Tuesday, November 24, 2009

مصر - الجزائر... فرنسا - إيرلندا

شهد العالم الأسبوع الماضي مباراتي كرة قدم عبّرت أحداثهما وتداعياتهما عن قضايا سياسية وأخلاقية خطيرة وعن علاقة تزداد التباساتها بين الإعلام وبين اللعبة الأكثر شعبية وانتشاراً في العالم، وبالتالي الأكثر قابلية للاستغلال والتوظيف على مستويات عديدة.

Monday, November 16, 2009

عن مقارنات السيد نصر الله بين فلسطين وجنوب لبنان


إنطلق أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير من مقارنة بين ما أسماه "18 عاماً من التفاوض و18 عاماً من القتال والمقاومة"، ليخلص الى أن التفاوض ضيّع الحقوق فيما القتال استعادها.
لكن السيد نصر الله وهو يقيم مقارنته، سها عن أمرين لا تستقيم خلاصات من دونهما.
- الأول، اعتماد معايير "علميّة" (بالحدّ الأدنى) للمقارنة بين حالات التفاوض والمقاومة وبين حالات الاحتلال: فحالة فلسطين ليست كحالات سيناء أو جنوب لبنان أو الجولان. ولا يمكن لحصيف أن يقارن الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين الساعي الى إلغاء هويّتها وإقامة المدن والمستوطنات فوق بلداتها واستبدال الأسماء فيها وتغيير معالم أمكنتها وادّعاء حق تاريخي في أرضها وبحرها وسمائها، بالاحتلال لجنوب لبنان، حيث أقام الجيش الغازي مواقع ومعابر عسكرية حصراً، واعترف على الدوام باحتلاله لأسباب وذرائع كان يختلقها.
وبالتالي، لا أوجه شبه بين "صراع الوجود" و"صراع الحدود" تتيح تقديم خلاصات كالتي توصّل إليها أمين عام حزب الله في كلمته، والتي كان يمكن فهمها لو أن السيّد قارن الجنوب بالجولان، أو لو أنه قدّم النصح لحليفه الرئيس السوري بالسير في طريق المقاومة لتحرير الأرض، عوض الطلب الى الأتراك التوسّط مع الاسرائيليين لاستئناف المفاوضات.
- والأمر الثاني، هو مقاربة المسار الفلسطيني على نحو مركّب يشبه تركيبه وتعقيده. فليس صحيحاً أولاً أنه كان مسار تفاوض فقط. وليس صحيحاً ثانياً أن لا شيء أُنجز في المسار الفلسطيني التفاوضي، على الأقل بين عامي 1992 و1996. وليس صحيحاً ثالثاً أن القتال العشوائي غير المحكوم بأفق سياسي أدّى في السياق الفلسطيني الى نجاحات ميدانية تُذكر.
فالمفاوضات بين منظمة التحرير وإسرائيل جاءت بعد عقود من المقاومة من خارج حدود فلسطين، ثم من داخلها. وهي جاءت نظرياً، وفق قرار الأمم المتحدة 242، وبدأت بعد انتفاضة الحجارة التي فرضت فلسطين على الخريطة السياسية العالمية عام 1987 وأجبرت الاسرائيليين على الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبقائده ياسر عرفات. ثم كانت عودة الأخير الى غزة والضفة إيذاناً بإعادة فلسطين الى الجغرافيا "الرسمية" العالمية.


