Sunday, December 23, 2018

عن مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا وتداعياته المحتملة

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إدارته ومعظم المسؤولين في الولايات المتّحدة الأميركية وفي العالم بتغريدة أعلن فيها قراره سحب قوات بلاده الخاصة المتمركزة في الشمال الشرقي السوري، في إطار ما يُعرف بـ"التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب".

Sunday, December 2, 2018

صُوَر الغِياب

يستحوذ الغيابُ على حيّز واسع في وسائل التواصل الاجتماعي التي يرتادها السوريّون. يفرض نفسه عليهم وعلى متابعيهم منذ سنوات. يمحو الحدود أحياناً بين الخاص والعام، بين الحميميّ والمُباح. يستدعي غائبين ويجعلهم مقيمين بين المتواصلين، مُزيلاً الالتباس بين ما هو افتراضي وواقعي. فكلّ افتراض يأفل إن خطف الموت صديقاً انتمى لفترةٍ لِعالمِه، وكل فقدان خاص يستحيل مُصاباً عاماً يتشارك في ألمه أصحابٌ واقعيون وافتراضيون. 

Sunday, November 18, 2018

عن بعض حُكّام عالمنا وما يمثّلون

لم يعُد فوز المرشّحين ذوي النزعات الشعبويّة، المعبّرين عن عنصريّة أو عن احتقار لقيَم التسامح والعدالة وحقوق الإنسان وعن كراهية للنُخب السياسية "التقليدية" ومؤسّساتها، بالأمر المفاجئ في الكثير من دول العالم. فالرجال "الأقوياء"، شديدو الفظاظة وسوقيّو المصطلحات والتشبيهات، عنيفو النزعات ممّن يُفصحون غالباً عن افتتانهم بالبدلة العسكرية بوصفها بديلاً عن بدلات رجال السياسة المدنية "الفاسدة"، أو عن تمسّكهم بِقيم دينية تخطّتها معاهدات حقوقية دولية وتشريعات وطنية وسلوكيات بشرية، صاروا اليوم حكّاماً أو مشاريع حكّام في عددٍ من أكبر الدول الديمقراطية أو شبه الديمقراطية. يحكم بعضهم في واشنطن وبرازيليا، وفي روما وبودابست، كما في مانيلا وكاراكاس، ويصبو بعضهم الآخر للحُكم في عواصم غربية عدّة تَقدّم فيها خطابه في السنوات الأخيرة.

Sunday, October 21, 2018

ستافان دي مستورا والأخلاق الدولية

أعلن السيد ستافان دي مستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص الى سوريا، أنه سيتخلّى عن منصبه آخر شهر نوفمبر المقبل، بعد أن أمضى أكثر من أربع سنواتٍ فيه قضاها يجول بين العواصم ويعقد الاجتماعات ويُطلق التصريحات ويراكم كل سنة دخلاً وامتيازات دبلوماسية وتوظيفية، من دون أن يقترن اسمه بإنجاز واحد أو بموقف صارم واحد أو حتى بمبادرة رصينة واحدة من وحي القرارات الأممية التي صدرت خلال سنوات مهامه. 
أكثر من ذلك، يترك دي مستورا عمله بعد أن ساهم في تحويل المباحثات حول ما سُمّي سلاماً سورياً في جنيف بين النظام الأسدي ومعارضاته الى "تفاوض من أجل التفاوض"، على الطريقة الإسرائيلية الفلسطينية، اختفت من جدوله توصيات مؤتمر جنيف الأول (المنعقد برعاية سلفه كوفي أنان في 30 يونيو 2012)، وسُمح فيه للنظام باستبعاد كل بحث سياسي لصالح البحث الأمني التقني، بما مكّنه مع الوقت، مدعوماً بالتدخّل العسكري الروسي، من القضاء على "المسار الجنيفي" برمّته.

Sunday, October 7, 2018

ثقافة الإشاعة

لَطالما اعتمدت الأنظمةُ الشمولية والاستبدادية عموماً الإشاعةَ كوسيلةِ ترهيبٍ سياسي، تُبقي المواطنين رهائن لمنزلةٍ دائمة بين الشك واليقين.
فللإشاعة سطوةٌ وقدرة على إشغال المتلقّين بها وبخلفيّات انبعاثها والاختلاف حول مراميها وتفاصيلها وسبل التعامل معها، بما يجعلها على الدوام حاضرةً كاحتمالٍ ومُتناقَلة همساً كَسِرّ أو كخشيةٍ أو كمنطلقٍ لإشاعات إضافية تُبنى عليها.
وهي بهذا المعنى سلطةٌ في ذاتها، تبعث الريبة بين مردّديها وتُغوي سواهم بنقل "الممكِن المُستغرَب" الذي تبثّه؛ يتسبّب تحقّقها إن حصل بالخوف المستقبلي من شبيهاتها، ويترك تعذّرها الغالب أو اختفاء أثرها باباً للتحليل والقلق من التبعات.

