Tuesday, May 26, 2009

عن "عيد التحرير" وأشياء أُخرى

في عيد التحرير أمس، قال أمين عام حزب الله إنه يأمل "أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه اللبنانيون أكثر من أي وقت مضى أن هذا العيد عيدهم وأن يتعاطوا معه على أنه كذلك". وخاطب في كلمته الدروز ثم المسيحيين فالسنّة ليؤكّد على حرص حزب الله على التواصل معهم ورفضه الفتنة أو الاقتتال في "الداخل"، كي يبقى سلاحه "مقاوماً" موجّهاً نحو "الخارج".
بذلك، عبّر السيد نصر الله عن أزمتين يواجههما حزبه (ولا تسلم منهما البلاد) رغم كل المكابرة ومحاولات التغطية عليهما:

الأولى، أن جزءاً من اللبنانيين لا يعتبر نفسه معنياً بعيد التحرير الذي ينظر إليه حزب الله بوصفه "العيد الوطني" الأهم.
والثانية، أن الحزب يشعر بقطيعة مع الجزء الأكبر من المجتمع اللبناني، بمكوّناته الطائفية المختلفة، وأنه يحتاج عشية كل استحقاق لمخاطبة هذه المكوّنات وإبداء الودّ تجاهها تواصلاً معها ودعماً لحلفائه في أوساطها.

ولعلّ تشريح أسباب الأزمتين المذكورتين يفيدنا لفهم الواقع الخطير الذي ساهم حزب الله في خلقه في السنوات الأخيرة.
- فالحزب فوّت على الكثير من اللبنانيين فرصة الاحتفال بعيد التحرير من خلال رفضه القبول بالنتائج المفترضة للتحرير عام 2000، ومنها استكمال تطبيق اتفاق الطائف وإتمام الانسحاب العسكري السوري من لبنان (المتذرّع وقتها بالاحتلال الاسرائيلي) والشروع في بناء الدولة ووضع السلاح في أمرتها ونشر قوّاتها على الحدود الجنوبية.
عوضاً عن ذلك، أصرّ الحزب (وحلفاؤه الخارجيون) يومها على صيغ تُبقي الوضع على ما هو عليه وتحول دون الاستفادة من التحرير. فكانت مزارع شبعا، التي تمنّع النظام السوري عن تقديم نص للأمم المتحدة يعترف بلبنانيتها (إذ أنها سورية وفق الخرائط الدولية) لتوضع تحت القرار الأممي 425 وتُلزَم إسرائيل بالانسحاب منها (مما أبقاها تحت القرار 242)، ضالتّه. وتمّ من خلال المزارع المحتلة ربط النزاع بوضع المنطقة ككل، واستخدامه ذريعة للمحافظة على الستاتيكو الداخلي القائم. فتحوّل بالتالي إنجاز طرد إسرائيل لأول مرة من أرض تحتلها بعد نضالات وجهود شارك فيها عشرات الألوف من اللبنانيين منذ ما قبل نشوء حزب الله وحتى 25 أيار 2000 الى مجرّد احتفال لا تُبنى عليه السياسات ولا يمكن توظيفه لتحقيق السيادة الوطنية والشروع ببناء الدولة المستقلة.


