Monday, March 29, 2010

عن مقولتي التفاوض والمقاومة في فلسطين...

تبدو اليوم مقولتا "المقاومة المسلّحة لإسرائيل" و"التمسّك بالتفاوض معها" على قدر واحد من التبسيط واللامعنى.
فالأولى أدّت بالفلسطينيين بعد تعسكر الانتفاضة الثانية ابتداء من خريف العام 2000 وتحوّلها من مظاهرات شعبية ومصادمات بالحجارة الى عمليات انتحارية ومواجهات مسلحة، الى خسارة معظم ما كانوا قد حقّقوه من تحرير للأرض (بالسلاح والحجارة وبالتفاوض في عصر علاقات دولية كان يسمح باعتماد الأساليب المختلفة) وبدء بناء دولة على جزء من ترابهم الوطني. فالضفة اليوم محتلّة معظم مناطقها، مقطّعة الأوصال بالحواجز العسكرية والمستوطنات، ومخنوقة بجدار الفصل العنصري. أما غزّة، فتحت الحصار والضغط والقهر اليومي.
والثانية أدّت بهم، في ظل بهتان أداء السلطة الوطنية السياسي والتفاوضي بعد رحيل ياسر عرفات من جهة، وفي ظل لا سياسة حركة حماس ومزايدة النظامين الإيراني والسوري على الفلسطينيين بدمهم (وتشبيه حزب الله لمارون الراس بالقدس!) من جهة ثانية، الى التفكّك والتقاتل والى إفساح المجال أمام إسرائيل لمواصلة الانقضاض عليهم وتعديل المعطيات الميدانية بشكل جذري يجعل كل محاولات الوصول الى حلول في المستقبل محكومة بواقع جغرافي ديموغرافي لا يسمح لهم حتى بالعودة الى ما كانوا عليه في أيلول من العام 2000. وكل ذلك طبعاً وسط عجز عربي غير مفاجئ، وصمت دولي تعكّره بعض الأصوات والبيانات التي لا تصدر إلا عند وصول الفظاعات الاسرائيلية الى مستويات يصعب تجاهلها.
هل من مخرج إذن من هكذا ثنائية لم تحصّل منذ أكثر من عقد أي مكسب فعلي؟
يصعب الجزم بذلك. لكن الخروج واعتماد نهج جديد يبدوان هذه الأيام شديدي الجدوى. فرصد سريع لبعض المعطيات الراهنة يُظهر أن موقفاً فلسطينياً مسنوداً عربياً وتركياً ومُنسّقاً مع بعض الأوروبيين ومع دول كالبرازيل وجنوب أفريقيا والهند وغيرها قد يكون ذا أثر أميركياً يعمّق التناقض بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو ولا يبقيه مؤقّتاً. فالأميركيون اليوم، وإن كانوا مستمرّين في تحالفهم مع إسرائيل ودعمهم لها، يريدون منها حداً من الالتزامات في ما خصّ تجميد الاستيطان والانسحاب من بعض أراضي الضفة والافراج عن معتقلين فلسطينيين وتخفيف إجراءات الحصار على غزة وغيرها من أمور تسهّل بنظرهم إحياء العملية السلمية الميتة. أما الاسرائيليون، وهم بمعظم أطيافهم يرفضون الوصول الى حل فيه الحدّ الأدنى من العدالة للفلسطينيين، فيظنّون أن بمقدورهم "الصمود" في وجه الضغوط الأميركية المرحلية من خلال الاتّكال على اللوبي الصهيوني المؤيّد لهم في واشنطن والذي استنفر مئات الأعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ للطلب الى أوباما تليين موقفه؛ والأهمّ ربما، من خلال الاتكال على اللامبادرة الفلسطينية واللامواقف العربية والهدايا الايرانية التي غالباً ما تأتي على شاكلة تصريحات نارية لأحمدي نجاد تُنكر المحرقة أو تهدد بإزالة إسرائيل من الوجود وتتيح على الدوام لتل أبيب استذكار أهوال الحرب العالمية الثانية وتحوير الأنظار نحو طهران...
بهذا المعنى، فتشدّد فلسطيني سياسي رافض لكل تفاوض قبل وقف الاستيطان والتراجع عن القرارات الاسرائيلية الأخيرة، مقرونٌ بمظاهرات سلمية في القدس وفي محيط الجدار في الضفة وفي غزة، إضافة الى حملة ديبلوماسية في واشنطن وفي عواصم دول مجلس الأمن للتأكيد على الاستعداد للسلام شرط احترام الاتفاقات الموقعة وقرارات الأمم المتحدة (واستئجار صفحات ودقائق في الجرائد والمحطات الأميركية والأوروبية لعرض وجهة النظر الفلسطينية مدعومة بتواقيع زعماء من العالم ومثقفين وحائزي جوائز نوبل) وغيرها من الأمور، ضرورية لإحراج الاسرائيليين أكثر والضغط عليهم وإحداث بعض التناقضات في صفوف ائتلافهم الحكومي. وهي ضرورية أيضاً لجعل أوباما يقتدي بجيمس بيكر عشية مؤتمر مدريد ويتعامل مع نتنياهو من موقع قوة شبيه بموقع بيكر حين أنذر إسحق شامير، وحين جمّدت إدارته الأميركية (لمرة يتيمة) مليارات الدولارات التي كانت مقرّرة لإسرائيل
أما الاكتفاء ببيانات مستهلكة كبيان القمة العربية، أو التلويح بنهج الكفاح المسلّح والتهديد بمحو إسرائيل من الوجود على ما درج على فعله "الممانعون"، فأمور لا تثير عند نتنياهو ووزراء حكومته سوى التبسّم والطمأنينة والتيقّن من أن الرهان على اللوبي المؤيّد لهم في واشنطن قد يكفي للجم أوباما، وأنّ بيانات التمسّك العربي بالتفاوض من دون متابعة وضغوط، أو التهديد على طريقة الفرزدق الذي قال فيه جرير: "زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً – أبشِر بطول سلامة يا مربع"، لن تؤدّي لا الى تثبيت أوباما في ضغطه ولا الى تعديل موازين القوى الميداني في فلسطين على نحو يحدّ من الاستيطان ومصادرة ما تبقّى من أراضي في القدس ومحيطها...
زياد ماجد

