Wednesday, December 22, 2010

الثابت والمتحوّل في الشرق الأوسط

تُقرع طبول الحرب في الشرق الأوسط منذ فترة، وتتعدّد السيناريوهات المُفضي أغلبها مجابهاتٍ في أكثر من موضع.

الفقرات التالية قراءة في بعض أوضاع المنطقة انطلاقاً من تشريح ديناميّتين: أميركية متراجعة وإيرانية متقدّمة (وإن استنفدت منذ أشهر تقدّمها). وفي هذين التراجع والتقدّم (المُستنفَد) ما قد بدأ يغيّر العديد من المعطيات القائمة منذ العام 2005 دافعاً نحو التصادم، وربما نحو بروز دينامية جديدة، تركية، ما زالت اليوم محدودة المعالم.


Wednesday, December 15, 2010

الصعب والأصعب

قد لا يبدو بديهياً ولا مقبولاً عند كثر من اللبنانيين القول إن "صيغة" وطنهم السياسية الضامنة حياته المؤسساتية منذ استقلاله الأول عام 1943 قد تهالكت وبات يصعب الفرار من مراجعتها.
ذلك أن العطب السياسي الراهن، الناجم عن السجال حول المحكمة الدولية وشهود الزور والويكيليكس وغيرها يغطّي على هذه المعضلة ويُظهر ما يجري وكأنه حصراً انعكاس صراعات إقليمية ومحاولات تحكّم خارجي بأوراق تفاوضية، تسووية أو تصعيدية، على الساحة اللبنانية.
وبهذا المعنى، يغدو (بالنسبة الى اللبنانيين هؤلاء) من غير المفيد  البحث اليوم في "صيغة" جديدة قبل حماية "الدولة" ورفض المقايضة بين بعض العدالة وبعض الاستقرار.

Hezbollah and the Shiite Community: From Political Confessionalization to Confessional Specialization

A research paper published by the Aspen Institute and the Lebanon Renaissance Foundation, analyzing the rise of Hezbollah and explaining the current political crisis in Lebanon.
Download Publication

Wednesday, December 1, 2010

نجمة - أنصار

كان قد مضى على حضوري أو مشاهدتي لآخر مباراة في الدوري اللبناني لكرة القدم 6 سنوات حين تسمّرت بعد ظهر السبت الماضي أمام شاشة تلفزيون "المستقبل" لمشاهدة "دربي" النجمة والأنصار. شوق ما لذكريات علاقة ببيروت ترفيهية، أو طبيعية، دفعني للبقاء على مدى تسعين دقيقة أمام المباراة. علاقة كانت فيها أيام الآحاد مدرّجاتٌ تتنفّس بالناس، وكان فيها كعك بحلوّم مشوي على الفحم، وأصوات باعة جوّالين، وصخب ملوّن وفرح وتعليقات طريفة وانفلات عفوي لكلمات تهجو حَكماً أو لاعباً أو مدرّباً بعد تبديل يبدو غير موفّق، وانفعالات أخرى عادية تقرّب اللبنانيين الوافدين الى الملعب الى غيرهم من هواة كرة القدم حول العالم.

Thursday, November 25, 2010

الاستقلال الناقص

حلّ عيد الاستقلال السابع والستين على اللبنانيين، ووطنهم غارق في مجموعة أزمات.
بعضها أزمات معيشية واجتماعية وخدماتية تبدو الطبقة السياسية عاجزة عن التعامل معها، وبعضها أزمات حقوقية وقانونية، وبعضها الآخر – وهو ما تتطرّق إليه هذه العجالة - أزمات مرتبطة بالانقسامات وبتعثّر النهوض بالبلاد وإدارتها في ظل اللاتوازن داخلها وارتباط أبرز "المتعاقدين" فيها بالخارج واستراتيجياته.

Saturday, November 6, 2010

كتاب "الى صديق إسرائيلي" لريجيس دوبريه: مع كيبوتز ال48 ضد كيبا ال67

يشكّل كتاب ريجيس دوبريه الجديد، أو بالأحرى رسالته الى صديقه سفير إسرائيل الأسبق في فرنسا المؤرّخ إيلي برنافي، وثيقة سياسية أرادها كاتبها تكثيفاً لآرائه في واقع إسرائيل اليوم، في علاقاتها الدولية وفي صراعها مع الفلسطينيين، في مآل صهيونيتها وقوى العلمنة والتديّن فيها، في علاقة يهود فرنسا بها، وفي مسألتي اللاسامية وذاكرة الهولوكوست وتداعياتهما الثقافية والسياسية عليها. ويساجل الكتاب مع العديد من المقولات الإسرائيلية أو الداعمة لإسرائيل، ويقدّم تحليلاً لبعض ظواهر الاجتماع السياسي الفرنسي (والأوروبي الأعمّ) لجهة تراتبيّاته الأخلاقية (ومؤدّياتها العنصرية) المهيمنة راهناً وأثرها في رسم خطوط العلاقة مع إسرائيل من ناحية، ومع الفلسطينيين والعرب من ناحية ثانية. 

