Saturday, September 10, 2016

جغرافيا الصراع في سوريا وديناميّات المناطق الخمس

نُشرَت هذه الورقة في "مركز الجزيرة للدراسات"، وهي تقريرٌ حول أحوال سوريا الميدانية والسياسية حتى الأول من أيلول/سبتمبر 2016، وقراءة في جغرافيا الصراع فيها وعليها وديناميّاته المناطقية

ملخّص تنفيذي

تتسارع التطورات الميدانية في سوريا، وتتسارع معها التطوّرات السياسية، من دون أن يعني ذلك حدوث تغييرات جذريّة في المقاربات الدولية والإقليمية لِسُبل حلّ الصراع المُحتدِم فيها.
وشهد شهرا تموز/يوليو وآب/أغسطس 2016 معارك عنيفة في مدينة حلب بدأت بنجاح نظام الأسد وحلفائه مدعومين بالطيران الروسي بتطويق الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها قوى المعارضة في المدينة، وانتهت بتمكّن القوى الأخيرة من فكّ الطوق مؤقّتاً عن تلك الأحياء وفتح جبهات قتال جديدة في جنوب المدينة وغربها (عاد النظام وحلفاؤه وتقدّموا فيها). وتلى معارك حلب تصعيدٌ في قصف النظام لداريّا قرب دمشق ولحيّ الوعر في حمص ولمناطق عدّة شارك الطيران الروسي أيضاً في قصفها. وأدّى الأمر بعد سنوات حصار أربع الى تهجير كامل من تبقّى من سكّان داريّا وخروج المقاتلين وفق اتّفاقٍ قام مفهومه – كما حصل في حمص القديمة في السابق وكما في الزبداني – على إفراغ مدنٍ أو مناطق من سكّانها بعد إخضاعهم جوعاً وقتلاً من دون تدخّلٍ من الأمم المتّحدة ووسيطها.
على أن التطوّر الميداني الأبرز الذي حصل في الأسبوع الأخير من شهر آب/أغسطس كان دخول مدرّعات وقوات خاصة تركية الى داخل الأراضي السورية في ظلّ إسنادٍ جوي لدعم قوّات من "الجيش الحر" في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" في جرابلس بغية طرده منها ومن الشريط الحدوديّ مع تركيا غرب نهر الفرات، وبغية دحر الميليشيات الكردية وحلفائها من مناطق سبق وتمدّدت فيها بغطاء جوّي أميركي في الأشهر الأخيرة غرب النهر أيضاً.
جاء هذا التطوّر في لحظة إعادة تموضع سياسي تركي تبِع محاولة الانقلاب الفاشلة في أنقرة، تصالحت فيها تركيا مع روسيا وضاعفت اتصالاتها مع إيران واستقبلت نائب الرئيس الأميركي الذي شهدت العلاقات مع بلاده توتّراً لأسباب سورية – كردية ونتيجة موقف واشنطن الملتبس من محاولة الانقلاب ومن المُتّهم من أنقرة بالوقوف وراءها، الداعية فتح الله غولن.
في المحصّلة، بدا المشهد السوري مع نهاية فصل الصيف السادس التالي لبدء الثورة السورية في آذار/مارس 2011 مُقبلاً على تحوّلات ميدانية في شمال البلاد قد تُوسّع من سيطرة المعارضة السورية الترابية فيه برعاية تركية، مقابل تعزيز النظام مدعوماً بحلفائه لسيطرته على المناطق المتاخمة للعاصمة دمشق، في وقت بردت فيه الجبهة الجنوبية وبدا أن قراراً دولياً وديناميات محلية تَحُول دون التصعيد العسكري فيها الذي لو حصل لخفّف العبء عن مناطق عدّة.
وهذا كلّه يُحيل الى خلاصةٍ مفادها ميلٌ دولي لتجميد بعض الجبهات و"تلزيم" جبهات أُخرى لقوى إقليمية أو غضّ النظر عن تدخّلها فيها مقابل مساهمتها في ضرب "داعش" وتقليص مساحات انتشارها. أما الحلّ السياسي الجدّي المرتبط بانتقال السلطة في دمشق ووقف جميع الأعمال الحربية، فيبدو أنه ما زال بعيداً.
 