Tuesday, March 23, 2010

الدرس العراقي

إنتخب ملايين العراقيين داخل العراق وخارجه مجلسهم النيابي الجديد.
انتخبوا للمرة الثانية بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وانتخبوا بحرية نسبية وتنافسية عالية لم تعرف المنطقة العربية مثيلاً لها في غير حالتي لبنان عام 2009 وفلسطين عام 2006.
وانتخبوا وفق نظام التمثيل النسبي على أساس اللوائح الوطنية لضمان وصول مختلف الاتجاهات التي يفيض بها مجتمعهم (الى الندوة النيابية) على تنوّعها وتنافرها، من الطائفية والليبرالية والدينية الى العلمانية والقومية واليسارية والقبلية.
وبمعزل عن تقييم هذه الاتجاهات ومدى ديمقراطيتها، ينبغي التذكير أنها في معظمها ذات مشروعية شعبية في العراق اليوم، وهي حكماً سابقة على الاحتلال الأميركي، بعضها نتاج مسار تاريخي، وبعضها الآخر نتاج الممارسات التي تناوب على اعتمادها أكثر حكّام العراق منذ استقلاله (والتي بلغت حدّاً مروّعاً من العنف والإرهاب مع سطوع نجم صدام حسين ثم استلامه الرسمي للسلطة عام 1979 وإدخاله بلاده في الحروب والخراب).
على أنها في كل الأحوال، حسناً تفعل إذ تتنازع انتخابياً واحتكاماً الى العراقيين والعراقيات، وحسناً تفعل إذ تتعوّد وتُعوّد الناس على النظام الانتخابي النسبي الذي يتيح لمعظم القوى التمثّل داخل البرلمان وفق أحجامها، عوض السعي الى الإقصاء والتهميش وصولاً الى الإلغاء.

وإن كان استحقاقان انتخابيان لا يكفيان لتحديد أي خيار سارت أو ستسير عليه الاتجاهات هذه وأصحابها، ومعها أمور العراق، إلا أنهما يؤكّدان أن ثمة تجربة تتقدّم، وأنها قد تكرّس إن استمرّت ثقافة تداول السلطة، أو على نحو أدقّ، ثقافة التقاسم لها والتشارك فيها، فضائل سياسية لا تعرفها أكثر الدول العربية. فأنظمة هذه وتلك، كما بعض تياراتها الذامة دون كلل ولا ملل "المحاصصة المذهبية" و"الفرقة الطائفية" في العراق، تفضّل الاستئثار على المحاصصة، والوحدة (بالقهر والدم) على التعدّد. هذا علماً أن هذين الاستئثار والوحدة بالدم هما ما ساهم - فور انكفاء المستأثِر والموحِّد - في تحويل التعدّد الى تنابذ والى بحث عن ثأر أو عن "توحيد مضاد" (بالدم أيضاً)، قد يكون الالتزام الانتخابي الدوري والتنافس المفضي (بسبب النظام النسبي) حصصاً في البرلمان مقدمّة للخروج من ويلاته


