Saturday, September 28, 2019

أوهام لبنانية أثارها سجالٌ حول عميل


أثارت السجالات التي دارت في لبنان مؤخراً إثر عودة المدعو عامر الفاخوري، المسؤول السابق في الميليشيات العميلة لإسرائيل والسجّان في معتقل الخيام، الى بيروت مجموعة قضايا ترتبط بالحرب والذاكرة والعفو والتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته. وظهّرت عمق الانقسامات بين اللبنانيين واختلافهم العميق على تاريخهم القريب، في ما يتخطّى الموقف من النظام السوري، رغم ادّعاءات المصالحة ووثائق التفاهم والتحالفات العريضة وما نسجته من أوهام وسوء تقدير.

ويمكن التوقف في هذا الصدد عند نوعين من الأوهام. واحدٌ يميني مسيحي ظنّ سرديّته حول الحرب ومساقاتها ودوره فيها قد تحوّلت في السنوات الأخيرة الى بداهة على غيره القبول بها وبحصريّة حقّه في تداولها. وثانٍ يساري شيوعي ظنّ شحذ العصبيات يُعيد له اعتباراً ما فتئ يبحث عنه في نظر أسياد السياسة اللبنانية الراهنين.

Sunday, September 1, 2019

عن نديم عبد الصمد وعن جانب من سيرة اليسار اللبناني


رحل نديم عبد الصمد، أبو بشار، قبل أيام عن عمر ناهز التسعين عاماً قضى سبعين منها في ميادين الشأن العام والكفاح السياسي في لبنان، وانطلاقاً منه نحو مناصرة القضية الفلسطينية وتوطيد صلات التضامن العربي والأممي.

هل ما زال "الاستثناء" اللبناني قائماً؟


سادت طويلاً بعد خمسينات القرن الماضي مقولة حول استثنائية لبنان في محيطه العربي. مردّ المقولة مذذاك أربعة أمور.
الأول، أن البلد الصغير كان لوحده خارج نطاق الانقلابات العسكرية ونخبها المستأثرة بالسلطة (من مصر الى العراق، ومن سوريا الى اليمن وليبيا، ومن السودان الى الجزائر)، وخارج الممالك بالطبع، النفطيّ منها وغير النفطي، وسائر الأنظمة المراوحة بين حدّي التوحّش والاستبداد. والأمر الثاني، أنه ذو تركيبة ديموغرافية خاصة، يتوازن فيها المسيحيون والمسلمون تقريباً، وينقسمون الى ملل ومذاهب تجد لنفسها حصصاً في السلطة ومؤسساتها وإداراتها العامة، فتُنتج نظاماً توافقياً يحول دون غلبة كاسحة لطرف، ويُبقي العسكر وأجهزة الأمن تحت أمرة السلطة المدنية وضوابط المعادلات الطائفية. الأمر الثالث، أن الاقتصاد اللبناني ليبرالي حرّ، لا تأميمات تطال رؤوس أمواله ولا تخطيطاً مركزياً يقيّد ديناميات مبادراته الفردية، ولا إملاءات صارمة على قطاعه المصرفي أو على الشركات الكبرى فيه. أما الأمر الرابع، فمفاده أن التعليم في البلد، ومثله الاستشفاء، رائدان وعريقان، تقودهما الإرساليات الأجنبية وصروحها منذ القرن التاسع عشر، ووسّعت المؤسسات الوطنية من انتشارهما، مع اعتماد لغة أجنبية أو أكثر في مختلف مناهجهما أو خدماتهما.
وهذا كلّه أنتج في ما أنتجه حيّزاً مقبولاً من الحرّيات العامة والخاصة، ومن جذب لنخب ثقافية عربية ولمنشقّين عن أنظمتهم، أو لمتموّلين فارّين من التأميمات عندهم، أو لطلّاب وطالبات وسيّاح يرون فيه تسوية أخّاذة بين المنطقة والغرب. وكان بالطبع لنكبة فلسطين أثرٌ في تكوين بعض ما أُشير إليه، إن في نتائجها السياسية الكوارثية في البلدان العربية التي أكّدت "الاستثناء" اللبناني، أو في تداعياتها الاقتصادية التي أفادت بيروت مرفأً وقطاعاً مصرفياً وخبرات مهنية.