- والحزب وضع نفسه في مواجهة أكثر اللبنانيين بعد اغتيال الرئيس الحريري في شباط 2005، حين قرّر وسط المظاهرات الاستقلالية الحاشدة الهادفة الى إخراج القوات السورية من لبنان، التظاهر ليقول "شكراً لسوريا الأسد"، ثم أهدى بندقية "المقاومة" (المفترض أنها أساس "التحرير") الى ضابط مخابرات سوري متّهم من قبل أكثر اللبنانيين بأبشع الممارسات على مدى سنين توّجها اغتيال الحريري بالدم والنار والحرائق المستمرة.
فبدا إنجازه التحريري للجنوب وكأنه في تضاد مع إنجاز سائر اللبنانيين الاستقلالي المفضي خروجاً عسكرياً سورياً من لبنان في 26 نيسان 2005. بكلام آخر، بدل جعل تاريخي 25 أيار و26 نيسان مدخلَين الى الوطن المستقل الجامع لأبنائه، جعلهما حزب الله متناحرَين، فصار قسم كبير من المواطنين في غربة عن التاريخ الأول، فيما لم يكتف القسم الآخر (الممثّل بحزب الله) بالابتعاد عن التاريخ الثاني، بل راح يشتمه ويخوّن صانعيه.
- وعلى أساس هذا الطلاق بين إنجازين، وانطلاقاً من ربط حزب الله لبنان بالصراعات الإقليمية (وفق الأولويات الإيرانية) عن طريق مزارع شبعا بدايةً، ثم من خلال رفض المشاركة في تأسيس سلطة وطنية بعد نيسان 2005 والسعي للعب دور الوصيّ على البلد تماماً كما كان النظام السوري يفعل، وصولاً الى التعطيل والإضراب ومحاولة إسقاط المؤسسات الدستورية، اكتملت العناصر المؤسّسة لمشهد 7 أيار، فاجتاح حزب الله عسكرياً بيروت وحاول اجتياح الجبل، ولم يعد في مواجهة سياسية مع فريق كبير من اللبنانيين فحسب، بل صار في مواجهة دموية معهم أيضاً يستخدم فيها سلاحه وعنفه المرتديين طابعاً مذهبياً.

من هنا، يمكن فهم الابتعاد لدى كثر عن الشعور بالانتماء الى عيد التحرير، ومن هنا أيضاً سيبقى حزب الله رغم الغطاء المسيحي الذي يجهد العماد ميشال عون لتأمينه والدفاع عنه، في بعدٍ عن المجتمع اللبناني، يتطلّب كل فترة، وقبل كل استحقاق، وبعد كل انفعال وتخوين واعتبار أيام الإجرام والاستباحة "أياماً مجيدة"، مخاطبة جديدة للناس وتراجعاً لفظياً وقولاً لهم إن الحزب وسلاحه ليسا لمواجهتهم.

لكن هل يصدّق اللبنانيون ذلك؟
قد يكون 7 حزيران القادم مؤشراً هاماً على مدى تصديقهم. وبمعزل عن ذلك، لا يمكن تخيّل سلم أهلي واستقرار وطني مديد في لبنان من دون إقرار بأن أولى موجبات "التحرير" عام 2000 هي الاعتراف "بالاستقلال الثاني" عام 2005، والبحث في شروط مصالحة الإنجازين وتجنّب تصادمهما من جديد. ولا يكون ذلك لا بربط لبنان بصراعات المنطقة ومحاورها، ولا بسوق الاتهامات وإصدار شهادات الوطنية والعمالة. يكون فقط في أولوية البحث في سبل بناء الدولة وحفظ أمنها وحدودها وتطوير اقتصادها وعمرانها وحماية حقوق أبنائها وبناتها.
من دون ذلك، ستبقى أعيادنا وتواريخنا أقرب الى الأعباء منها الى الإنجازات.

زياد ماجد

Monday, May 18, 2009

التلويح ب7 أيار ضد رئاسة الجمهورية

يخطئ من يقرأ التصعيد السياسي والخطابي لأمين عام حزب الله حسن نصر الله وحليفه رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون خارج معركتهما مع رئاسة الجمهورية.
فالأخيرة، كرأس لهرم السلطة "الرسمية" وكموقع للتمثيل المسيحي والوطني في لبنان، بدأت تستعيد بعض وظائفها السياسية والرمزية، وبدأت تحاول شقّ طريقها وسط المعركة الدائرة على نحو قد يؤثّر في التوازن السياسي و"المؤسساتي" (التعطيلي) القائم.
وهذا يقلق حزب الله وحليفه العوني، اللذَين يريدان للرئاسة أن تكون في أحسن الأحوال داعمة لهما، وفي أسوئها عاجزة عن التدخل ومكتفية بدور الواجهة للبنان في الخارج (على طريقة العلاقات العامة) ومديرة للاجتماعات في الداخل (على أساس تسهيل الحوار وليس تبنّي أي موقف فيه أو أخذ المبادرات تجاه قضاياه). 
ولهذا التوجّه الحزب إلهي العوني سببان أساسيان.
- الأول، إبقاء اللعبة السياسية من دون قدرة المؤسسات الدستورية على الحسم فيها (إلا إن كانت بقبضتهما)، وبالتالي تعطيل "الحكم الرسمي" لإبقاء الحكم الميداني، أو حكم الأمر الواقع، الصانع الفعلي للقرارات الكبرى. وهذا بالطبع يقتضي إبعاد الرئاسة عن دور الترجيح، لجعل المواجهة المؤسساتية محصورة بين المجلس النيابي والحكومة من ناحية، وداخل الحكومة من ناحية ثانية، على نحو تتبدّد معه معاني الأكثرية والأقلية، ويتساوى الطرفان في المعادلة السياسية "الدستورية"، فيفرض "الأقوى" على الأرض (أي حزب الله المسلّح) خياراته وتوجّهاته. وإن تجرّأ أحد على رفض ذلك، يأتيه 7 أيار جديد (الذي "عُمل كي لا يُنسى" على حدّ القول الخطير للسيد نصر الله)!