Tuesday, September 25, 2018

في وداع الفنّانة والمناضلة الديمقراطية السورية مي سكاف


الصديقات والأصدقاء

نجتمع اليوم لنحيّي ذكرى الصديقة الراحلة مي سكاف، ولنحيّي معها ذكرى أحبّة كثر رحلوا في سوريا وفي المنافي في السنوات السبع الأخيرة.

لكنّنا نجتمع أيضاً لنتمسّك ببعضٍ من أمل تُعيد بعثه مظاهرات إدلب وراياتُها وشعاراتها، ليس لأن موازين القوى الراهنة قد تتغيّر، ولا لأن العودة الى العام 2011 ما زالت ممكنة. بل لأن المظاهرات هذه، وفي صفوفها أطياف من سوريّين وسوريّات من مختلف المناطق، من درعا والغوطة وريف دمشق، ومن حمص وحماه وحلب والرقة وتدمر ودير الزور، تثبت أن الناس ما زالوا بأكثريّتهم، ما أن يتوقّف القصف الروسي والإيراني والأسديّ عليهم والقمع ضدّهم، متمسّكين بإسقاط نظام القتل والتعذيب والتعفيش، يرفعون حين يُترك لهم الخيار علم الثورة وما يرمز إليه، بعيداً عن كلّ الأعلام والرايات الفصائلية الضيّقة، وبعيداً بشكل خاص عن رايات السواد التي أراد المزوّرون ومروّجو الأسدية تصويرها كبديل وحيد عن نظامهم وسياساته.

Monday, September 24, 2018

فرصة إدلب

ثمّة فرصة للسوريّين المقيمين في محافظة إدلب لتنظيم أمورهم السياسية والإدارية بعد أن استعاد حراكهم المدني في الأسبوعين الأخيرين الكثير من الزخم، مستفيداً من تراجع النيران الأسدية والروسية ومن انتزاع أنقرة لاتّفاقٍ مع موسكو يحول مرحلياً دون الهجوم الشامل على المحافظة الشمالية.

Sunday, September 9, 2018

الانهيار اللبناني المديد

يتحسّر اللبنانيون كلّ فترة على أحوال بلدهم ويردّدون أنه لم يسبق أن وصلت الى هذا الحدّ من التردّي. والأرجح أنهم محقّون في كلّ مرّة في تحسّرهم، وأن الانهيار اللبناني صار مديداً، لا قاع ظاهراً أو نهاية باديةً له.

Sunday, August 26, 2018

سوريا: نظام التعفيش وابتلاع الجثث

كثيرةٌ هي الأهوال التي سلّطها نظام الأسد على عموم السوريّين على مدى عقود. ومخيفٌ مقدار العنف الذي أنزله بهم في السنوات السبع الماضية. يكفي تعداد أسماء مدن وبلدات على مدى الخريطة السورية لاستذكار المجازر التي نُفّذت فيها وحالات الحصار والتهجير والقتل بالبراميل أو بالغاز الكيماوي التي أصابت أهلها.
وإذ ينبغي التذكير الدوري بالجرائم هذه لكي لا يطويها النسيان وللبناء الحقوقي عليها يوماً ومنع الحصانة عن مرتكبيها، فإن التدقيق راهناً في وقائع بعضها ومؤّدياته يُعين على تشريح فلسفة الحُكم الأسدي ومرامي عنفه سياسياً ورمزياً.
النصّ التالي محاولة لفعل ذلك عبر التوقّف عند جريمتين منظّمتين ومتماديتين يرتكبهما النظام ضمن الحيّز الجغرافي الذي يسيطر عليه، أي خارج السياق الحربي والقصف عن بُعد. جريمتان هما التجسيد الأبلغ لشكل العلاقة التي يريدها في تعامله مع "المواطنين": التعفيش والاستباحة من جهة، واعتقال عشرات الألوف وقتل الآلاف منهم تعذيباً وإخفاء جثامينهم من جهة ثانية.