Tuesday, November 2, 2010

مؤامرة... ولاية دم... وشرف


تكرّرت في الآونة الأخيرة عبارات ثلاث عبّرت أصدق تعبير عن فلسفة السياسة والعلاقات الدولية المنبثقة منها كما يعتنقها عدد كبير من القوى السياسية ذات الحضور الجماهيري الكبير في لبنان (واستطراداً في العالم العربي).

أولى العبارات، عبارة "المؤامرة". وهي عبارة لا ترى في السياسات والتحدّيات والمصالح سوى مكائد، ولا تنظر الى العلاقات والمعاهدات الدولية والمؤسسات الأممية إلا من منظار الريبة والتوجّس من الكمائن المنصوبة. وهي بذلك لا تدفع فهمنا للعالم نحو المزيد من التسطيح والفقر السياسي والثقافي فحسب، بل تسهم أيضاً في إفشال أي جهد ممكن للتعاطي معه من منطلق الدفاع عن المصالح وفهم التحالفات والسعي للتأثير الجدّي فيها.
المفارقة، أنه رغم سهر أكثر القوى هذه ومناصريها على متابعة أخبار "المؤامرات" ورصد جديدها وفضح سيناريواتها، فالأخيرة تبقى مباغتة لهم ومولّدة للمصائب والويلات، يسلّمون لها - رغم كشفهم لمكرها –بالنجاح، فيحذّرون من فتنتها ومن دفعها الجماعات للتقاتل والوقوع في الأفخاخ!

Tuesday, October 26, 2010

عنف... عنف

ينتشر العنف في لبنان مؤخّراً على نحو لم نشهده منذ انتهاء الحرب الأهلية. وهو يتّخذ عدة مظاهر.
- مظهر النزاع بين عائلات وعشائر في أكثر من منطقة ومناسبة، يشتبك أفرادها ويلجؤون أحياناً الى السلاح والى الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة، بلا وازع ولا رقيب ولا محاسب.
- مظهر الثأر الفردي والجماعي من أشخاص متّهمين بجرائم أو مدانين، على نحو مقزّز ومرعب وبعيد كل البعد عن فلسفة القانون التي تحصر المحاكمات وما قد يليها من إدانات وعقوبات بالمؤسسات والأجهزة المختصة. 


Tuesday, October 19, 2010

نجاد ومن سبقه

تذكّرنا إيران أحمدي نجاد، بشكل إطلالات نظامها خارجياً وكرمه ودعمه للحلفاء والأشقّاء وبحثه عن شوارع تصفّق له - مقابل شوارع طهران وجامعاتها التي ضاقت بمن ينادي بإسقاطه وبسرقته الانتخابات - بعدد من الحالات التي لم تتقادم الأيام على انهيارها أو تحوّلها الى هزل وفولكلور.
أول هذه الحالات وأهمّها، هو الاتحاد السوفياتي.
فالأخير، نصير شعوب العالم على ما كان يُقال، قدّم المساعدات والمعونات شرقاً وغرباً، وبنى أكبر أمبراطورية في العصر الحديث، مدجّجة بجيش أحمر صاروخي ونووي، منتشر في بلدان قريبة وبعيدة، وبإدارات تقدّم المنح لعشرات ألوف الطلاب ولحكومات وأحزاب حول العالم بأسره. لكنه نسي أن ثمة شعباً داخل حدوده المتناثرة يريد تحسين مستوى عيشه، ويريد الحرية ولا تغنيه خطابات المساواة والرفاقية عن حقوق الانسان المنتهكة عنده، ولا تحوّل الدعاية البرافدية أنظاره عن الفساد والزبائنية والاستبداد وعن مصادرة "المكاتب السياسية" برجالها الرماديين للسياسات والاقتصاد واحتكارهم معرفة مصالح "الجماهير" بعمّالها وفلاحيها وطلاّبها.

