Tuesday, September 28, 2010

مذهبية... وتآمر

ليست التناقضات والشعارات الديماغوجية جديدة على المساقات السياسية في لبنان. ولا هي حكر على أطراف دون سواها.
لكن بعض عيّناتها المستجدّة تظهر تفوّقاً واضحاً لحزب الله على خصومه، وتظهر في الوقت عينه مأزق الحزب بين فائض قوّته (وصعوبة تحمّل الصيغة اللبنانية الهشّة لفائض قوة مماثل)، وبين عجزه عن فرض ما يريد من دون تحويل الفائض المذكور من مخزون احتياطي الى ممارسة عنفيّة مباشرة.
ولعل استعراض بعض مقولات حزب الله الأخيرة يبيّن المدى الذي بلغته المبالغات بتناقضاتها وباحتمالاتها.

- فأن يأتي استنكار التعبئة المذهبية (الموجودة فعلاً والخطيرة والمُستنكرة) على ألسنة المنتمين الى حزب هو تعريفاً مذهبي (أي أنه ليس فقط في تكوينه الاجتماعي وفي دوره السياسي داخل النظام القائم على تمثيل الطوائف مذهبياً فحسب، بل أيضاً في مرجعيته الدينية وفي إيديولوجيته وطقوسه وممارساته ومؤسساته وتعبئته وارتباطه الخارجي العضوي)، فالأمر يصبح الى الشكوى من النفس أقرب منه الى أيّ ذمّ آخر.
- وأن يأتي شجب التعامل مع إحدى الرئاسات بوصفها مرجعية مذهبية قبل كونها مؤسسة من مؤسسات الدولة من قِبَل من بارك إقفال مؤسسة ثانية على مدى أشهر طويلة لاعتباره رئاستها وقفاً لتمثيله المذهبي المهدور، فالأمر يصير عبارة عن نقد ذاتي متأخر، ولو أنه يصحّ أيضاً في من ينتقدهم اليوم.
- وأن يُعدّ اجتياح المطار أمنياً وتنظيم مؤتمر صحافي مسلّح لضابط سابق يتهدّد فيه ويتوعّد قضاة ومسؤولين حاليين في الدولة وأجهزتها بأخذ "حقّه منهم بيده"، أن يعدّ ذلك دفاعاً عن الدولة وحماية للقضاء، فالمشهد يمسي ضرباً من ضروب الاستفزاز المقيت (الذي لا يولّد غير المزيد من التشنّج المذهبي والدفع نحو الاحتقان).
- وأن يصير النقاش حول صلاحيات الأجهزة الأمنية واختصاصاتها اتهاماً لأحدها "بالزعرنة" والخروج على القانون ووصفه بالميليشيا من قبل من نفّذ 7 أيار (أو أيّدها) وما تخلّلها من سقوط عشرات الضحايا وتدمير الأملاك الخاصة والعامة ورفع مستوى التوتر الأهلي، ففي الأمر استغفال يبعث على السخرية.

الأنكى أن الردود على كل ذلك تأتي متخبّطة، وتبدو يتيمة بغير أفق سياسي. وبين الاستفزاز والصراخ وفائض القوّة من جهة، والتخبّط ووهم اللجوء الى سقوف إقليمية لحجب "الفتنة" من جهة ثانية، مؤشّر إضافي على التصدّع والتهتّك المحدقين بنا، اللذين لا يحتاجان لا لقرار ظنّي ولا لمؤامرات و"شهود زور" وأفعال ندامة ومهانة ليشعلا حرائق في ديارنا
زياد ماجد

Tuesday, September 7, 2010

تصريف أعمال

ثمة انطباعان تخلّفهما مراقبة الحياة السياسية في لبنان هذه الأيام: إنطباع بسيطرة عقلية "تصريف الأعمال" على الأداء السياسي العام، وانطباع بوجود عجز في التعامل مع الكثير من الملفات والقضايا بانتظار أن تحسم فيها استحقاقات خارجية مرتقبة.
فمن اعتبار الأحداث الأمنية مشادات فردية وأخوية تُعالَج بوساطات محلية وإقليمية وباجتماعات بين ممثّلي أطرافها يُشكرون على "تطويق اشتباكاتهم الرشاشة والصاروخية وإنهاء ذيولها"،
الى التعاطي مع ملف المحكمة الدولية والاغتيالات، شتماً ورفضاً وطلباً لنسيان الجرائم والضحايا والمجرمين، أو تراجعاً عن مواقف ولصقاً لمسؤولية الدفع الى اتخاذها سابقاً "بشهود زور" وبأمزجة متسرّعة،
الى تغييب البحث في الملفات الاقتصادية والمعيشية والخدماتية خارج الحملات والاتهامات والنكايات،

الى تأجيل العمل على ملفات إصلاحية تشمل قوانين الجنسية والانتخاب والإصلاح الإداري واللامركزية التي أُطلقت الوعود في شأنها قبل أشهر،
الى الرقاعة في مقاربة ملف خطير، كملف العمالة لإسرائيل أو التجسّس لصالحها، وترك الشائعات والشائعات المضادة تحوّله من موضوع قيميّ وأمني وسيادي وطني الى مادة تشهير أو توظيف أو ابتزاز سياسي،
من كل ذلك، تطلّ علينا سمات التهرّب من التعامل مع تحدّيات متعاظمة والاتّكال على التفاهمات أو الشقاقات الإقليمية لفرض مقاربات و"علاجات" لها.


وإن كانت بعض المقولات التي تتردّد تبريراً لما ذُكر أو نفياً له تقنع بعض الناس، غير أنها في تركيزها على أن لا شيء يمكن القيام به قبل اتضاح مسلك الأمور في القرار الظني للمحقق الدولي بلمار أو في الملف النووي الإيراني أو في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية أو في تطوّر العلاقات السعودية السورية لا تقنع البعض الآخر، ولا تفعل أكثر من الإقرار بالعجز وتأكيد الهشاشة اللبنانية.
وإذ لا مفاجآت في الأمرين، إلا أن اعتبارهما قدراً لا حول ولا قوة تجاهه يسمح لمن يكرّر التصريح بحاجتنا الدائمة الى ضبط والى وصاية خارجية بتأكيد رأيه. وهذا في ذاته يصيب من مفهومي الحرية والاستقلال مقتلاً، وهو ما خبرناه وعشنا أهواله على مدى عقود. فهل من اشتياق له؟
زياد ماجد