- الثاني، الدفاع عن تمثيل العماد عون للمسيحيين داخل السلطة وتتويجه زعيماً أوحد لهم (وصاحب الكتلة النيابية الأكبر بينهم)، ومنع رئيس الجمهورية من التحوّل مع الوقت قطباً يسحب من "الجنرال" المشروعية المسيحية كي تظلّ الأخيرة غطاء يحمي حزب الله ويحول دون عزلته وطنياً، ويدعم مشروعه وصواريخه وارتباطاته. وإن عدنا بالذاكرة الى زيارة العماد عون الى سوريا، وحفاوة النظام في تنظيم استقبالاته السياسية والدينية والشعبية، وقعنا على نفس الفكرة: التعاطي مع سليمان بوصفه رئيساً "توافقياً" لجمهورية منقسمة على نفسها ومعطّلة، والتعامل مع عون بوصفه المرجعية المسيحية اللبنانية ذات "الدور الكبير والشراكة" في المنطقة بأسرها...
على أن المعركة الحزب إلهية العونية على رئاسة الجمهورية تعبّر أيضاً عمّا يتخطّى بعدها الآني. فهي تشير الى وصول الصيغة اللبنانية للديمقراطية التوافقية في ظل تواتر الصراعات وحدّة الاصطفافات الى حالة احتضار تتطلّب معالجات طارئة لترميمها - في مرحلة أولى - من خلال إصلاحات سياسية تبدأ باعتماد قانون انتخابات نسبي يُنهي احتكار تمثيل الطوائف من طرف واحد داخلها (ويمنع بالتالي توظيف هكذا احتكار في المسار المؤسساتي تغطية له أو نزعاً للمشروعية "الميثاقية" عنه)، ويحرّر البرلمان من القيد الطائفي، في مقابل إنشاء مجلس شيوخ على أساس مناصفة التمثيل، تُحال إليه المسائل الكيانية والسيادية وتطمئن لتركيبته مختلف الطوائف والجماعات. ثم تأتي المراحل اللاحقة لتتخطى الترميم المذكور، ولتؤسس ربما لما يتجاوز صيغة الحكم الراهنة (وآليات الشلل فيها) التي لم تعد قادرة على إدارة البلاد وحل أزماتها.
ولكن، قبل المراحل وإصلاحاتها، ولجعلها ممكنة أو على الأقل احتمالاً وارداً، لا بد من وضع عنوان وحيد للأيام والأسابيع القادمة: تحصين الاستقلال والمؤسسات الدستورية بأكثرية شعبية في أقلام الإقتراع، كي لا ينسى قادة معسكر "التعطيل والتهديد والأمر الواقع" تاريخ 7 حزيران كما لم ينسَ غيرهم تاريخ 7 أيار...
زياد ماجد