Sunday, August 5, 2018

كأس العالم 2018: ثقافة تكتيكٍ وتفوّق أوروبي واستثناء فرنسي

نجحت روسيا في تنظيم كأس العالم 2018 رغم دعوات بعض المنظّمات الحقوقية الى مقاطعة البطولة. وأقيمت المباريات في وقتٍ كان الطيران الروسي يُغير فيه على درعا، جنوب سوريا، بعد أشهر على ارتكابه جرائم حربٍ في الغوطة الشرقية لدمشق، وفي ظلّ الاتهامات الموجّهة أوروبياً الى موسكو حول دورها في إسقاط الطائرة المدنية في أوكرانيا ومحاولتها اغتيال عميلٍ مزدوج في لندن. وكما في العام 1978، حين فشلت دعوات مقاطعة البطولة المقامة في الأرجنتين تضامناً مع المعتقلين السياسيين في سجون بيونس آيرس، بيّنت التجربة هذا الصيف أن انتظار مليارات الناس حول العالم للحدث الرياضي الأهم، والاستثمار الاقتصادي والإعلامي فيه يجعلان كلّ جدل حول مشروعية تنظيمه صعباً.
هكذا، افتتح فلاديمير بوتين البطولة واختتمها، وتخطّى الاتحاد الدولي لكرة القدم أزمته الناجمة عن فضائح الفساد فيه، وتُوجت فرنسا بطلةً لمسابقة كانت فيها استثناءً على أكثر من صعيد.

Thursday, July 19, 2018

اتّفاقات الجنوب السوري والتباساته

نُشرت هذه الورقة على موقع "مركز الجزيرة للدراسات"، وهي قراءة في تطوّرات الوضع السوري في بداية صيف 2018. لتحميل الورقة بصيغة PDF، يمكن الضغط هنا.


ملخّص تنفيذي

رفع النظام السوري علَمه في ساحة مدينة درعا وفي عدد من ساحات مدن وبلدات محافظتها في 10 تموز/يوليو 2018، وأنهى بذلك مرحلةً من سيطرة المعارضة المسلّحة على أنحاء واسعة من جنوب البلاد حيث اندلعت الشرارة الأولى للثورة السورية في آذار/مارس 2011. جاء هذا بعد حملة عسكرية شنّتها قوات النظام بدعم ناريّ جوّي روسي كثيف بلغ حدوداً غير مسبوقة، وأدّى الى قبول المعارضة بشروط موسكو لوقف النار، ومن ضمنها عودة النظام عسكرياً ومدنياً الى المنطقة واستلامه معبر نصيب مع الأردن.

وإذا كان الأمر لا يشكّل سابقةً بعد حصول سيناريوهات مماثلة مؤخّراً في الغوطة الشرقية وفي جنوب العاصمة دمشق، فإن خصوصية درعا نظراً لموقعها القريب من مثلّث حدود استراتيجي أردني – عراقي – إسرائيلي، جعلت للتطوّرات فيها أهمّية تخطّت الحالة السورية، وطرحت أسئلة حول الاتفاقات والاتصالات بين موسكو وتل أبيب وعمّان وواشنطن، وحول نظرة طهران القلقة الى تلك الاتصالات وتداعيات الأمر على الخريطتين السياسية والعسكرية في سوريا.

ويمكن القول في خلاصة أوّلية، إن موسكو قدّمت ضمانات لتل أبيب وواشنطن حول الانتشار الإيراني – الحزب إلهي على مقربة من حدود الجولان المحتل، ولعمّان حول عدم تدفّق لاجئين جدد الى المملكة وفتح طريق دمشق-عمّان تجارياً. على أنه من غير المحسوم ولا المرجّح، أن تلتزم إيران بموجبات التعهّدات الروسية، ولو أن طهران تبدو حذرة في خطواتها السورية منذ الضربة الإسرائيلية الكبرى التي استهدفت قواعدها في 10 أيار/مايو 2018 عشية انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي معها.

بهذا، خسرت المعارضة السورية منطقةً هامة استراتيجياً ورمزياً. وظهر من جديد مدى ابتعاد واشنطن عن الاهتمام بالملف السوري وتراجع المتابعة الأوروبية والعربية له، وموت مسار جنيف الأممي رغم بعض تصريحات المسؤول عنه، ستيفان دي مستورا، العاجز عن العمل والمتمسّك رغم ذلك بوظيفته.


Wednesday, June 13, 2018

عن كأس العالم 1982 وحصار بيروت

مرّ الوقت بطيئاً وثقيلاً في بداية صيف العام 1982، عام اجتياح إسرائيل الثاني للبنان ووصول قواتها الى العاصمة بيروت.
الموت كان السياق العام المخيّم على المدينة، وتفاصيل الحياة اليومية بين جنازتين أو مسيرتَي تشييع كانت أشبه بالتحايل على الخوف والملل وقلّة الموارد في انتظار المجهول، أو في انتظار مباريات كأس العالم لكرة القدم!

