Thursday, December 25, 2008

المدوّنات والتزوير: "فيلكا" نموذجاً

ليس في مبدأ الحملات الإعلامية والشتائم والتشهير جِدّة. فالأمر شائع استخدمته في السابق أنظمة وأحزاب وتيارات وأشخاص من خلفيات وانتماءات مختلفة، بهدف الابتزاز أوالتضليل أو تلطيخ السمعة أو التشويش أو خلق القلاقل، أو جميعها معاً

وبهذا المعنى، لا جديد في ما يعتمده البعض اليوم في منابره الإعلامية وصحفه من حملات على خصومه أفراداً وجماعات على أن الجديد يأتي راهناً من الإعلام الإلكتروني، أو من الإنترنت، بحيث صار بعض المواقع والمدّونات حقل تجارب لحملات الهجاء وتحوير الكلام، يطوّر مفاهيم التزوير وأساليبه، ويوغل في قباحة المضمون ولغته إيغالاً صفيقاً. ومردّ ذلك، سهولة إخفاء هوية المالك للموقع أو المدوّنة وتبييض انتمائه (على نحو ما تُبيّض الأموال)، وحتى ادّعاء انتماء يناقض بمسمّاه (وبمؤدّيات هذا المسمّى السياسية) انتماء الجهة الفعلية المتّخِذة له. فخلف المواقع والمدوّنات، إن لم تكن ممأسسة أو مشخصنة، لمسات أشباح، تتناقل الألسنة المنسوب إليها والسؤال عن آخر مستجدّاتها، في "السرفيس" أو عبر الهاتف أو في الصالونات، معتمدة إسماً لها يبدو غريباً، ثم يصبح صفة أو نسبة لوصم موقع بالفضائحية أو الاستخباراتية؛ كما يتحوّل الإسم الى مذمّة تُطلَق على شخص أو طرف أو أسلوب وضيع في الكتابة والتلفيق.


ما يسمّى بفيلكا إسرائيل
في هذا السياق، تبرز مدوّنة "فيلكا"، أو "فيلكا إسرائيل" كما يسمّيها المسيّرون لها. وهي مدوّنة وُلدت "رسمياً" حين نقل "حزب الله" عنها بالتواتر، عبر مواقع إخبارية تابعة له أو مؤازرة، تلفيقات تطال بعض الكتّاب والسياسيين المعارضين له وللنظام السوري.
تلا ذلك نقل العديد من مواقع الانترنت والوكالات، تواطؤاً وسوءَ نيّةٍ أو تصديقاً ساذجاً "لهوية إسرائيلية"، ما سُمّي ملفات منشورة في "فيلكا" هي أقرب الى الهلوسة السمجة منها الى أي شيء آخر. وفي ما هو أبعد من فعل نقل الموبقات المشار إليها أو من أسباب هذا النقل، يشي سلوك بعض الناقلين بأمور لا تخلو من دلالات. الاولى، محاولة إسباغ صدقيّة، ولو صبيانية، على "الخبر" المنقول طالما أن موقعاً "للعدو الصهيوني" كرّره، والعدوّ المذكور "ماكر ذو معلومات مؤكّدة"، وهو "ليس مع حزب الله وسوريا، فما مصلحته في التلفيق ضد معارضيهما"؟ والثانية، تعفّف مفتعل عن الانغماس في الشتم، وتركه للأدوات للتنصّل منه عند الضرورة. والثالثة، محاكاة مناخ شعبي معمّم في لبنان والمنطقة، يميل الى التعاطي مع الشأن العام على نحو يشبه النميمة، أو المشافهة الناقلة للفضائح والاختلاقات وما يرافق ذكرها من "متبّلات" وحاجات مبالغة تدفع الى المزيد من الفضول، والى المزيد من تأكيد قباحة الخصم بهدف الاستسلام الكسول الى ابتسامات الرضا على الذات وعلى الموقف الصحيح الذي تتّخذه منه (أي من الخصم) في الصراعات الدائرة.
وإذا كانت محاكاة المناخ الشعبي وتأجيج تعلّقه بالاتهامات والأحكام قد تحوّلت الى سمات الأداء السياسي والإعلامي في مراحل الاحتقان، وهي مطَمئنة للأنصار المباشرين والمتناكفين وليقينهم السياسي، فإن التلطّي خلف هوية إسرائيلية لترويج مقولات معسكر لبناني يقوده حزب الله، ينبغي أن يُقلق بعض المصدّقين من الجمهور الأوسع، وأن يهزّ قناعاتهم. فحقد "الفيلكاويين" على خصوم الحزب يبدو بلا حدود، ويتخطّى منطق السؤال عن "المصلحة من ورائه"، ليلامس البحث في أسباب التطابق الكامل (حتى في الأسلوب والركاكة اللغوية) بين تعليقاته اليومية على الأحداث، وبين آراء سياسيين وكتبة مقالات تُنشر في صحف أو على مواقع حزبية وجهوية منتمية الى اليمّ المقاوم وجبهته. وهذا ما نظنّه بليغ الإشارة الى مستوى "الثقافة" التي يريد تعميمها هؤلاء.