Wednesday, May 13, 2009

في النيابة وانتخاباتها

لا يسعى هذا النص الى التقليل في شيء من أهمية الانتخابات النيابية القادمة، وما تمثّله سياسياً من معركة بين خيارين: خيار ينشد الاستقرار وآخر مصرّ على إبقاء البلاد ساحة للصراعات الإقليمية وما يرافقها من تصفية حسابات.
لكنه يسعى الى الإضاءة على ثلاث قضايا غالباً ما تغيب عن النقاشات الانتخابية.
القضية الاولى هي قضية تحوّل الاستحقاق الانتخابي، حتى في لحظة سياسية شديدة التعقيد وعالية الأهمية، الى لحظة نهم تلتهم فيها قوى أهلية وعائلية وطائفية حليفاتها المدنية مضعفة البعد السياسي للتنافس ومحوّلة إياه الى شعارات فضفاضة لا يُعنى بها كثرٌ من المرشحين بقدر عنايتهم بإقامة التحالفات لتجميع الأصوات والوصول الى النجاح أو "الشهرة" (كما يفهمونها صوراً ومهرجانات وزيارات). وبذلك لا يصبح انتقالهم من لائحة الى أخرى مستغرباً، ولا قفزهم من تحالف الى آخر. حتى ليكاد البعض يقول إنه يريد انتخابات من دون سياسة أو من دون "تسييس"، وكأن المواضيع الأساسية التي يختلف عليها اللبنانيون، من الموقع والدور في المنطقة الى ملكية السلاح وقرارات الحرب والسلم في البلد، قضايا تخصّ روابط عائلية أو نوادي بلدية!

القضية الثانية هي قضية الفهم لدور النائب ولمهامه وواجباته. فالنائب هو نظرياً مشرّع ومراقب للسلطة التنفيذية وممثّل "للأمة"، ويفترض به – إضافة الى موقفه السياسي وانتمائه الحزبي أو المستقل – أن يملك مواصفات الحد الأدنى التشريعية والرقابية. على أنه واقعياً في لبنان، نادراً ما يلتزم بمهامه الدستورية وغالباً ما يكون أقرب الى متعهّد للخدمات ومعقّب للمعاملات. وهذا يفتح باب البحث في أسباب تشوّه الثقافة السياسية الناظمة للانتخابات النيابية، ويشير الى ضرورة التركيز على مسائل إصلاحية، تساهم ليس فقط في دعم معركتي الاستقلال والاستقرار، بل في بناء الدولة أيضاً. ومن بين تلك المسائل، مسألة قانون الانتخاب وضرورة اعتماد النسبية كشكل للتمثيل السليم، وكسبيل لتجديد النخب السياسية، ومن خلال الفرز السياسي البرنامجي الذي يتيح لكل مجموعة التمثّل وفق حجمها مهما كان محدوداً. ومن بين المسائل الإصلاحية أيضاً، اللامركزية الإدارية التي تقوّي البلديات وتستحدث مجالس الأقضية، فتفعّل العمل التنموي المحلي الذي غالباً ما يلتفّ عليه النواب من باب خدماتي زبائني، وتدفع الأخيرين الى الاهتمام باختصاصاتهم المفترضة (التشريعية والرقابية).
القضية الثالثة المرتبطة بما سبق، هي قضية غياب البرامج لدى أكثر المرشحين، وهو غياب وإن بدا للبعض ثانوياً أمام العناوين الكبرى للمعركة الدائرة، يبقى المدخل السليم لتمييز المرشحين عن بعضهم وفرز اللوائح والتحالفات، ويبقى المنطلق لإجراء المحاسبة لاحقاً ومقارنة الوعود بالإنجازات.
وإذا أضفنا الى هذه القضايا قضية يعتبرها كثر تجميلية أو كمالية، في حين أنها في صميم الثقافة الديمقراطية والسلوك المواطني، ألا وهي قضية ترشّح ونجاح المرشحات النساء (والمعطيات الحالية تشير الى تراجع حتى عن النسبة الضئيلة التي كانت موجودة في البرلمان الماضي، وهي في أي حال من أدنى نسب مشاركة المرأة في العالم)، بدا المشهد الى أهليّته وهشاشته يتّسم بذكورية فاقعة...
إنطلاقاً من كل ما ذكر، هل يصحّ القول إن المطالبة بالحد الأدنى من احترام السياسة بمعناها النبيل حتى وسط المعارك الانتخابية الحامية ترف لا يستحقه اللبنانيون؟
لا نعتقد ذلك، ولا نظن في أي حال أن الاستقرار والاستقلال مفصولان عن الإصلاح، ولو أنهما شرطه الأساسي، إن لم يكن الوحيد...
زياد ماجد

Wednesday, May 6, 2009

عن إطلاق الضباط الأربعة


لا بد من إحالة النقاش في مسألة إطلاق الضباط الأربعة الى ثلاثة مستويات: قانوني وسياسي وعاطفي

