Sunday, November 29, 2020

التطبيع كما الممانعة أداة لتكريس استبداد مديد

تتسارع منذ أشهر وتيرة التطبيع السياسي بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. فبعد الإمارات والبحرين، تبدو اليوم السعودية والسودان على مقربة من خطوات اعتراف ديبلوماسي بتل أبيب أو تبادل زيارات وبحث في تعاون ثنائي أمني واقتصادي معها. وإذا كان في توقيت القرارين الإماراتي والبحريني (غير المفاجئين) ما وشى بمحاولتين بائستين من أبو ظبي والمنامة لدعم حملة دونالد ترامب الانتخابية في شوطها الأخير، فإن في السعي السعودي والسوداني راهناً ما يرتبط بمحاولات تبييض صفحة وليّ عهد الرياض أميركياً (في جريمة قتل الصحفي جمال الخاشقجي) من جهة، وجذب استثمارات بعد رفع عقوبات واشنطن عن الخرطوم مؤخّراً من جهة ثانية.

Sunday, November 15, 2020

سكاكين للمقبل من الأيام

كُتب الكثير حول الجريمتين اللتين استهدفتا مدرّس التاريخ صمويل باتي قرب مدرسته في مدينة كونفلان الفرنسية والمصلّيتين في كنيسةٍ والعامل فيها في مدينة نيس، جنوب البلاد.

النص هذا، الذي نُشر في موقع ميغافون، مساهمة إضافية في النقاش حول الحدثين، عبر تذكير بمسألتين أساسيّتين.

الإسلاموفوبيا والإسلاموغوشيست

كثُرت في الحلقات الأكاديمية الفرنسية، بعد الجريمتين الهمجيّتين ضد مدرّس التاريخ والمصلّيتين والعامل في الكنيسة، النقاشات والنصوص الجماعية حول مسألة الحرّية الفكرية واستقلالية التدريس ومناهجه وعلاقة الأمر بالعلمنة والإسلام والعنف والأبحاث الـ"بوست-كولونيالية" (الـ"ما بعد استعمارية"). وكثُرت بموازاتها مقالات الرأي والافتتاحيات التي وقّعها أفراد ذوو تأثير في الأوساط الثقافية الفرنسية حول المسألة إياها. 

ولعلّ ما حرّك جزءاً من النقاشات والكتابات هذه كان مواقف الحكومة التي عبّر عنها رئيسها إذ رفض مشروعيّة البحث في ماضي فرنسا الاستعماري لتفسير العديد من الظواهر السياسية والمجتمعية الراهنة، خاصة تلك المتعلّقة بالعنصرية وبالتوتّرات في ضواحي المدن الموسومة فئاتها الشابة "بالتحوّل المتوحّش"، وفق تعبير وزير الداخلية. واقترح وزير التربية الوطنية، استكمالاً للمواقف ذاتها، أن يُعاد النظر ببعض المواد المدرّسة في الجامعات، متّهماً ما أسماه "الإسلامو-غوشيست"، إي "اليسار المتعاطف مع الإسلاميين" داخل الأجسام التدريسية والطلابية، أو اليسارويين الإسلاموَيين (في ترجمة حرفية للمصطلح)، بالتسبب بأضرار جسيمة، لم يحدّدها، وبدفع البلاد نحو الأسوأ. 

Sunday, November 1, 2020

القتل بالسكين الذي لا إصلاح دينياً يردعه ولا نهاية قريبة لمسلسله

سادت اتجاهات ثلاثة في أكثر الكتابات العربية المعلّقة على جريمتي ذبح مدرّس التاريخ الفرنسي والسيّدتين المصلّيتين داخل كنيسة وأحد العاملين فيها في مدينة نيس جنوب فرنسا. الاتجاه الأول تبريري، استنكر بالكاد الجريمتين وعطف على استنكاره الخجول تحميل المسؤولية الأولى لفرنسا ولعلمانيّتها المتشدّدة وتاريخها الاستعماري وقوانينها التي أتاحت رسوماً يعدّها مسيئة للإسلام ونبيّه، وللغرب عامة وسياساته تجاه البلاد ذات الأكثرية المسلمة.

الاتجاه الثاني، أقلّ تبريرية، إذ استنكر بوضوح الجريمتين، لكنه خفّف من وزرهما ووضعهما في سياق عام من الجرائم، منزّهاً "الإسلام الحقّ" والمسلمين عن المقتلتين وعن كل أزمة أشار ماكرون إليها في معرض حديثه الأخير عن المسألة الإسلامية.

أما الاتجاه الثالث، وطابعه أكثر نخبوية وأقل حضوراً، فانطلق من أن الحديث عن التاريخ والسياقات السياسية والاجتماعية هو بمجمله تعمية عن الموضوع الفعلي الواجب طرحه والتعامل معه، أي موضوع الإسلام بوصفه منظومة دينية وسياسية مأزومة ومولّدة للعنف إن في المجتمعات المسلمة أو عبر الحدود نحو العالم الأرحب. والمطلوب بالتالي إصلاح ديني وتغيير في الثقافة الإسلامية ومسلكيّات المنتمين إليها.

وإذا كان السجال مع الاتجاهين الأولين غير مجدٍ، إذ أن عدم القول القاطع بأن الجريمتين - كما جميع الجرائم التي سبقتهما في فرنسا وسواها – توحشّ وفظاعة مقزّزة بمعزل عن كلّ الظروف والسياقات الواجب تحليلها، وأن لا رسماً ولا كتاباً ولا كلاماً يمكن أن يبرّر اعتداءً فكيف بالذبح والقتل واستهداف مدرّسين ونساء في دور عبادة، فإن السجال مع الاتجاه الثالث ضروري للتذكير بعدة أمور.