في ما هو شخصي
 وبالعودة الى مدونّة "فيلكا"، نشير الى إنها في ما تعكسه من سوقيّة وشتم وتخوين وما تنسجه من أكاذيب، لا تكتفي بانتحال "الجنسية الإسرائيلية" نأياً بنفسها عمّن تخدم (وأسماء العاملين فيها باتت مُتداولة)، بل تعتمد أسلوباً يقوم على نحل بذاءات ونسبها الى كتّاب. ولعل تجربتي الشخصية مع هذه المدوّنة، لافتة ومقزّزة في الوقت عينه. فهي لافتة إن أراد المرء قياس العمر العقلي لمحاولي نسب الكتابات لي (وإقرانها غالباً بصورتي وبألقاب "رفاقية" وأكاديمية)، ولافتة أيضاً إن أراد إعمال علم النفس لفهم أسباب "الهوس" الأسبوعي بتلبيسي مقالات أو تصريحات أو مقابلات مشينة (صار عددها 19، وهي على الأرجح الى ازدياد) على أمل النجاح في تلطيخ سجل أو توتير علاقات مع مذمومين "على لساني"، بعضهم أصدقاء وبعضهم الآخر صحفيين وسياسيين وديبلوماسيين وعسكريين لا أعرف أكثرهم شخصياً (ناهيك بكيل الاتهامات للحبيب سمير قصير "بقلمي"). لكنها مقزّزة لجهة تظهيرها ليس أخلاق المخبرين الصغار في المدوّنة، بل أخلاق الجهات المتبنّية - أو على الأقل- المروّجة لهم، خاصة وأن الأمور لم تقف عند هذا الحد المازج التزوير بثقل الدم. فقد عكس بعض المنسوب إليّ (كما المتّهم به سواي) رغبة واضحة في التحريض الرخيص من خلال توقيع شتائم للإسلام والمسلمين ونبيّهم كما للسلفيين والسعوديين وساستهم بإسمي، أو ادّعاء مشاركة لي في اجتماعات مختلقة في الأردن تارة وفي فرنسا تارة أخرى، وإبراز صورة على أنها "إثبات" لوجودي في لقاء مع إسرائيليين، هي في الواقع مأخوذة عن موقع معهد العالم العربي في باريس، حيث شاركتُ في ندوة الى جانب باحثَيْن لبنانيّين وآخر فرنسي وبإدارة ناشر  ومؤرّخ سوري، يتشرّف المرء بصداقتهم ومجاورتهم.
كما عكس، من خلال آخرما نقله موقع سوري (موقع "عكس السير") عن "فيلكا"، محاولة توظيف سياسي لمقال مزّور والتشديد على كون كاتبه المزعوم (أي الكاتب الفعلي لهذه السطور!) "معادياً لسوريا" (وبالتالي لا غاية له في الدفاع عنها) من أجل اتهام آل الحريري بتحريك فتح الإسلام ثم لصق جرائم إرهابييها بنظام دمشق.


عن إنجاز وحيد... وعن الردّ
في المحصّلة، يمكن القول إنه لا يسَجّل للانحدار الذي تمثّله "فيلكا" والقابعين خلفها سوى إنجاز وحيد: جعل المشتومين أو المنتحَلة شخصيّتهم في حيرة من أمرهم بين الاضطرار الى التوضيح والرد على الأضاليل، والوقوع بالتالي في فخ الشتّامين و"الترويج" غير المباشر لهم، وبين التجاهل ترفّعاً عمّا قد يبدو سجالاً مع من لا قدْر لهم ولا قيمة، والقبول تالياً باحتمال أن ينطلي تزويرهم على البعض من القرّاء أو المهتمّين. وفي أي حال، ومع نشر هذا المقال، لا بد من التأكيد لمن هم خلف "فيلكا" ولكل من يَنقل عنها، أن ثمة ما قد ينفع أكثر من الردّ أو التجاهل، وهو القوانين التي ترعى المدوّنات ومواقع الإنترنت، والتي يمكن اللجوء إليها "للعلاج"... وهذا ما لن يتأخّر
زياد ماجد