باختصار، ليست الانتخابات العراقية نموذجية، ولن تكون كذلك في المدى القريب. لكنها بالتأكيد بداية تكريس لنهج جديد في الحياة السياسية لا أمل باستقرار على المدى البعيد من دونه ولا إمكانية لبناء دولة تنهي الاحتلال وتحتكر الحق في اللجوء الى القوة من دون تطويره وتحصينه ضد كل من يتفجّع على "العراق" من خارجه، ومقصده التفجّع على نظامه البائد، وضد كل من يريد جعل ثمن الحرية في هذه المنطقة مكلفاً ومنفّراً وبعيد المنال...
زياد ماجد

Tuesday, March 16, 2010

عن المسامحة والنسيان...

لم يكن تاريخ 16 آذار 1977 تاريخاً لاغتيال كمال جنبلاط فحسب، بل كان كذلك تاريخاً لتأسيس صفحة جديدة في الحرب الأهلية اللبنانية وافتتاحاً لإدارة إقليمية مباشرة لها. إدارة تقوم أولاً على الاغتيال السياسي ثم على التصرّف وكأن الاغتيال كان ردعاً للمغدور أو تجنّباً للأضرار التي يمكن لحياته إن طالت أن تحدثها. وعلى ذويه التسليم بذلك وتجاوز الدم حفاظاً على أرواحهم ومنعاً لتفاقم الأمور في ديارهم. لا بل أكثر من ذلك، عليهم الاعتذار عن أفعال المغدور وعن دمه ثمّ الكفّ عن تذكّره حرصاً على سمعة قاتله...
بهذا المعنى، يمكن تفسير ما قاله المسؤولون السوريون لوليد جنبلاط بعد أربعين والده من أن كمالاً أراد الحسم العسكري في لبنان ولم يقبل بالمسعى السوري لإنهاء الاقتتال، ووصف سوريا بأنها "سجن كبير"... وبهذا المعنى أيضاً، يمكن تفسير ما سرّبه بعض المحسوبين على النظام السوري من أن رفيق الحريري تآمر مع مروان حمادة وآخرين لاستصدار القرار الأممي 1559 وإخراج الجيش السوري من لبنان. وبهذا المعنى أيضاً وأيضاً، قيل إن سمير قصير تجاوز الخطوط الحمر إذ كتب في الشأن السوري الداخلي وربط استقلال لبنان بديمقراطية سوريا... وفي كل هذا ما استدعى، مرة بعد مرة، تدابير اضطُرّت المعنيين الى الاستئصال منعاً للتمادي وذوداً عن الاستقرار...


على أسس "القتل الوقائي أو التأديبي" إذن، قامت في لبنان معادلة "الدم أو الرضوخ" لعقود ثلاثة خلت

وإن كان من فضل كبير ليوم 14 آذار 2005 (بمعزل عن أي نقاش في وظائفه السياسية والطائفية الداخلية)، فهو أنه أسقطها وأسقط التهويل والتخويف بها، ورفض الاستسلام لمقولة إن المقتول مذنب وليس القاتل، وإن الصمت والرضوخ هما السبيل الأمثل لتفادي استجلاب المزيد من الهلاك والفتن.
*****
... واليوم في 16 آذار 2010، بعد 33 عاماً على الجريمة التأسيسية، وبعد 5 سنوات على إسقاط المعادلة المبنية على ذاك التأسيس، يجدر ربما تأكيد أمر واحد بعيداً عن كل سجال وتبرير أو هجاء وتعريض: أن النسيان والمسامحة لا يحلّان مشكلة ولا ينتجان معادلات جديدة.
فالمسامحة يمكن أن تتمّ بعد المحاكمة أو بعد اعتراف القاتل بجرائمه واعتذاره عنها. أما النسيان فلا يغيّر في شيء ما قد حصل. وهو في أحسن الأحوال، يسمح لمن يريده أن يلغي من ذاكرته حدثاً، لكنه في ذلك لا يلغي الحدث نفسه، ولا أطرافه ووجوهه.
والأهمّ، لا يلغي حقيقة أن ثمة من لن ينسى ومن لن يفضّل المسامحة على العدالة، ولا حتى على البعض منها، ولو بعد حين...
زياد ماجد

Monday, March 8, 2010

في يوم المرأة ...