مقدّمة

منذ بداية الثورة السورية ثم تحوّلها الى كفاح مسلّح فحرب شاملة، يشهد كلّ صيف حلقة جديدة من حلقات الصراع المرير.
هكذا، شهد الصيف الأول (إبتداءً من آب/أغسطس 2011) بدء عسكرة الثورة بعد احتلال دبّابات النظام للساحات العامة التي كانت تشهد التظاهرات والاعتصامات، وبعد ارتكابه المجازر ضد المتظاهرين والناشطين السلميّين. ثم شهد الصيف الثاني (ابتداءً من تموز/يوليو 2012) معارك دمشق وحلب التي أدّت الى سيطرة المعارضة على أحياء حلب الشرقية وعلى مناطق واسعة في ضواحي دمشق (الجنوبية والشمالية) ودخول سلاح طيران النظام الأسدي وصواريخه البالستية لأوّل مرّة الحربَ على الأكثرية السورية. وشهد الصيف الثالث (في شهر آب/أغسطس 2013) استخدام النظام سلاحه الكيماوي في غوطتَي دمشق قاتلاً في ليلة واحدة أكثر من 1400 مدني، ونجاته من تهديدات أميركية بعقابه على انتهاك "الخطّ الأحمر" الوحيد الذي كان الرئيس أوباما قد وضعه له عقب امتثاله لمفاعيل الصفقة الأميركية الروسية التي قضت بتسليمه ترسانته من غاز السارين مقابل التراجع عن ضربه.
أما الصيف الرابع، فقد شهد في أواخر حزيران/يونيو 2014 إعلان "الدولة الإسلامية" من قِبل أبي بكر البغدادي وتمدّد تنظيمه في الأراضي العراقية والسورية، ثم دخول الولايات المتّحدة والتحالف الدولي الذي تقوده بحربٍ جوّية ضده في العراق وسوريا ابتداءً من آب/أغسطس.
وفي الصيف الخامس، صيف العام 2015، وبعد سلسلة هزائم عسكرية لنظام الأسد وحلفائه في شمال البلاد وجنوبها، أعلنت روسيا بدء تدخّلها العسكري المباشر في سوريا، وراحت منذ 30 أيلول/سبتمبر تقصف مواقع المعارضة السورية لحماية النظام، ثم لتمكينه من استعادة مناطق خسرها على مقربة من الساحل وتعزيز سيطرته على خطّ دمشق – حمص – حماه – حلب بما يمنع عنه تهديد السقوط.
وفي الصيف الحاليّ، صيف العام 2016، تسارعت التطوّرات العسكرية ومعها الحراك السياسي الدولي والإقليمي، وبدأت تظهر النتائج المرحلية لكلّ ذلك تباعاً.


معركة حلب الكبرى

بعد موجة قصف جوّي روسي عنيف استهدف المستشفيات والمخابز والمنشآت المدنية في أحياء حلب الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة السورية بهدف تعطيلها وجعل حياة المدنيّين والمقاتلين فيها أكثر صعوبة وخطورة[1]، شنّت قوات النظام السوري في مطلع شهر تمّوز/يوليو 2016، بمؤازرة برّية من مقاتلي "حزب الله" اللبناني[2] ولواء "فاطميّون" الأفغاني-الإيراني وميليشيات "الدفاع الوطني" هجوماً واسعاً على طريق الكاستيلو، وهو الطريق الحيوي الوحيد الذي يربط الأحياء الشرقية لحلب بريف المدينة وبامتداده نحو ريف إدلب[3]. وتمكّنت هذه القوات من قطع الطريق بالنار في 17 تمّوز/يونيو ثم باحتلالها بعد ذلك بتسعة أيام، مُحكمةً بالتالي الحصار على الأحياء الشرقية. تبع الأمر إعلانٌ روسي عن فتح "ممرّات إنسانية لتسهيل خروج المدنيّين المحاصرين"[4]، وفق خطّة إعلامية من موسكو هدفها الترويج لقُرب سقوط المدينة بأكملها ثم الطلب الى مبعوث الأمم المتّحدة دي مستورا الدعوة لاستئناف المفاوضات في لحظة ضعف استثنائي للمعارضة السورية.

لكن الأخيرة، المُستنزفة قواها العسكرية على جبهات قتالٍ شمال حلب مع "تنظيم الدولة" إضافةً الى معاركها مع النظام جنوب المدينة وشرقها وتعرّضها اليومي للقصف الجوّي الروسي، ردّت بإعلان النفير العام، وسرّعت من وتيرة تحضيراتها لهجوم مضاد يُعيد التوازن الى الجبهات العسكرية.
تلاحقت التطوّرات بعد ذلك. فأعلن أبو محمد الجولاني في 28 يوليو/تمّوز انفكاك "جبهة النصرة" عن تنظيم "القاعدة" واتّخاذها مسمّى جديداً هو "جبهة فتح الشام"[5]. كما أعلنت غرفة عمليات "فتح حلب" (بمشاركة فاعلة من "حركة الزنكي" و"جيش المجاهدين" و"تجمّع فاستقم" و"الفرقة 13" و"لواء صقور الجبل" و"الفرقة الوسطى" و"لواء السلطان مراد" وغيرها من المجموعات والقوى المنضوية في "الجبهة الشامية") التعبئة في صفوفها، وحشدت قوات "جيش الفتح" (المشكّلة على نحو أساسي من مقاتلي "جبهة فتح الشام" و"أحرار الشام" و"فيلق الشام" و"الحزب الإسلامي التركستاني") عديدها على مقربة من حلب واستدعت تعزيزات من محافظة إدلب، في ما بدا أنه استعداد لهجوم بِهدف فكّ الطوق عن شرق المدينة.

وفي 31 تموز/يوليو، شهدت بعض أحياء حلب مظاهرات[6] رفعت أعلام الثورة (علم الاستقلال السوري) وهتفت للجيش الحرّ ودعت للمواجهة وفكّ الحصار. ترافق ذلك مع إحراق إطارات في الكثير من أنحاء المدينة وضواحيها بهدف خلق سحابة سوداء فوقها تحدّ من وضوح الرؤيا لدى الطيّارين في سلاحي الجو الروسي والسوري. وابتداءً من ساعات بعد الظهر، شنّ حوالي ثمانية آلاف مقاتل من "فتح حلب" و"جيش الفتح"، مدعومين بمدرّعات ودبّابات سبق أن غنموها من جيش النظام، ومدعومين أيضاً برمايات مدفعية وصاروخية كثيفة، هجوماً واسع النطاق جنوب حلب وجنوبها الغربي. وقد فاجأ موضع الهجوم وقوّته النظام وحلفاءه الذين كانوا ينتظرون هجوماً شمال غرب حلب، في محيط طريق الكاستيلو، كما فاجأهم طول الجبهة التي فتحتها الفصائل المعارضة (حوالي 22 كيلومتراً). وبعد ستة أيام من المعارك الضارية، نجح المعارضون في كسر خطوط النظام و"حزب الله" وسائر حلفائهما في أكثر من محور، وسيطروا على منطقة الراموسة والتلال المحيطة بها، فاكّين بذلك - من الجنوب الغربي - الطوق عن الأحياء الشرقية التي شارك مقاتلوها بالمعارك وفجّروا أنفاقاً غرب المدينة تحت مواقع حسّاسة أمنيّاً للنظام، الذي ردّت قواته والطيران الروسي الداعم لها بقصف عنيف شمل مسرح العمليات والأحياء السكنية المجاورة.