والمفاوضات - بإدارتها العرفاتية - لم تحُل في أكثر من محطة دون إطلاق تحرّكات شعبية للردّ على الانتهاكات الاسرائيلية أو محاولات المماطلة والتملّص من الاتفاقات. كما أنها أثمرت تحريراً لأكثر من منطقة محتلة في الضفة والقطاع. وعندما راح الاسرائيليون "يعوّضون" عن انسحاباتهم العسكرية بتوسيع المستوطنات وقطع أوصال الضفة لمنع قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، انفجرت الانتفاضة الثانية في وجههم عام 2000، ووضعتهم خلال أشهرها الأولى تحت الضغط سياسياً وإعلامياً وديبلوماسياً. لكن العسكرة العشوائية للانتفاضة، وتحوّل القتال والعمليات الانتحارية عند البعض الى هدف في ذاته، ورفض الفصائل القريبة من السيد نصر الله وحليفيه الإقليميّين وقف النار الذي دعا إليه الرئيس عرفات بعد 11 أيلول 2001، ساهمت في السماح لإسرائيل بالإفلات من الضغط والانقلاب على ما قبلت به سابقاً على مضض. فراحت تدمّر المؤسسات وترتكب الجرائم وتقضم ما تحرّر من أرض وتكثّف الاستيطان وتبني الجدار، وتحاصر عرفات عدوّها الأول (وربما الأوحد) للقضاء عليه، مستفيدة من المناخات الدولية والإقليمية التي خلقتها اعتداءات نيويورك وواشنطن ثم حربي أفغانستان والعراق.
ما جرى بالتالي بعد عسكرة الانتفاضة الثانية على النحو الذي شهدنا (رغم أنه حمل عدداً من العمليات قتلت من الجنود والمدنيين الإسرائيليين أكثر مما قتل منهم حزب الله منذ نشأته، وليس في السنوات ال18 السابقة فقط) أدّى الى تقلّص الرقعة الفلسطينية المستعادة مقاومةً وتفاوضاً، ثم الى اهتراء الساحة السياسية المنكوبة برحيل عرفات وبهتان من خلفه من جهة، و"لا سياسة" مقاومة حماس وحروبها الأهلية وارتهانها الى دمشق وطهران من جهة ثانية، وشراسة الهجوم الاسرائيلي الشامل من جهة ثالثة. فها نحن اليوم، نتيجة كل هذا، أمام وضع فلسطيني شعبي ورسمي استثنائي التدهور والتفكّك.


إنطلاقاً مما ذُكر، يجوز القول إنه من الأفضل لجميع من يودّ تناول الشأن الفلسطيني أن يُبعد فلسطين عن المقارنات. فالصراع فيها وأدواته وأساليبه لا تشابه بينها وبين ما وقع أو قد يقع في الجنوب اللبناني أو في أي منطقة عربية أخرى مجاورة للدولة العبرية. وأفضل ما يمكن قوله لأهلها بعيداً عن الحديث عن التفاوض أو المقاومة، هو تكرار قول إدوارد سعيد في أن الولوج الى التحرّر وانتزاع الحقوق الوطنية يتطلّب - إضافة الى الصمود في فلسطين - كسب معركة الرأي العام العالمي، تماماً كما كسبها النضال الجنوب أفريقي ضد التمييز العنصري.
أما الصراخ وأحاديث الغيب والمقارنات التبسيطية، فمزايدات عابرة لا تقدّم ولا تؤخّر، ويفيد مطلقيها لو يتواضعوا بعض الشيء.
زياد ماجد

Tuesday, November 10, 2009

بعض الصراحة ضروري

ثمة مرحلة قد انتهت منذ 7 حزيران 2009
مرحلة شهدت تضحيات وإنجازات كبيرة، أهمّها أولاً إخراج القوات السورية من لبنان بعد 29 عاماً على اجتياحها له. وأهمّها ثانياً تفكيك الأوهام والهالات القدسية التي كانت تحيط ببعض القوى، كما وببعض الخطابات والمواقف التبسيطية حول الوضع السياسي وأزمة النظام والحراك الطائفي والمناورات والتحالفات والقسمات المذهبية.
لكن المرحلة شهدت أيضاً إنكشافاً لنقص الإجماعات الوطنية على صراعات المحيط الإقليمي ومحاولات أطرافه التحكّم والسيطرة على بلد يعتبرونه ساحة للرسائل بالكلام والدم.
وشهدت كذلك المزيد من التصدّع في الثقافة السياسية وفي احترام المؤسسات الدستورية وفي الاستخفاف بالقانون والمبادئ الأساسية الناظمة للحياة الديمقراطية.
ورغم أن 7 حزيران أنتج هزيمة إنتخابية لمعسكر حزب الله وردّ على ما نفّذه الحزب في 7 أيار 2008 من فرض لقواعد سياسية بواسطة السلاح والاستباحة الميليشياوية لبيروت، إلا أن عجز المعسكر الاستقلالي (غير المفاجئ) عن بناء دينامية سياسية بعد الانتخابات لأسباب داخلية مرتبطة بفقدانه البرنامج وتضعضع تحالفه، ولأسباب خارجية متأتّية من مستجدّات إقليمية ومصالحات ضغطت عليه، تضاف إليها أسباب أمنية نتيجة الخشية من سعي المهزومين إنتخابياً الى معاودة الاحتكام الى رصاصهم، جعلت الأمور خلال مفاوضات تشكيل الحكومة تأخذ منحى تنازلياً ألغى الى حدّ بعيد نتائج الانتخابات وأعاد الامور الى ما كانت عليه في 6 حزيران 2009.