يذكّرنا اليوم العالمي للمرأة كل عام أن أحوال المرأة في لبنان ليست على ما يرام.
فالتمييز ضدّها في القوانين والممارسات مستمر، وموقعها في الحياة العامة مهمّش تماماً كما حالها في أغلب الأحيان في الحياة الأُسرية وفي منظومة العلاقات الاجتماعية.
ويمكن فهم الأمر بوصفه نتاجاً للقوانين المجحفة بحقها، المتراكمة منذ عقود، من قوانين الأحوال الشخصية الى قانون الجنسية، ومن قانون العقوبات الى قوانين العمل والتقديمات الاجتماعية والصحية.
ويمكن فهمه أيضاً انطلاقاً من الصورة النمطية المقدّمة عن المرأة بوصفها الأم والأخت والزوجة، وليس الكائن المستقل في ذاته بمعزل عن النسب الى علاقة عائلية تفرض أدواراً محدّدة وتفترض علاقات تراتبية تحلّ فيها المرأة – الدور في المرتبة الثانية على الدوام.
كما يمكن فهمه عند تشريح النخب السياسية والاقتصادية في لبنان حيث لا وجود فاعلاً للمرأة إلا بكونها – في حالات معدودة – وريثة لوالد أو لزوج وافته المنيّة أو لقي مصرعاً قبل بلوغ أحد الذكور من نسله سنّاً يسمح له بارتداء عباءته.
وفي هذا ما يجعل الاهتمام بقضاياها ثانوياً في بيئة تستصغر ما تخاله قضايا ترف نخبوي.
وإن أٌضيف الى كل ذلك العنف الرمزي - المعنوي أو الجسدي المباشر المُستسهَلة ممارسته ضدها في كثير من البيئات، صار الفهم أوضح، وبان الوضع أكثر سوءاً وظلماً، وأمست الحاجة الى مواجهته أكثر أولوية وإلحاحاً مما يُظنّ.

:على أن بعض الإشارات الايجابية ظهرت في السنوات الأخيرة
- منها الحملات الهادفة الى المطالبة بالاعتراف بمواطنية المرأة وبحقها "البديهي" في منح الجنسية اللبنانية الى زوجها الأجنبي والى أولادها،
- ومنها حملات المطالبة بالقانون الاختياري للأحوال الشخصية،
- ومنها أيضاً الحملات الهادفة الى التعريف بقباحة العنف المتعرّضة له بأشكاله كافة،
- ومنها كذلك الإصرار على كوتا نسائية في الانتخابات تمكّن النسوة من التمثّل في المؤسسات الدستورية التي يحجبها عن الوصول إليها السلوك الذكوري وآليات الهيمنة الاجتماعية والاقتصادية السائدة، كما إحجامها عن المشاركة خوفاً من الفشل.
- ومنها الكتابات والدراسات حول الإجحاف الذي تعاني منه في القوانين والتشريعات الوضعية والدينية.
لكن هذه الإشارات الهامة، على ضرورتها وشجاعة القائمات والقائمين عليها، تبقى معزولة في السياق السياسي والقانوني العام في البلاد إن لم يُصار الى تحصينها.
والتحصين يبدأ بتبنّي الإعلام لها وبالكتابة الدورية حولها، وبالضغط على الأحزاب والتشكيلات المجتمعية كما على الأفراد المؤثرين – وزراء ونوّاباً وحقوقيّين- لاعتمادها وتحويلها الى مشاريع قوانين تُحرج من يرفضها، وتراكم محاولةً إثر محاولة نهجاً إصلاحياً هو أحوج ما نكون إليه...
زياد ماجد