في المستوى الاول، أي القانوني، يجدر التمييز بين القانون الجزائي اللبناني (الذي أجاز التوقيف) وقانون المحكمة المختلطة (الذي أجاز الإفراج). فالأول يسمح بموجب المادة 108 من أصول المحاكمات التوقيف الاحتياطي للمشتبه بهم ببعض الجرائم، لا سيما ما يمسّ منها أمن الدولة، من دون مهل محدّدة. والثاني يحدّد مدة التسعين يوماً كحدّ أقصى لأي توقيف، يُصار من بعد انقضائها الى الإدّعاء على الموقوفين أو إطلاقهم، من دون أن يعني الإطلاق تبرئتهم، بل فقط تحريرهم بانتظار استكمال التحقيق وتوفّر المواد والإثباتات التي يمكن استخدامها للادّعاء عليهم وربما توقيفهم من جديد، أو تبرئتهم نهائياًَ من خلال الوصول الى وجهة اتّهامية بعيدة عنهم.
وبهذا المعنى، جاء قرار إخلاء سبيل الضباط بناءً على أن ما لدى التحقيق الدولي لا يكفي بعد لإدانتهم. لكنه لا يعني بالمقابل طيّ صفحتهم القضائية.
وفي المستوى الثاني، أي السياسي، أعاد إطلاق سراح الضباط الروح الى وجوه من الحقبة المخابراتية السورية كانت قد اختفت أو اختبأت خلف عباءة حزب الله. فعجّت شاشات
التلفزة بتلك الوجوه المدّعية تعرّضاً للجور السياسي، وتصاعد صراخها وتهديدها، وبدا وكأنها تتوثّب للعودة الى المشهد العام عشية الانتخابات النيابية القادمة.

على أنه لا يُفترض بهذا الضجيج أن يحجب جوهر الموضوع أو أن يدفع للخجل أو للتراجع عند الحديث عن التظلّم أو عما يُسمّى بالاتهام السياسي: فهناك معركة سياسية دائرة في البلاد، وهناك سياسيون ومثقفون وصحفيون وأمنيّون قُتلوا نتيجة مواقفهم وانخراطهم في المعركة، وهناك نظام معادٍ لهم مُتّهم (سياسياً) بالوقوف وراء عمليات اغتيالهم، حتى وإن لم تكتمل الأدلّة التي تدينه جنائياً.
القول "بالتسييس" إذن لا يعني شيئاً، ولا هو تهمة ولا يجب السماح له بالتحوّل وسيلة ابتزاز لإخضاع القضاء أو الأكثرية أو أهالي ضحايا الإرهاب والاغتيال.
أما في المستوى الثالث، العاطفي، فيصعب نفي المقت الذي أصاب أكثر الناس من مشهد الفجور المُتلفز. ويصعب نفي الاستفزاز الذي طال كثراً من المتسمّرين خلف الشاشات. لكن المقت كما الشعور بالاستفزاز، يولدّان أيضاً احتمالات عديدة، ليست لصالح المتسبّبين بهما، خاصة قبل أسابيع من التوجّه الى صناديق اقتراع قد تلجم المشهد السائد منذ أيام وتحاصره مؤكّدة أنه عابر ولن يتحوّل من جديد الى يوميات سياسية وإعلامية في لبنان...
 في خلاصة الأمر ومستويات نقاشه الثلاثة، أن ما جرى بُعَيد إطلاق الضباط الأربعة يُظهر أكثر فأكثر بُعد المسافات الفاصلة بين فريقين من اللبنانيين: واحد يجاهر بالولاء لأيام خوالٍ كان "جنرالات" يحدّدون السياسة فيها ويكتبون عناوين صحفية ويركّبون لوائح انتخابية ويقمعون ويسجنون إن "اقتضى" الأمر، والثاني يحاول - رغم عطب تكوينه الأهلي وتخلّف أدائه السياسي - السير نحو بلد مستقر لا تتيح ديمقراطيته، على هشاشة بعض جوانبها والتهام الطائفية لمساحات أساسية فيها، أن يتحكّم رجال أمن بالسياسة، أو أن يستبيحوا الإعلام والقضاء والحيّز العام ويُهددوا ويتوعّدوا...
زياد ماجد