تثير زيارة الرئيس الايراني أحمدي نجاد الى دمشق والقمة التي عقدها مع الرئيس السوري بشار الأسد بمشاركة أمين عام حزب الله حسن نصر الله، ملاحظات عدة حول العلاقات والأحلاف الاقليمية، وحول التوقيت والرسائل السياسية.
هنا بعض هذه الملاحظات.
في مضمون اللقاء
ليس تصريحاً جديداً ما أعلنه المجتمعون عن أن أي حرب ضد لبنان لن تُبقي سوريا مكتوفة الأيدي. فهذا التصريح يسمعه اللبنانيون والسوريون ومعهم الفلسطينيون منذ عقود، ولم يروا منه في كل مرة كانت حمم الموت الاسرائيلي تتساقط فيها على الجنوب وبيروت (والضفة وغزة) سوى التشديد الحاسم على "رفض سوريا الانجرار خلف استفزازات العدو وترك الردّ للتوقيت والمكان اللذين تختارهما بنفسها"، وهما الى الآن مجهولان.
وليس جديداً كذلك توعّد الرئيس الايراني الحالي بمحو إسرائيل فور "ارتكابها خطأ العدوان على المقاومة وعلى المقاومين أنظمةً وحركات". فهو يكرّر التهديد منذ سنوات، لكنه لا يبدو في عجلة من أمره لتنفيذه...
هل من جديد إذن في ما قيل؟ لا يبدو ذلك. لكن الجديد الفعلي هو في توقيت القول وشكله وظروفه.
عن ظروفه الإقليمية والدولية
انعقد اللقاء ليؤكّد على استمرار الجبهة التحالفيّة بين سوريا وإيران، واستطراداً حزب الله، بعد كل الجهود العربية والدولية الهادفة الى تفكيكها، وبعد بعض القلق المتبادل بين أطرافها من مآل المفاوضات التي يُجريها كل منها وحيداً مع القوى الدولية، وبعد اتّضاح التباينات في الشأن العراقي بين دمشق (الساعية الى إبقاء الأميركيين والعراقيين في مأزق أمني يجعلها شريكاً محتملاً في أي تسوية لاحقة) وطهران (المطمئنة الى قوة دورها وحضورها في العراق وغير الممانعة في استقرار سياسي وأمني طالما أن حلفاءها المحلّيين عناصر أساسية في إدارة الدولة والمجتمع).
وهذا التأكيد على المضيّ في التحالف هو ربما الرسالة الجديدة المبعوثة لأطراف عديدين، بدءاً بفرنسا التي غادر رئيس وزرائها دمشق مؤكداً على المزيد من التعاون قبل ساعات من اللقاء، مروراً بالإدارة الأميركية التي قرّرت إعادة سفيرها الى دمشق قبل أيام منه، وصولاً الى السعودية التي صالحت النظام السوري منذ فترة ووفّرت فتح صفحة جديدة له لبنانياً.
والتآم اللقاء قد يكون، بهذا التوقيت، مبادرة إيرانية للتأكيد على أن لا شيء تغيّر في دمشق رغم الانفتاح العربي والغربي عليها. كما أنه محاولة سورية للعودة الى سياسات التموضع في أكثر من موقع، وإبقاء الخطوط مفتوحة مع أكثر من طرف، بانتظار جلاء الأمور في مرحلة تبدو فيها الأولويات الأميركية بعيدة عن إقلاق راحة قصر المهاجرين، ولو من دون حرارة مع حكّامه.
في الشكل ومستويات التمثيل والغياب
يعكس شكل اللقاء جوانب عدة من وظيفته.
فهو تمّ بين رئيسي دولتين ورئيس منظمة سياسية عسكرية يُراد له أن يكون ممثل دولة ثالثة. وفي ذلك تجاوز لأعراف ولمفاهيم سيادية وتعامل مع ممثل جهة لبنانية بوصفه ممثلاً للدولة ولقرارات السلم والحرب والتموضع الخارجي فيها. وهذا يكرّس النظرة الفوقية الى لبنان والتعامل السوري والايراني معه بوصفه "التابع" وساحة الصراعات وتصفياتها، مع "حلاوة لسان" وتعهّد بعدم تركه وحيداً إن هاجمته إسرائيل. كما أنه يكرّس نظرة حزب الله الى الكيان اللبناني باعتباره أرض مقاومة لا حاجة فيها لمؤسسات منتخبة أو لسلطات دستورية تدير خيارات أهلها.
ولعل في غياب زعيم حركة حماس عن الاجتماع – بقرار من الحركة أو بعدم توجيه دعوة له – ثم ظهوره الى جانب زعيم الجهاد الإسلامي في صورة استلحاقية في طهران، ما يشير الى أمر ما مستجدّ في السياق الفلسطيني - الإقليمي، من المفيد رصده في المرحلة المقبلة...
خلاصة القول إننا أمام مشهد حدّاه الستاتو كو المقيت والصدام المدمّر. ونحن على الأرجح غارقون فيه لوقت إضافي.
زياد ماجد