Tuesday, October 5, 2010

عدالة... وفتنة

تشي المواقف اللبنانية والسورية الرافضة للمحكمة الدولية (المختلطة) بأمرين أساسيّين.
الأول، إيثار قيم قروسطية، حيث العدل شأن خاص وحيث القتل والعفو لا يخضعان لقانون بل "لولاية دم" أو لسعة عضلات وكثافة نيران.
والثاني، اعتناق تصوّر تسطيحي هجين للعلاقات مع العالم، لا مكان فيه لغير المكائد والتآمر والكراهية.
في الأمر الأول، يركّز نقاش الرافضين حول فكرة بسيطة مفادها: ثمة قتل جرى، وكل بحث عن المسؤولين عن ملابساته سيؤدّي الى قتل إضافي والى فتنة وربما حروب. لذلك، على المعنيين أن ينسوا الدم والقتلى، وأن يقبلوا "بعدالة السماء" فيطووا الصفحة على "الأرض". وإن رفضوا، عليهم تحمّل تبعات الأمر ومواجهة المزيد من الدماء والحرائق.

Tuesday, September 28, 2010

مذهبية... وتآمر

ليست التناقضات والشعارات الديماغوجية جديدة على المساقات السياسية في لبنان. ولا هي حكر على أطراف دون سواها.
لكن بعض عيّناتها المستجدّة تظهر تفوّقاً واضحاً لحزب الله على خصومه، وتظهر في الوقت عينه مأزق الحزب بين فائض قوّته (وصعوبة تحمّل الصيغة اللبنانية الهشّة لفائض قوة مماثل)، وبين عجزه عن فرض ما يريد من دون تحويل الفائض المذكور من مخزون احتياطي الى ممارسة عنفيّة مباشرة.
ولعل استعراض بعض مقولات حزب الله الأخيرة يبيّن المدى الذي بلغته المبالغات بتناقضاتها وباحتمالاتها.

- فأن يأتي استنكار التعبئة المذهبية (الموجودة فعلاً والخطيرة والمُستنكرة) على ألسنة المنتمين الى حزب هو تعريفاً مذهبي (أي أنه ليس فقط في تكوينه الاجتماعي وفي دوره السياسي داخل النظام القائم على تمثيل الطوائف مذهبياً فحسب، بل أيضاً في مرجعيته الدينية وفي إيديولوجيته وطقوسه وممارساته ومؤسساته وتعبئته وارتباطه الخارجي العضوي)، فالأمر يصبح الى الشكوى من النفس أقرب منه الى أيّ ذمّ آخر.
- وأن يأتي شجب التعامل مع إحدى الرئاسات بوصفها مرجعية مذهبية قبل كونها مؤسسة من مؤسسات الدولة من قِبَل من بارك إقفال مؤسسة ثانية على مدى أشهر طويلة لاعتباره رئاستها وقفاً لتمثيله المذهبي المهدور، فالأمر يصير عبارة عن نقد ذاتي متأخر، ولو أنه يصحّ أيضاً في من ينتقدهم اليوم.
- وأن يُعدّ اجتياح المطار أمنياً وتنظيم مؤتمر صحافي مسلّح لضابط سابق يتهدّد فيه ويتوعّد قضاة ومسؤولين حاليين في الدولة وأجهزتها بأخذ "حقّه منهم بيده"، أن يعدّ ذلك دفاعاً عن الدولة وحماية للقضاء، فالمشهد يمسي ضرباً من ضروب الاستفزاز المقيت (الذي لا يولّد غير المزيد من التشنّج المذهبي والدفع نحو الاحتقان).
- وأن يصير النقاش حول صلاحيات الأجهزة الأمنية واختصاصاتها اتهاماً لأحدها "بالزعرنة" والخروج على القانون ووصفه بالميليشيا من قبل من نفّذ 7 أيار (أو أيّدها) وما تخلّلها من سقوط عشرات الضحايا وتدمير الأملاك الخاصة والعامة ورفع مستوى التوتر الأهلي، ففي الأمر استغفال يبعث على السخرية.

الأنكى أن الردود على كل ذلك تأتي متخبّطة، وتبدو يتيمة بغير أفق سياسي. وبين الاستفزاز والصراخ وفائض القوّة من جهة، والتخبّط ووهم اللجوء الى سقوف إقليمية لحجب "الفتنة" من جهة ثانية، مؤشّر إضافي على التصدّع والتهتّك المحدقين بنا، اللذين لا يحتاجان لا لقرار ظنّي ولا لمؤامرات و"شهود زور" وأفعال ندامة ومهانة ليشعلا حرائق في ديارنا
زياد ماجد