شكّلت معركة حلب نصراً معنوياً للمعارضة السورية، كما شكّلت إنجازاً عسكرياً أظهر قدرة تنسيق عالية بين قواها مقابل تراجع لقوى النظام وحلفائه رغم سلاح الجوّ المواكب لها، جعلها تقاتل مدافعةً بعد أن كانت تدّعي قُرب سيطرتها التامة على المدينة. كما أظهر ما سبق المعركة مِن تظاهرات وفعاليات وحرق إطارات تلاحماً بين مدنيّين ومقاتلين يكافحون لفكّ الطوق عنهم ومنع التجويع ومحاولات الإخضاع التي أرادها النظام لهم. لكن التحصين السياسي للنصر العسكري الموضعي لم يجرِ لأسباب لها علاقة بضعف الصلة بين القيادات السياسية للمعارضة السورية والقيادات العسكرية والميدانية. والإدارة السياسية للمعركة لم تتطوّر من جهتها، إذ بدت الدعوات المعارِضة الصادرة عن بعض قادة الفصائل المقاتلة الى اقتحام غرب حلب أقرب الى الارتجال منها الى التخطيط والتقدير الدقيق لتبعات الأمر. فلا الاقتحام هذا يسيرٌ أو مُتاحٌ عسكريّاً أصلاً، والأجدى بالتالي تثبيت المواقع المحرّرة وتأمين الطريق عبر الراموسة وتوسيع السيطرة في محيطها لحمايتها من الرمايات المباشرة التي هدّدت بإقفالها وحصار شرق حلب من جديد. وحتى لو اعتبر البعضُ أن الاقتحام ممكنٌ نتيجة انهيار معنويات النظام وحلفائه وتراجع دور سلاح طيرانهم في معارك الشوارع والالتحام المباشر بين المقاتلين، إلّا أن تحمّل مسؤولية أكثر من مليون مدنيّ يعيشون في حلب الغربية وإدارة مرافقهم بعد السيطرة عليها أمرٌ لا طاقة للمعارضين عليه في ظلّ تعرّضهم الدائم للقصف، الذي سيزداد بالتأكيد ضراوةً كلّ ما تقدّموا أو حرّروا مساحات جديدة.


إقليمياً ودولياً، ظهّرت معركة حلب حجم الدعم اللوجستي الذي أمّنته تركيا للقوى المشاركة. والأرجح أن الأمر جرى بتسامحٍ أميركي أو بِغضّ طرف من قبل واشنطن التي قالت إن مفاوضاتها مع الروس في جنيف لم تصل وقتها الى نتائج إيجابية. ولم يخلُ توقيت المعركة عشية المصالحة التركية الروسية وزيارة الرئيس أردوغان الى موسكو من دلالات (رغم قِدَم التحضيرات لها). إذ برزت رغبة تركيّة في إظهار حزمٍ ميداني ورفضٍ لإسقاط حلب، توازيهما مرونة ديبلوماسية وسياسة انفتاح على موسكو وطهران بما قد يُتيح لاحقاً دوراً أوسع لأنقرة في سوريا والمنطقة (ولنا عودة لذلك في الفقرات التالية).

وإذا كان نظام الأسد وحلفاؤه تلقّوا ضربة عسكرية وسياسية في حلب (ولَو أنهم نجحوا في استيعابها لاحقاً بغطاء جوي روسي كثيف وبحشد ميليشيات عراقية إضافية من "حركة النجباء")، فإن تجميد جبهات الجنوب السوري العسكرية وإخراجها من المعركة الكبرى التي كان يُمكن خوضها لحظة بدء الهجوم المعارض في حلب أشّرا الى محدودية الضربة تلك وموضعيّتها، والى قرار أميركي عبر الحليف الأردني بمنع أي تصعيد في الجنوب[7] كان ليزيد الضغط العسكري على النظام ويخفّف العبء عن الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق، وتحديداً عن داريّا التي ترافقت معارك حلب مع تصعيد كبير في القصف عليها استُخدمت فيه البراميل المتفجّرة وأسلحة النابالم المحرّمة دولياً[8].