وينبغي القول إنه مقابل الأداء التراجعي للمعسكر الاستقلالي، تمكّن معسكر حزب الله من التموضع خلف العماد ميشال عون ورفع قدرته الابتزازية الى أعلى مستوى ممكن للإستفادة من الحاجة الماسة عند الرئيس المكلّف لتشكيل حكومة، وتحصيل أقصى ما يمكن تحصيله ليس من أجل الحصة في ذاتها فقط، بل من أجل ثلاثة أمور إضافية:
الأول، القول إن التوافق يعني على الدوام حكومات ائتلاف تمثّل الجميع بمعزل عن الانتخابات النيابية ومن يفوز فيها. وهذا مؤشر الى نحوٍ ثقافي سياسي يُؤثِر القفز فوق خيارات المواطنين وأهوائهم وتفضيل تركيبات "لويا جورغية" تجعل السلطة مجلس إدارة لا يستطيع أخذ القرارات، أي قرارات، إلا بالإجماع. وهذا في ذاته تعطيل للسلطة الشرعية ومؤسساتها، وترك للأمر اللاشرعي الواقع بالتصرّف وقت الحاجة.
الثاني، تيئيس كثر من الناس من جدوى الالتزام السياسي ومعناه، وتيئيسهم من التمسّك بحقّهم في العيش في بلد مستقل وحر وفي كنف دولة وقوانين. وطبعاً تساعد التركيبة المذهبية والمصالح الطوائفية لأكثر القوى على إنجاح هذا التيئيس.
الثالث، تذكير اللبنانيين بأن أحد الأطراف، أي حزب الله، يملك فائض قوة – مسلّح – يستطيع، إن لم يجرِ التجاوب مع ما يريد، إستخدامه لحسم الأمور. وهذا يشكّل مقتلاً للسلم الأهلي وللحياة المدنية عامة.
فهل بعد ما ذُكر، نكتفي بالمكابرة ونبتعد عن تطارح الأسئلة الصريحة حول الضروري فعله في الوقت الراهن، والواجب فعله تأسيساً للوقت المقبل؟ وهل نكتفي بالبهورة أو بالاستسلام لليأس؟
"تشاؤم العقل، تفاؤل الإرادة"، قال أنطونيو غرامشي في سجنه ذات مرة. لعل تذكّر قوله هذا مفيد بعض الشيء في هذه الأيام. ومفيد أيضاً البدء بالبحث في الممكن وفي المنشود...
زياد ماجد

Thursday, November 5, 2009

ثلاثة نماذج شرق أوسطية

يبدو الشرق الأوسط، وهو تسمية لمنطقة تتراوح تعريفاتها الجغرافية بين حدّ وحد وفقاً لخلفية المستخدم ومراميه، مساحة بائسة تبرز فيها دول قوية ثلاث: إسرائيل وإيران وتركيا.

الأولى، مهجوسة بالأمن والديموغرافيا، تحكمها شراسة عدوانية بحجة الخوف، وتتصرّف كقلعة محاصرة تبني الجدران العازلة مع محيطها الفلسطيني المباشر وتسعى الى قهره وقطع الماء والهواء عنه ليقرّ لها احتلالها وتوسيعها ما زرعته من مستوطنات وحواجز ونقاط تفتيش ومراقبة فوق أراضيه.

