يذكّرنا اليوم العالمي للمرأة كل عام أن أحوال المرأة في لبنان ليست على ما يرام.
فالتمييز ضدّها في القوانين والممارسات مستمر، وموقعها في الحياة العامة مهمّش تماماً كما حالها في أغلب الأحيان في الحياة الأُسرية وفي منظومة العلاقات الاجتماعية.
ويمكن فهم الأمر بوصفه نتاجاً للقوانين المجحفة بحقها، المتراكمة منذ عقود، من قوانين الأحوال الشخصية الى قانون الجنسية، ومن قانون العقوبات الى قوانين العمل والتقديمات الاجتماعية والصحية.
ويمكن فهمه أيضاً انطلاقاً من الصورة النمطية المقدّمة عن المرأة بوصفها الأم والأخت والزوجة، وليس الكائن المستقل في ذاته بمعزل عن النسب الى علاقة عائلية تفرض أدواراً محدّدة وتفترض علاقات تراتبية تحلّ فيها المرأة – الدور في المرتبة الثانية على الدوام.
كما يمكن فهمه عند تشريح النخب السياسية والاقتصادية في لبنان حيث لا وجود فاعلاً للمرأة إلا بكونها – في حالات معدودة – وريثة لوالد أو لزوج وافته المنيّة أو لقي مصرعاً قبل بلوغ أحد الذكور من نسله سنّاً يسمح له بارتداء عباءته.
وفي هذا ما يجعل الاهتمام بقضاياها ثانوياً في بيئة تستصغر ما تخاله قضايا ترف نخبوي.
وإن أٌضيف الى كل ذلك العنف الرمزي - المعنوي أو الجسدي المباشر المُستسهَلة ممارسته ضدها في كثير من البيئات، صار الفهم أوضح، وبان الوضع أكثر سوءاً وظلماً، وأمست الحاجة الى مواجهته أكثر أولوية وإلحاحاً مما يُظنّ.
:على أن بعض الإشارات الايجابية ظهرت في السنوات الأخيرة
- منها الحملات الهادفة الى المطالبة بالاعتراف بمواطنية المرأة وبحقها "البديهي" في منح الجنسية اللبنانية الى زوجها الأجنبي والى أولادها،
- ومنها حملات المطالبة بالقانون الاختياري للأحوال الشخصية،
- ومنها أيضاً الحملات الهادفة الى التعريف بقباحة العنف المتعرّضة له بأشكاله كافة،
- ومنها كذلك الإصرار على كوتا نسائية في الانتخابات تمكّن النسوة من التمثّل في المؤسسات الدستورية التي يحجبها عن الوصول إليها السلوك الذكوري وآليات الهيمنة الاجتماعية والاقتصادية السائدة، كما إحجامها عن المشاركة خوفاً من الفشل.
- ومنها الكتابات والدراسات حول الإجحاف الذي تعاني منه في القوانين والتشريعات الوضعية والدينية.
لكن هذه الإشارات الهامة، على ضرورتها وشجاعة القائمات والقائمين عليها، تبقى معزولة في السياق السياسي والقانوني العام في البلاد إن لم يُصار الى تحصينها.
والتحصين يبدأ بتبنّي الإعلام لها وبالكتابة الدورية حولها، وبالضغط على الأحزاب والتشكيلات المجتمعية كما على الأفراد المؤثرين – وزراء ونوّاباً وحقوقيّين- لاعتمادها وتحويلها الى مشاريع قوانين تُحرج من يرفضها، وتراكم محاولةً إثر محاولة نهجاً إصلاحياً هو أحوج ما نكون إليه...