جرابلس بوّابة التدخّل العسكري التركي

في 12 آب/أغسطس، سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية" وعمادها ميليشيا "بي واي دي" الكردية على مدينة منبج، وطردت بدعم أميركي مقاتلي "تنظيم الدولة الإسلامية" منها. وبدا أن القوات الكردية تتحضّر لمهاجمة مدينة جرابلس الحدودية والتوسّع على ضفّتي نهر الفرات، بما يسمح لها إن أحكمت السيطرة على المنطقة بتأمين تواصل ترابي يمتدّ من الحسكة عبر كوباني الى عفرين على طول الحدود التركية.
بعد ذلك بأيام، وقعت اشتباكات عنيفة في الحسكة بين المسلّحين الأكراد ومسلّحي "الدفاع الوطني" المدعومين من جيش النظام. وتدخّل الطيران السوري ضد المسلّحين الأكراد، فحذّرته واشنطن من مغبّة الاستمرار في قصف حلفائها، ثم نجحت روسيا بعد وساطة بين الطرفين في فرض وقفٍ لإطلاق النار وتبريد الأجواء بين المتقاتلين. وتراوحت تفسيرات التقاتل المذكور بين التنافس المحلّي على السيطرة الميدانية والتحكّم بالموارد بعد تعايش طويل، وبين الرسائل الإقليمية اللاحقة للمصالحة الروسية التركية وإيعاز موسكو الى دمشق بإرسال إشارات "إيجابية" تجاه أنقرة، ردّت عليها الأخيرة بتصريح رئيس وزرائها بن علي يلدريم حول إمكانية محاورة الأسد لمرحلة إنتقالية، وليس لمستقبل سوريا (على ما قال في 20 آب/أغسطس 2016).

وفي 24 آب/أغسطس حصل تطوّر نوعيّ في مسار الأمور في الشمال السوري، إذ دفعت تركيا بآليات مدرّعة وقوات خاصة لمواكبة وحدات من "الجيش الحر" انطلقت من داخل الأراضي التركية (بعد أن احتشدت فيها قادمةً من ريف حلب الشمالي ومن محافظة إدلب) لاقتحام مدينة جرابلس وانتزاعها من "تنظيم الدولة". سبق ذلك، سحب التنظيم المذكور لمعظم مقاتليه وعائلاتهم وبعض المنشآت والعتاد من المدينة نحو الرقة، ونشره قنّاصة وكمائن وزرعه ألغاماً لعرقة تقدّم أعدائه وإنزال الخسائر بهم. تمكّنت القوات المهاجمة من السيطرة على جرابلس في اليوم نفسه، ثم اندفعت مدعومةً بالطيران التركي نحو البلدات المجاورة لها وسيطرت عليها.

غير أن العمليات العسكرية التي رعتها تركيا لم تستهدف "تنظيم الدولة" وحده. فبموازاة قتاله، استهدفت النيران التركية أيضاً "قوات سوريا الديمقراطية"، وشنّ "الجيش الحرّ" هجوماً على العديد من البلدات والمواقع التي سبق لتلك القوّات أن سيطرت عليها جنوب جرابلس وطردها منها، فيما أعلنت أنقرة أن لا تسامح مع تواجد "الميليشيات الكردية" غرب الفرات. وقد تكون منبج نفسها وجهة العمليات المقبلة.


أتاح دخول جرابلس وجوارها، بقيادة تركية، توسيع سيطرة "الجيش الحرّ" على مناطق حدودية هامة، وفرضه على جميع الفرقاء كأبرز الأطراف القادرة على التوسّع على حساب "تنظيم الدولة". والعملية أتت ضمن الاستراتيجية التركية الآخذة بالتبلور منذ مطلع شهر آب/أغسطس، القائمة على إظهار استقلاليةٍ تجاه واشنطن التي سبق وقيّدتها في حركتها السورية[9]، واستثمار المصالحة مع موسكو والتحرّك العسكري على نحو لا تستطيع الأخيرة الاعتراض عليه وهو يُعلي شعار "محاربة الإرهاب" ويستهدف "تنظيم الدولة الإسلامية". وطبعاً، قدّمت أنقرة ذرائع لتدخّلها مرتبطة بحقّها في الدفاع عن أمنها القومي بعد تعرّضه لأكثر من ضربة تتّهم أنقرة "تنظيم الدولة" و"حزب العمال الكردستاني" بالوقوف وراءها. كما أن تنفيذ العملية يوم وصول نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الى أنقرة للبحث في العلاقات الثنائية بعد توتّر أعقب الصمت الأميركي – والأوروبي – لساعات طويلة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس أردوغان منتصف شهر تموز/يوليو (إضافة الى وجود الداعية فتح الله غولن الذي تتّهمه أنقرة بالوقوف وراء المحاولة في الولايات المتّحدة الأميركية)، هذا التنفيذ في توقيته، عنى طرح المسألة الكردية سوريّاً على طاولة البحث، وهو ما أفضى الى التصريحات الأميركية حول استعداد "قوات سوريا الديمقراطية" الى الانسحاب الى شرق الفرات.

وإذ تستمرّ المعارك اليوم غرب جرابلس وجنوبها، تبدو تركيا مصمّمة على دعم "الجيش الحرّ" لتوسيع سيطرته شمالاً على حساب "تنظيم الدولة" والقوى الكردية، بمعزل عن بعض انتقادات حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الداعين الى عدم التصادم مع "قوات سوريا الديمقراطية") وتحفّظات الروس والإيرانيّين الخجولة حتى الآن (والمركّزة على ما تسمّيه "احترام السيادة السورية"). وهذا التوسّع إن تمّ وتكرّس برعاية تركية قد يخلق على الأرض منطقة آمنة كانت أنقرة تنادي بها منذ العام 2014، في حين كانت واشنطن وموسكو - كلٌّ لأسبابها - تعترض على إنشائها وترفض البحث في متطلّباتها.