العدّ العكسي لبدء البطولة الكونية كان قبل 6 حزيران، تاريخ بدء الاجتياح، الناظمَ الأول لروزناماتنا وساعاتنا. ننام ونصحو ونحتفي يومياً باقترابنا من الموعد الأبهى. نجمَع صوَر اللاعبين ونلصقها في صفحات ألبومات "الفيفا" المخصّصة لها، التي كنّا نشتريها طلال وحسّان ورغيد ومحمد ورياض وأنا من مكتبة "الرسالة العربية" على تقاطع خطّ البسطة وطلعة النويري. نتبادل مع باقي الأصحاب في الحيّ ثم في المدرسة الصور المكرّرة، إذ لا يملك واحدنا حين يبتاعها في مغلّفات سميكة مغلقة إمكانية اختيارها، وغالباً ما تتكرّر الصور ذاتها مؤجّلةً مهامنا في إتمام صفحات فرقنا الواحدة تلو الأُخرى. 

Sunday, May 20, 2018

باب الشمس وبابا عمرو

ماذا تعني الكتابة الثقافية السياسية في مرحلة تشهد فيها المنطقة العربية تحوّلات وتصدّعات وثورات وثورات مضادة وانقلابات واجتياحات وتشظّي مجتمعات وتهجير وحروبَ أبادةٍ تتشارك في صناعتها أنظمةٌ وميليشيات أهلية ودول إقليمية وقوى عالمية؟ وماذا تعني الكتابة هذه في بيروت بالذات، على مقربةٍ من المذبحة السورية المتواصلة من جهة، ومن تصاعد العدوانية الإسرائيلية ومشاريع الاستيطان في فلسطين المحتلة من جهة ثانية؟ وماذا تعني في لحظة تراجع مساحات التعبير الحرّ وانتشار إعلام الشائعات والصراخ والعنصرية ضد اللاجئين؟

قد تبدو الإجابة بديهيّةً، إذ تُحيلنا إلى مهام المثقف المدافع عن قضايا وقيم، المستقلّ عن السلطات والمحصَّن تجاه غواياتها، المتحوّل أحياناً بفعل الأحداث فاعلاً سياسياً، أو صانع رأي عامٍ، أو شاهداً على حقبة يكتب تاريخها الفوري ويعيشه مع من يكتب لهم، أو يكتب تاريخها الموازي، ذاك الذي تهمّشه السرديّات الرسمية المنتصرةُ وتنسى ناسه.
والياس خوري بهذا المعنى، هو من المثقفين اللبنانيّين والعرب الأكثر تأدية لهذه المهام، في كتاباته كما في علاقته بالشأن السياسي، عبر تجارب «مسرح بيروت» وملحق «النهار» ثم مجلة «الدراسات الفلسطينية»، أو عبر تجارب عدّة سبقتها ورافقتها في بيروت الحرب الأهلية طيلة سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، ثم غداة حقبة الاغتيالات والانتفاضة الاستقلالية الناقصة والمغدورة في العام 2005.

Wednesday, February 7, 2018

العلاقات اللبنانية السعودية: التدهور والانتظار


نُشرت هذه الورقة في مركز الجزيرة للدراسات بتاريخ 7 شباط/فبراير 2018، وهي قراءة في بعض أوجه العلاقات اللبنانية السعودية منذ العام 2011.

ملخّص تنفيذي

تشهد العلاقات بين بيروت والرياض منذ أشهرٍ توتّراً لم يعُد يقتصر على المسارات الديبلوماسية الرسمية فحسب، بل صار يتخطّاه ليطال العلاقات بين معظم القوى السياسية اللبنانية والنظام السعودي.

وإذا كان هذا التوتّر قد بدأ قبل سنوات لأسبابٍ ارتبطت يومها بتركيبة السلطة اللبنانية بعد إسقاط حزب الله لحكومة سعد الحريري الأولى العام 2011 من جهة، وإعادة ترتيب الأولويات السعودية في الشرق الأوسط نتيجة الثورات العربية والصراعات في سوريا والعراق واليمن والتوسّع الإيراني وتراجع الحضور الأميركي من جهة ثانية، فإن التطوّرات في العامَين الأخيرين اللذَين شهدا صعود وليّ العهد محمد بن سلمان الى موقع القرار في المملكة العربية فاقمت من التوتّر المذكور ودفعته الى حدود التأزّم على أكثر من مستوى. ولعلّ "استدعاء" الحريري الى الرياض ودفعه للاستقالة من رئاسة حكومته الثانية، ثم احتجازه هناك قبل الوساطة الفرنسية التي أعادته عبر باريس الى بيروت والى حكومتها، يشيران الى المنحى الذي اتّخذه هذا التأزّم وما رافقه من محاولة سعودية للعودة بقوّة الى الساحة اللبنانية ومواجهة الخصوم فيها، قبل التراجع عن الأمر والانكفاء (المؤقّت) في انتظار تطوّرات إقليمية ودولية جديدة.