Tuesday, September 7, 2021

قتلُ النساء

تتناقل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة تقارير وصوراً متزايدة، من أكثر من بلدٍ، عن عمليات إعدامٍ مشهديّ لنساءٍ بعد خطفهنّ وتعذيبهنّ من قِبل أزواج أو أخوة أو أهل وأقارب أو ممثّلين عن هؤلاء جميعاً. 

فمن العراق ولبنان حيث الدولة منحلّة أو معطّلة والسلاح منتشر والقانون معلّق، الى مصر حيث التحرّش الجماعي والاغتصاب يجدان من يبرّرهما في أوساط إعلامية وأكاديمية وأمنية (ويُستخدمان أحياناً لأغراض سياسية)، الى أفغانستان حيث النزاعات والتطرّف والنظم القبلية تخصّ النساء بفائض تنكيل يفاقم من مآسيهنّ، الى الارجنتين والبرازيل وتشيلي حيث للعنف الجندري (بما فيه الاغتيالات وعنف الشرطة ضد المتظاهرات) خصائص واستهدافات سياسية وعنصرية، وصولاً الى فرنسا حيث تُسمّي النسويّات الظاهرة المتوحّشة هذه بالـ"فيمينسيد" أو "قتل النساء لأنّهن نساء"، في جميع هذه البلدان، تتكاثر إذاً الأخبار والقصص حول جرائم يتعامل القضاء (إن وُجِد) مع مرتكبيها "برأفة" أو تصبح جزءاً من ذاكرة دم وعنف وإرهاب معمّم.

حروب الطالبان الأربع

تخوض حركة طالبان منذ عودتها التدريجية الى حُكم معظم الأراضي الأفغانية ودخولها عسكرياً قبل أيام الى العاصمة كابل أربع حروب متوازية. 

الحرب الأولى هي لتثبيت سيطرتها العسكرية والسياسية على البلاد. وقد اعتمدت فيها استراتيجية مختلفة عن تلك التي اعتمدتها خلال صعودها الأول في تسعينات القرن الماضي. ذلك أنها لم تركّز هذه المرّة على المناطق الباشتونية في الجنوب، بل تقدّمت من بؤر نشطت فيها عسكرياً ضد القوات الأميركية والحكومية في السنوات الماضية في مختلف الأقاليم، وبسطت سيطرتها تدريجياً على مناطق محاذية للحدود الشمالية (حيث الديموغرافيا بأكثريتها طاجيكية وأوزبكية وتركمانية) والغربية (حيث أكثرية من الطاجيك والباشتون) في نفس وقت تقدّمها في الوسط (حيث أكثرية الهزارة) وفي الشرق والجنوب بمحاذاة الحدود الباكستانية (حيث خلاياها ومؤيّدوها الكثر في الأوساط الباشتونية موجودون على جانبَي الحدود). وقد كان لهذه الاستراتيجية أن منعت تشكّل جبهة واسعة ضدها في المناطق الطاجيكية والأوزبكية وفي مناطق الهزارة (كتلك التي عُرفت بتحالف الشمال قبل عشرين عاماً)، وحالت كذلك دون قيام أي طرف باشتوني منافس لها بتنظيم نفسه أو بالتجرّؤ على تحدّيها في المناطق الباشتونية، ثم في العاصمة نفسها.

واستفادت طالبان لتفعيل وحداتها وإعادة هيكلة قواتها وخلاياها من الانكفاء الأميركي التدريجي منذ عهد أوباما الذي لجأ الى القصف الجوّي بطائرات مسيّرة مقابل سحب وحدات جيشه المقاتلة على الأرض، وهي سياسة استمرّ فيها ترامب وأوصلها بايدن الى خواتيمها، أي الانسحاب الكامل. كما استفادت من علاقات مخابراتية تخطّت الأجهزة الباكستانية التي كانت صلة الوصل بها في السابق وبلغت الأجهزة الروسية والإيرانية التي استثمرت في بعض عمليّاتها لإضعاف الأميركيين وإرباكهم في بلد أنفقوا على تدخلّهم فيه مئات مليارات الدولارات منذ إعلان "حربهم على الإرهاب"، ولم ينجحوا في تشكيل حكومات مركزية قوية أو ذات مشروعية شعبية واسعة. وهذا يقود الى القول باستفادة ثالثة للطالبان، هي تلك المستمَدّة من هشاشة المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية والخدماتية التي قامت بعد العام 2001 وانتشار الفساد والزبائنية والحسابات الإثنية فيها، التي همّش بعضها الباشتون، وخلق في الكثير من أوساطهم مظلومية غذّت صفوف الطالبان بالمقاتلين والمتعاونين.