مأساة داريا والتهجير القسري لسكّانها

في الفترة عينها، ركّز النظام السوري قصفه الجوّي وبراميله المتفجّرة على مدينة داريا قرب دمشق، وعلى حيّ الوعر في حمص وعدد من بلدات محافظة إدلب (إضافة طبعاً الى قصفه والطيران الروسي أحياء حلب الشرقية والمناطق التي سيطرت عليها المعارضة جنوبها).

وهدف التركيز على داريّا، وهي المحاصرة منذ ثلاث سنوات والمتعرّضة للقصف الجوّي والبرّي منذ أربع سنوات، الى الضغط على مقاتليها ومن تبقّى من سكّانها من أجل إتمام "تسوية" يخرجون بموجبها من مدينتهم وتدخلها قوات النظام وحلفاؤه. ورغم المقاومة العنيفة التي أبداها المقاتلون لجميع محاولات النظام و"حزب الله" والميليشيات الشيعية العراقية اقتحام مدينتهم، ورغم التضامن المدني داخل داريّا ومحاولات المواطنين الاستمرار في مواجهة الحصار وشعار "الجوع أو الركوع" الذي أعلاه النظام والموالون له في وجههم ووجه مدن وبلدات عدّة في سوريا، إلّا أن الواقع الشديد الصعوبة فرض نفسه في الأسبوع الأخير من آب/أغسطس. ذلك أن تمنّع الكثير من الفصائل المعارضة المقاتلة على مقربة من داريا، لا سيّما في غوطة دمشق الشرقية، عن نجدة المدينة المنكوبة، وبقاء الجبهة الجنوبية (في محافظة درعا)
مجمّدة لأسباب خارجية (كما سبق وأشرنا) ولديناميّات وحسابات محلية (إذ تفضّل الكتائب والفصائل المقاتلة في المنطقة الاحتفاظ بذخيرتها في ظلّ الخشية من توقّف إمداداتها عبر الحدود)، جعل ضغط النظام العسكري وقصفه على داريّا يصل حدوداً غير مسبوقة. فاضطر المقاتلون والمدنيون للقبول بالخروج من مدينتهم، وهذا ما حصل ابتداءً من 25 آب/أغسطس. توجّه المقاتلون الى محافظة إدلب، وتوجّه المدنيون الى أكثر من منطقة، منها المعضمية المجاورة، ودخل جيش النظام وحلفاؤه[10] إليها، وشوهدت شاحناتهم تعود منها محمّلة بما تبقّى من أثاث وأدوات كهربائية خلّفها الأهالي المهجّرون قسراً من ديارهم.

هكذا، أُفرغت داريا من سكّانها تماماً، بعد أن كانت الزبداني سبقتها الى ذلك وقبلهما أحياء حمص القديمة. وبإفراغها، أكمل النظام وحلفاؤه تهجيرهم للآلاف من السكّان من المناطق القريبة من العاصمة دمشق ومن الطريق الدولي الرابط إياها بلبنان. وللأمر بالتأكيد أسبابٌ ترتبط بقرار إيران تأمين خطوط الإمداد السورية اللبنانية التي تسهّل على "حزب الله" التحرّك بين البلدين، و"إزالة" ما يمكن أن يهدّد يُسر التحرّك هذا. وللأمر أيضاً ارتباط بمعطًى اقتصادي، إذ أن لنظام الأسد ورجال الأعمال المقرّبين إليه مصالح في تدمير مناطق عدّة في محيط العاصمة وعلى مقربة من الطريق الدولية لإقامة المشاريع اللاحقة فيها والاستفادة من فارق الأسعار المحتمل إن استتبّت الأمور لصالحهم. وللأمر كذلك علاقة بالحقد المذهبي وبالانتقام من داريّا وما مثّلته في طور الثورة السلمي من موقع مهمّ للأنشطة والمظاهرات ضد النظام[11]، وما مثّلته لاحقاً في طور الكفاح المسلّح من رأس حربة في مواجهة قوات هذا النظام على مسافة كيلومترات قليلة من القصر الجمهوري، وما أنزلته بها وبحلفائها من خسائر على مدى أربعة أعوام من المقاومة.


على أن ما جرى في داريا يُعدّ أيضاً فضيحة قانونية وأخلاقية وسياسية للأمم المتحدة ومبعوثها الخاص ستيفان دي مستورا (كما لكامل المجتمع الدولي). فالأمم المتحدة، المتّهمة بفضائح مالية وإدارية في سوريا نشرت صحيفة الغارديان البريطانية معلومات عنها[12] وبعثت أكثر من خمسين منظمة حقوقية رسالة الى الأمين العام للمنظمة الدولية بشأنها[13]، بدت شاهدة زور تجاه داريا في أحسن الأحوال، ومتواطئة مع النظام في أسوئها، إذ اكتفت بمناشدته عدم إيذاء المهجّرين عِوض الإدانة الصريحة لجريمته المنتهكة قراراتها والمتسبّبة بتهجير قصري للسكّان هو أشبه بالتطهير المذهبي، وهو في كلّ الأحوال جريمة حرب وفق القانون الدولي.

