه قاعدة لقراءة الماضي والحاضر والمستقبل، ضمن ثابت وحيد، هو موقف المُتذكِّر أو
المقيِّم من سائر الأطراف، يخلع على من يُرضيه عباءات الشرف، وعلى مُخاصميه أقنعة
العمالة، فيما تتبدّل أثواب البقية انطلاقاً من مدى انصياعهم له ولتحالفاته الخارجية.
كلّ ما ذُكِر إذاً، مضافاً الى شدّ الحبال في المفاوضات "الرئاسية" الراهنة، يفسّر الحملة على جعجع ويُفقدها الكثير من المصداقية.
على
أن ما ينبغي ذكره أيضاً أن كثرة من الردود على الحملة المذكورة تفتقد بدورها
للمصداقية وتعتمد الذاكرة الانتقائية إياها، فتردّ على ذكر جرائم بذكر جرائم مضادة، أو تقرّر اعتماد رواية للحرب هي في أحسن الأحوال ساذجة
وقاصرة، أو تعدّ ما عصف بلبنان خلال سنوات طويلة تفاصيل لا تستحقّ المراجعة...
في أي حال، وبمعزل عن السفاهات وعن التخوين والذاكرة
الانتقائية التي يُشهرها من يجدر بهم الانكفاء والاعتذار عن كلّ ما اقترفوا من
جرائم وموبقات (وهذا يخصّ الجميع، بمن فيهم من يستثنون أنفسهم ويدّعون عدم مشاركة
بالحرب واقتصاراً على "المقاومة"، في حين أنهم أوغلوا في الحرب تلك
قتالاً واغتيالاتٍ)، فلا شيء مُبهجاً في ترشّح "قادة" الحرب الى مناصب
الدولة العليا، إن في رئاسة المجلس النيابي أو في رئاسة الجمهورية. فكيف وأن الحرب
ما زالت مقيمة في بعض النفوس وفي "الذاكرات" الانتقائية!
زياد ماجد