ليس من المبالغة القول إن مأساة التشرّد
واللجوء السوري تمثّل الكارثة الحربية-الإنسانية ذات الأثر السياسي الأعمق عالمياً
في العقود الثلاثة الأخيرة.
ذلك أنه إضافة الى حجم الديموغرافيا المعنيّة
المقدّرة اليوم، مع التزايد الطبيعي للاجئين، بأكثر من سبعة ملايين شخص، وإضافة
الى تبعات الأمر الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللاحقة عليهم وعلى مجتمعات
اللجوء، فإن التداعيات السياسية لوصولهم الى بلدان عديدة، لا سيّما في أوروبا، شكّلت
مادة إعلامية وسردية سياسية مكّنت اليمين المتطرّف من بثّ الخوف من هؤلاء " الوافدين
"، وحصْدِ أصوات إنتخابية واحتلال منابر سياسية لم يكن ليجد إليها سبيلاً في
ظروف مختلفة.
وحتى في دول الجوار السوري، حيث يتواجد قرابة
الستة ملايين لاجئ، فإن العداء للاجئين برز منذ البداية كخشبة خلاص للنخب السياسية
المحلية المأزومة، وأخذ في التوسّع مع مرور الوقت واستعصاء الحلّ سوريّاً، خاصة في
لبنان ومؤخّراً في تركيا، ليصبح أداة حشد وتعنيف وتحريض بلغ حدود التهديد بترحيل
اللاجئين نحو بلادهم المنكوبة.
ولعلّ استعراضاً سريعاً لمراحل اللجوء وجغرافيته
وما رافقه يفيد لاستذكار مجريات الحقبة الأخيرة واستخلاص بعض الأمور المرتبطة
بالسائد من مقولات ومزاعم.