خلاصة: خريطة سوريّة جديدة يرسمها إيقاع العمليات العسكرية

تبدو سوريا في مطلع أيلول/سبتمبر 2016 منقسمةً الى خمس جغرافيّات سياسية-عسكرية لكلّ منها حساباتها الميدانية وحروبها وإملاءات القوى الإقليمية والدولية المتصارعة فيها وعليها.
فهناك من جهة، "سوريا النظام" وهي سوريا تشرف عليها سياسياً وتحميها عسكرياً روسيا وإيران، وصار جهاز "الدولة الأسدية" فيها جهاز تنفيذ أوامر سياسية خارجية وتقديم خدمات وتعقيب معاملات وإدارة "موارد بشرية" تتناقص وتُستنزف شهراً بعد آخر على جبهات القتال المختلفة. وفي سوريا هذه، الممتدّة من السويداء وجنوب دمشق عبر العاصمة صعوداً الى حمص وحماه فأحياء حلب الغربية ثم غرباً نحو الساحل السوري، يقطن 60 في المئة من السكّان السوريّين، نصفهم تقريباً نازحٌ من مناطق أُخرى إليها هرباً من البراميل المتفجّرة والصواريخ والغارات الجويّة التي لا تتعرّض هي لها. وقد نشأت فيها، لا سيّما في السويداء وفي محافظة حماه كما في الساحل، ميليشيات محلّية موالية للنظام تحت مسمّى "الدفاع الوطني"، وهي تتحكّم بالأمن ولها مواردها وهيكليّتها المستقلة عن النظام نفسه. وفي هذا دلالة على تضاؤل حضوره بوصفه "دولة" حتى بالمعنى التقني للكلمة[14].
وهناك من جهة ثانية، "سوريا المحاصرة" في محيط دمشق، أي في الغوطتين الغربية والشرقية ومداخلهما وفي جنوب العاصمة نفسها، في اليرموك والحجر الأسود والقدم وسواها، وصولاً الى بعض المدن والبلدات غير البعيدة غرب العاصمة عن الحدود اللبنانية (مضايا مثالاً)، ثم صعوداً نحو حيّ الوعر في حمص وبلدات عدّة في الريف الحمصي (الرستن وتيرمعلة وغيرهما) شمال العاصمة. وسوريا هذه تشهد مدّاً وجزراً عسكرياً بين النظام و"حزب الله" والميليشيات الشيعية العراقية من جهة، وكتائب الجيش الحرّ المحلية وفصائل "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" و"أحرار الشام" و"فتح الشام" و"جيش العزّة" و"فيلق الشام" من جهة ثانية. ويعتمد النظام بإشراف إيراني في "سوريا المحاصرة" هذه سياسة القضم البطيء والتهجير القسري بعد الحصار والتجويع وجولات التدمير والقصف العنيف المتكرّرة. في حين لا تبدو القوى المعارِضة والمُحاصَرة قادرة على الردّ المنسّق وعلى بلورة سياسة مواجهةٍ مشتركة للحصار وتبعاته، وهي أصلاً متباعدة جغرافياً ومنشغلة بإدارة شؤونها المحلّية الضيّقة والتنافس على الموارد، وتتقاتل في ما بينها في بعض الأحيان، وخصوصاً في الغوطة الشرقية.

من جهة ثالثة، تبرز "سوريا الجنوب"، سوريا محافظة درعا التي حافظ النظام على وجود عسكري فيها في نقاط استراتيجية على طريق عمّان - دمشق لحماية العاصمة من ناحية، ولإشغال فصائلها المعارضة دورياً باشتباكات محدودة تبقي التوتّر قائماً من دون تعديل جدّي في توازنات القوى الميدانية من ناحية ثانية. و"سوريا الجنوب" تبدو اليوم مجمّدة عسكرياً بقرار دولي (تفاهم أميركي روسي) وبتنفيذ أردني أقفل الحدود وضغط مؤخّراً لمنع التحرّك المعارض فتحاً لجبهات واسعة تخفّف الضغط عن حلب أو حتى عن داريا القريبة. وفي "سوريا الجنوب" هذه، يحضر في بعض البلدات "تنظيم الدولة الإسلامية" عبر حلفاء من كتائب محلية (مثل "شهداء اليرموك" و"حركة المثنى" المندمجَين مؤخراً ضمن "لواء خالد بن الوليد") تُقاتل فصائل "الجيش الحرّ" المنضوية مع بعض الكتائب الإسلامية في تحالف "الجبهة الجنوبية"، الذي تربطه علاقة سيئة بـ"جبهة فتح الشام" ("النصرة" سابقاً)، ولو أن الطرفَين يتجنّبان التصعيد والمواجهة الشاملة.

ومن جهة رابعة هناك "سوريا الشرق"، أي سوريا التي يحتلّها "تنظيم الدولة الإسلامية" والتي تمتدّ من حدود العراق نحو دير الزور ثم صعوداً نحو الرقّة وانتهاء بمدينة الباب في محافظة حلب. وسوريا هذه، إضافة لما تعانيه من ممارسات "تنظيم الدولة" نفسه، تتعرّض لقصف عنيف من قبل "التحالف الدولي" ويقصفها بين الحين والآخر طيران روسيا والنظام. ويحافظ الأخير على موطئ قدم له فيها ويدافع عنه بشراسة في مطار دير الزور وفي أحياء المدينة القريبة من المطار. على أن مساحة "سوريا الشرق" تتقلّص منذ أشهرٍ انطلاقاً من شمالها. فقد سيطرت على أجزاء منها "قوات سوريا الديمقراطية" بقيادتها الكردية وبغطائها العسكري الأميركي، وتتقدّم في أجزاء أُخرى منها الآن وحدات "الجيش الحرّ" المدعومة تركياً. ومن المرجّح أن يستمرّ تراجع "تنظيم الدولة" فيها وانكماشه ضمن مساحة تشكّل الامتداد المباشر لانتشاره العراقي.