Tuesday, March 2, 2010

إيران وأخواتها

تثير زيارة الرئيس الايراني أحمدي نجاد الى دمشق والقمة التي عقدها مع الرئيس السوري بشار الأسد بمشاركة أمين عام حزب الله حسن نصر الله، ملاحظات عدة حول العلاقات والأحلاف الاقليمية، وحول التوقيت والرسائل السياسية.
هنا بعض هذه الملاحظات.
في مضمون اللقاء
ليس تصريحاً جديداً ما أعلنه المجتمعون عن أن أي حرب ضد لبنان لن تُبقي سوريا مكتوفة الأيدي. فهذا التصريح يسمعه اللبنانيون والسوريون ومعهم الفلسطينيون منذ عقود، ولم يروا منه في كل مرة كانت حمم الموت الاسرائيلي تتساقط فيها على الجنوب وبيروت (والضفة وغزة) سوى التشديد الحاسم على "رفض سوريا الانجرار خلف استفزازات العدو وترك الردّ للتوقيت والمكان اللذين تختارهما بنفسها"، وهما الى الآن مجهولان.
وليس جديداً كذلك توعّد الرئيس الايراني الحالي بمحو إسرائيل فور "ارتكابها خطأ العدوان على المقاومة وعلى المقاومين أنظمةً وحركات". فهو يكرّر التهديد منذ سنوات، لكنه لا يبدو في عجلة من أمره لتنفيذه...
هل من جديد إذن في ما قيل؟ لا يبدو ذلك. لكن الجديد الفعلي هو في توقيت القول وشكله وظروفه.
عن ظروفه الإقليمية والدولية
انعقد اللقاء ليؤكّد على استمرار الجبهة التحالفيّة بين سوريا وإيران، واستطراداً حزب الله، بعد كل الجهود العربية والدولية الهادفة الى تفكيكها، وبعد بعض القلق المتبادل بين أطرافها من مآل المفاوضات التي يُجريها كل منها وحيداً مع القوى الدولية، وبعد اتّضاح التباينات في الشأن العراقي بين دمشق (الساعية الى إبقاء الأميركيين والعراقيين في مأزق أمني يجعلها شريكاً محتملاً في أي تسوية لاحقة) وطهران (المطمئنة الى قوة دورها وحضورها في العراق وغير الممانعة في استقرار سياسي وأمني طالما أن حلفاءها المحلّيين عناصر أساسية في إدارة الدولة والمجتمع).
وهذا التأكيد على المضيّ في التحالف هو ربما الرسالة الجديدة المبعوثة لأطراف عديدين، بدءاً بفرنسا التي غادر رئيس وزرائها دمشق مؤكداً على المزيد من التعاون قبل ساعات من اللقاء، مروراً بالإدارة الأميركية التي قرّرت إعادة سفيرها الى دمشق قبل أيام منه، وصولاً الى السعودية التي صالحت النظام السوري منذ فترة ووفّرت فتح صفحة جديدة له لبنانياً.
والتآم اللقاء قد يكون، بهذا التوقيت، مبادرة إيرانية للتأكيد على أن لا شيء تغيّر في دمشق رغم الانفتاح العربي والغربي عليها. كما أنه محاولة سورية للعودة الى سياسات التموضع في أكثر من موقع، وإبقاء الخطوط مفتوحة مع أكثر من طرف، بانتظار جلاء الأمور في مرحلة تبدو فيها الأولويات الأميركية بعيدة عن إقلاق راحة قصر المهاجرين، ولو من دون حرارة مع حكّامه.
في الشكل ومستويات التمثيل والغياب
يعكس شكل اللقاء جوانب عدة من وظيفته.
فهو تمّ بين رئيسي دولتين ورئيس منظمة سياسية عسكرية يُراد له أن يكون ممثل دولة ثالثة. وفي ذلك تجاوز لأعراف ولمفاهيم سيادية وتعامل مع ممثل جهة لبنانية بوصفه ممثلاً للدولة ولقرارات السلم والحرب والتموضع الخارجي فيها. وهذا يكرّس النظرة الفوقية الى لبنان والتعامل السوري والايراني معه بوصفه "التابع" وساحة الصراعات وتصفياتها، مع "حلاوة لسان" وتعهّد بعدم تركه وحيداً إن هاجمته إسرائيل. كما أنه يكرّس نظرة حزب الله الى الكيان اللبناني باعتباره أرض مقاومة لا حاجة فيها لمؤسسات منتخبة أو لسلطات دستورية تدير خيارات أهلها.
ولعل في غياب زعيم حركة حماس عن الاجتماع – بقرار من الحركة أو بعدم توجيه دعوة له – ثم ظهوره الى جانب زعيم الجهاد الإسلامي في صورة استلحاقية في طهران، ما يشير الى أمر ما مستجدّ في السياق الفلسطيني - الإقليمي، من المفيد رصده في المرحلة المقبلة...
خلاصة القول إننا أمام مشهد حدّاه الستاتو كو المقيت والصدام المدمّر. ونحن على الأرجح غارقون فيه لوقت إضافي.
زياد ماجد