الثانية، توسّعية، تبحث عن جسور ومواطئ أقدام في الدول المحيطة بها، وتبني تحالفات مع أقليات مذهبية هنا وهناك، إنطلاقاً من إيديولوجيا وبترو دولار وطموح نووي، وانطلاقاً أيضاً من "سذاجة" أميركية استراتيجية في قراءة وضعها، جعلتها طليقة اليدين شرقاً بعد حرب أفغانستان ، وغرباً بعد حرب العراق.

والثالثة، متحرّكة بثقة واتّزان، مستندة الى حداثوية سياسية ومؤسساتية، تتكئ الى ماض أمبراطوري والى مجتمع تقليدي فيه من آثار المجتمعات المحيطة به - والتي حكمها لقرون - ما يسهّل تواصله العميق معها.

وعلى هذا الأساس، تبدو الدولة الاولى، إسرائيل، عاجزة عن النجاح في أي تطبيع أو اختراق أو تعايش مسالم مع دول المنطقة وشعوبها رغم استفادتها من الدعم الغربيّ ومن الوهن الفلسطيني والعربي. وهذا يبقيها في حال استنفار دائم، ويجعل منها دولة حربية لا صلة لها بجوارها سوى صلة الحقد والبارود.

والدولة الثانية، إيران، غير قادرة بدورها على إقامة العلاقات الحسنة والمطمئنة مع الجوار، ولو لأسباب مختلفة، تراوح بين المذهبية وبين خوف الجيران من جنوح السيطرة والتحكّم البادي على سلوكها. وهي لذلك، لا تملك أي حليف على مستوى الدول غير سوريا، "فحلفاؤها" الباقون منظمات أو جماعات أقلّوية تتعاطى معهم من موقع الراعي والمموّل والموظّف أكثر منه من موقع "الحليف"، ولو أنهم في الكثير من الحالات أصحاب مشروعيات شعبية ضمن بيئاتهم.

أما الدولة الثالثة، تركيا، فعلى خلاف الدولتين الأوليين، تبدو من خلال دينامية ديبلوماسيتها الرصينة مؤثّرة ومقبولة في أكثر دول جوارها، إن لم يكن جميعها. فها هي تصالح عدواً تاريخياً وضحية لأمبراطوريتها هو أرمينيا، وتطبّع أكثر فأكثر مع خصم عنيد هو اليونان (للعبور من بوابته نحو أوروبا)، وتستمر في استثمار عمقها التاريخي واللغوي والديني في آسيا الوسطى.

وهي، إضافة الى ما ذكرنا وفي ما يفوقه أهمية، حليفة في الوقت نفسه لكل من روسيا والولايات المتحدّة، قريبة في مذهبها الى المذهب الإسلامي الأكبر المنتشر في المنطقة والعالم. وقد بدأت تبتعد منذ سنوات عن العلاقة الوطيدة بإسرائيل، من دون أن يُظهر ابتعادها هذا ميلاً للتخلي عن حلفها الاستراتيجي مع "شمالي الأطلسي". وهي بالتالي تحافظ على علاقاتها بالقوى العظمى وبالمنظومات الدولية، وتقترب من عواطف وعقول قسم كبير من أبناء محيطها الجيو سياسي، وتحاول حتى تحسين علاقاتها بالأكراد، ضحاياها المستمرّين (وضحايا أنظمة ايران والعراق وسوريا، وضحايا أنفسهم أيضاً!)...

بذلك، يبدو المشهد الشرق أوسطي اليوم فيلماً ثلاثي الأبعاد وثتائي السرعة: بعد جامد هو الاسرئيلي، بعد متحرّك ببطء على حافة الهاوية هو الايراني، وبعد شديد الحراك من دون أن يكون حراكه مقلقاً أو مفزعاً، هو التركي.

أما الجمهور المتفرّج على المشهد وتفاصيله، فهو عربي لم تظهر الى الآن إمارات تحولّه الى لاعب، ولا إضافته بعداً جديداً على الصورة، يغنيها أو يعدّلها...

زياد ماجد