تبقى سوريا خامسة، هي "سوريا الشمال". وهذه، من الحسكة ومناطق الجزيرة مروراً بحلب وصولاً الى إدلب نزولاً الى شمال حماه وشرق اللاذقية، صارت اليوم مسرح العمليات كلّها ومنطلقها، كما أنها صارت مسرح تجسيد المتغيّرات الإقليمية والدولية جانبية كانت أم أساسية. وفي "سوريا الشمال" يتواجه جميع أطراف الصراع السوري. فالمعارضة بأجسامها العسكرية والإيديولوجية المختلفة، المتوائمة والمتصادمة، موجودة هناك. والنظام والميليشيات السورية كما العراقية واللبنانية والأفغانية والإيرانية الداعمة له متواجدين أيضاً. الميليشيات الكردية حاضرة بدورها، وبقوّة، وتحاول توسيع رقعة انتشارها لربط ثلاثة "كانتونات" غرب الفرات وشرقه ببعضها. و"تنظيم الدولة" ما زال موجوداً أيضاً ويحاول تأخير استحقاق تقهقره جنوباً وانكفائه عن كامل محافظة حلب وعن شمال محافظة الرقة. كما أن تهديد "سوريا النظام" التي ذكرناها أوّلاً، يأتي اليوم من هذه الـ"سوريا الخامسة". فمنها تنطلق العمليات في جبال اللاذقية، ومنها انطلقت في مطلع أيلول/سبتمبر الجاري هجمات "جند الأقصى" و"جيش العزّة" المقاتل تحت راية "الجيش الحرّ" على مواقع النظام في ريف حماه، حيث حقّقت تقدّماً وسيطرت على عدد من البلدات والمواقع العسكرية[15].
و"سوريا الشمال" هي موقع التسويات، من اتّفاقات وقت النار المحدودة التي يتفاوض عليها الروس والأميركيون، الى توسّع الدور التركي الذي سيُضعف "الدولة الإسلامية" و"قوات سوريا الديمقراطية" (الكردية) على حدّ سواء، معزِّزاً بالمقابل حضور "الجيش الحر" (من دون أن يحدّد بعدُ سُبل ربط التعزيز المذكور بمعركة "الجيش الحرّ" مع نظام الأسد، واستطراداً بسُبل حماية المناطق التي سيسيطر عليها هذا الجيش من قصف النظام وحليفه الروسي، بما يعني فرضها كمناطق آمنة).

في انتظار اتّضاح كلّ ذلك، وفي انتظار اتّضاح مآل المعارك الدائرة في جنوب حلب وجنوبها الغربي[16] كما في ريف حماه، وفي انتظار تبلور اتفاق تركي أميركي حول منبج أو تعذّر ذلك، يبدو الشمال السوري مُقبلاً على المزيد من التطوّرات الميدانية. وتبدو الـ"سوريّات" الأربع الأُخرى أقرب الى حال المراوحة أو التبدّلات البطيئة التي تسمح لنظام الأسد بغطاء روسي وإيراني وبصمت أميركي وأمميّ بمواصلة "سياسة القضم" حول العاصمة دمشق وداخل مدينة حمص.
زياد ماجد


[1]دمّرت الغارات أربعة مستشفيات وبنكاً للدم في مدينة حلب وضواحيها، كما دمّرت مخبزاً وعدداً من مستودعات المؤونة. وقد استنكرت المنظمات الدولية (أطبّاء بلا حدود، العفو الدولية، هيومان رايتس ووتش) القصف هذا.
[2] أعلن أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله في 24 حزيران/يونيو 2016 أن معركة حلب هي "المعركة الاستراتيجية الكبرى". ونعى الحزب أحد عشر عنصراً من مقاتليه ومسؤوليه العسكريّين الذين سقطوا في حلب ومحيطها في شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو 2016 (بعد أن نعى عشرةً آخرين سقطوا في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل). وفي ذلك دلالة على حجم حضوره العسكري على جبهات القتال الحلبية.
[3] سبق الهجوم هذا دخول جيش النظام الى حيّ بني زيد، ودعم مقاتلين أكراد لقوات النظام وحلفائها في تقدّمها نحو طريق الكاستيلو عبر تسهيل تحرّكاتها انطلاقاً من منطقتي الأشرفية والشيخ مقصود حيث يتمركزون.
[4] لا تنطبق تسمية "ممرّات إنسانية" على ما اقترحته موسكو. فالممرّات الإنسانية تسمح الحركة بالاتجاهين وتُتيح بشكل خاص إدخال المساعدات، في حين أن الاقتراح الروسي هدفه تهجير السكان وإخلاء المدينة من أهلها، وفي ذلك انتهاك صريح لقرار مجلس الأمن الدولي 2139 (شباط/فبراير 2014) القاضي برفع الحصار عن المدنيّين والتمنّع عن انتهاك القانون الدولي الإنساني.
[5] جرى الإعلان عن فك الارتباط بتنظيم "القاعدة" بعد أشهر طويلة من المفاوضات، وبموافقة (براغماتية) من التنظيم. ويمكن القول إن "النصرة" توخّت من قرارها، أولاً تثبيت حضورها سورياً والتقارب مع قوىً معارضة تتلقّى دعماً من جهات إقليمية فاعلة (قطر وتركيا بخاصة) بما لا يُحرج الجهات تلك؛ وثانياً تكريس نفسها جماعة "شامية" ينحصر جهادها في جغرافيا محدّدة، وفي ذلك ما قد يخرجها من التصنيف "الجهادي" الذي تسبّب بوضعها على لائحة "المنظمات الإرهابية" الأممية.
[6] يمكن مشاهدة لقطات من المظاهرات على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=_tLuX0yS2FI
[7] نقلت مصادر صحافية سورية عن مسؤولين في "الجبهة الجنوبية" أن غرفة الـ"موك" في عمّان استدعتهم لاجتماع وحذّرتهم من شنّ هجوم على الشيخ مسكين على طريق درعا-دمشق: https://now.mmedia.me/lb/en/NewsReports/567284-south-syria-rebels-ordered-to-not-attack-regime-held-town-report. ومن المرجّح أنّ تفاهماً أميركياً روسياً على تجميد جبهة الجنوب، لقُربها من دمشق، قد حصل بهدف تمكين المفاوضات بين الطرفين في جنيف من الاستمرار من دون تصعيد نوعيّ يهدّد "توازن القوى" العام في سوريا.
[8] اتّهم ناشطون محليّون في داريا طيران النظام السوري باستخدام النابالم في قصفه الجوّي. وأظهرت صوَر من داريا حرائق وإصابات تؤكّد الأمر. كما وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من خلال لقطات بثّها التلفزيون الروسي تحميل الطائرات الروسية المقاتلة في سوريا لصواريخ مزوّدة بالنابالم عُثر على آثارها في مناطق سوريّة مقصوفة. وقد نشرت جريدة نيويورك تايمز تقريراً مفصّلاً عن الموضوع على موقعها في 17 آب/أغسطس 2016: http://www.nytimes.com/2016/08/18/world/middleeast/syria-incendiary-bombs-napalm.html
[9] نشرت "وول ستريت جورنال" في عددها الصادر في 30 آب/أغسطس مقالاً يُشير الى التوتر بين المسؤولين الأتراك والأميركيين وغياب التنسيق بينهم عشيّة عملية جرابلس، وذكرت أن العملية وضعت الأميركيين أمام أمر واقع:  http://www.wsj.com/articles/turkish-offensive-on-islamic-state-in-syria-caught-u-s-off-guard-1472517789
[10] أظهرت صوَرٌ من داخل داريّا حضوراً بارزاً لمقاتلي "لواء الإمام الحسين" العراقي وقادتهم (المنتشرين أصلاً في محيط مقام "السيدة زينب" جنوب شرق دمشق)، ونشرت صفحة اللواء المذكور على فايسبوك صوراً لهؤلاء أمام مقام "السيدة رقية" في أطراف داريا.
[11] قدّمت داريا الكثير للثورة السورية منذ انطلاقها، وخرج منها مناضلون مثل غياث مطر (قتلته "المخابرات الجوية" تحت التعذيب بعد اعتقاله صيفَ العام 2011) ويحيى الشربجي (أحد أبرز رموز العمل المدني والسلمي، المعتقل لدى النظام منذ خمس سنوات) وغيرهما الكثير. وهي عرفت تجارب مدنية وانتخابات هيئات محلية وعملاً نسائياً ومبادرات للتعليم وللرعاية الصحية وشهدت ولادة أول "وسيلة إعلامية" مواطنية مستقلة داخل سوريا (جريدة "عنب بلدي"). ومنذ انتقال الثورة الى طور الكفاح المسلّح ثم تحوّلها الى حرب شاملة، صمدت داريا على مدى أربع سنوات، وتعرّضت لحصار خانق، وقدّم مقاتلوها - وجلّهم من أبنائها - تجربة عسكرية فريدة نجحت في الدفاع عنها في وجه الهجمات جميعها. وكلّ هذا ضاعف من حقد النظام وحلفائه عليها وتصميمهم على تدميرها وتهجير جميع سكّانها.
[12]  يمكن قراءة تقريرين من جريدة "الغارديان" نُشرا في 29 آب/أغسطس 2016 على الرابطين التاليَين،
[13]  يمكن قراءة العريضة والتوقيع عليها على رابط "حملة سوريا": http://takingsides.thesyriacampaign.org
[14]  نشر الباحث في الشؤون العسكرية توبياس شنايدر بحثاً في 31 آب/آغسطس 2016 (يمكن قراءته على الرابط أدناه) يُظهر مدى تهتّك عرى "النظام السوري" وضمور جهاز الدولة التي يُدير وانتشار الميليشيات الطائفية الرديفة له، وخلص الباحث الى لا معنى القول بضرورة المحافظة على الأسد من أجل تجنّب انهيار مؤسّسات الدولة (المنهارة أصلاً): http://warontherocks.com/2016/08/the-decay-of-the-syrian-regime-is-much-worse-than-you-think/
[15] لم تتضّح عند الانتهاء من صياغة هذه الورقة في 2 أيلول/سبتمبر نتائج الهجمات العسكرية هذه ولو أنها في أوّل أيامها انتزعت من النظام مواقع عسكرية وسيطرت على عدد من البلدات. ويخشى بعض المراقبين من تأثير مواقف "جند الأقصى" المُلتبسة من "تنظيم الدولة الإسلامية" على سير العمليات لاحقاً وعلى المواقف الدولية منها.
[16] تُجري موسكو وواشنطن مباحثات حول تطبيق وقف لإطلاق النار في حلب لمدّة 48 ساعة تُدخل خلالها الأمم المتّحدة قوافل مساعدات إنسانية الى المدينة. وتخشى المعارضة من أن يكون إدخال المساعدات عبر طريق الكاستيلو إعترافاً بشرعية النظام في المدينة واعتماداً حصرياً للطرق التي يسيطر عليها كطرق إمداد "إنساني" أممي.