Tuesday, September 7, 2010

تصريف أعمال

ثمة انطباعان تخلّفهما مراقبة الحياة السياسية في لبنان هذه الأيام: إنطباع بسيطرة عقلية "تصريف الأعمال" على الأداء السياسي العام، وانطباع بوجود عجز في التعامل مع الكثير من الملفات والقضايا بانتظار أن تحسم فيها استحقاقات خارجية مرتقبة.
فمن اعتبار الأحداث الأمنية مشادات فردية وأخوية تُعالَج بوساطات محلية وإقليمية وباجتماعات بين ممثّلي أطرافها يُشكرون على "تطويق اشتباكاتهم الرشاشة والصاروخية وإنهاء ذيولها"،
الى التعاطي مع ملف المحكمة الدولية والاغتيالات، شتماً ورفضاً وطلباً لنسيان الجرائم والضحايا والمجرمين، أو تراجعاً عن مواقف ولصقاً لمسؤولية الدفع الى اتخاذها سابقاً "بشهود زور" وبأمزجة متسرّعة،
الى تغييب البحث في الملفات الاقتصادية والمعيشية والخدماتية خارج الحملات والاتهامات والنكايات،

الى تأجيل العمل على ملفات إصلاحية تشمل قوانين الجنسية والانتخاب والإصلاح الإداري واللامركزية التي أُطلقت الوعود في شأنها قبل أشهر،
الى الرقاعة في مقاربة ملف خطير، كملف العمالة لإسرائيل أو التجسّس لصالحها، وترك الشائعات والشائعات المضادة تحوّله من موضوع قيميّ وأمني وسيادي وطني الى مادة تشهير أو توظيف أو ابتزاز سياسي،
من كل ذلك، تطلّ علينا سمات التهرّب من التعامل مع تحدّيات متعاظمة والاتّكال على التفاهمات أو الشقاقات الإقليمية لفرض مقاربات و"علاجات" لها.


وإن كانت بعض المقولات التي تتردّد تبريراً لما ذُكر أو نفياً له تقنع بعض الناس، غير أنها في تركيزها على أن لا شيء يمكن القيام به قبل اتضاح مسلك الأمور في القرار الظني للمحقق الدولي بلمار أو في الملف النووي الإيراني أو في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية أو في تطوّر العلاقات السعودية السورية لا تقنع البعض الآخر، ولا تفعل أكثر من الإقرار بالعجز وتأكيد الهشاشة اللبنانية.
وإذ لا مفاجآت في الأمرين، إلا أن اعتبارهما قدراً لا حول ولا قوة تجاهه يسمح لمن يكرّر التصريح بحاجتنا الدائمة الى ضبط والى وصاية خارجية بتأكيد رأيه. وهذا في ذاته يصيب من مفهومي الحرية والاستقلال مقتلاً، وهو ما خبرناه وعشنا أهواله على مدى عقود. فهل من اشتياق له؟
زياد ماجد

Tuesday, August 31, 2010

دولة ومقاومة وشعب

قد يكون أخطر ما في أحداث برج أبي حيدر والبسطة والنويري، إن كانت "فردية بين أبناء الخندق الواحد" على ما تقول الأسطوانة السمجة أو "أهلية" على ما هو رائج في الشارع المحتقن أو مخابراتية لبعث رسائل حول معاني الفتن واحتمالاتها والحاجة تالياً الى طرف يلجمها ويردع انفلاتها، قد يكون أخطر ما فيها، هو السعي الى لملمتها وإنهاء ذيولها من خلال لجان تنسيق ميداني وأمني تبدو الدولة فيها بأجهزتها على قدم المساواة مع جهازين حزبيّين – مذهبيين.
والأمر هذا يتكرّر منذ فترة ولو مع أطراف يختلف بعضها. وسمعنا به بعد أحداث في عائشة بكار، ثم في نواحي أخرى في غربي العاصمة، ومؤخّراً بعد الاشتباكات الأخيرة.
الخطورة تكمن في أن التنسيق يشرعن أولاً حق أحزاب بامتلاك السلاح وتكوين الأجهزة الأمنية والقتالية، ويبني ثانياً علاقة شراكة بين قوى الدولة النظامية وقوى ميليشياوية، فيُدعى مسؤولون من الأخيرة الى اجتماعات بوصفهم ذوي صلاحيات "أمنية" تتيح لهم المشاركة في إدارة الأمن الوطني وضبط الشارع.

Tuesday, August 10, 2010

حول مؤتمر السيد نصر الله

يمكن القول إن مؤتمر السيد حسن نصر الله يوم الإثنين في 9 آب 2010 كان عبارة عن حملة إعلامية إستباقية موجّهة الى الرأي العام العربي، تماماً كما قال نصر الله نفسه في آخر اللقاء، للدفاع عن صورة "حزب الله"، عبر البوح بمقولة تدغدغ عواطف كثر من العرب وتقع عليهم وقع السحر: "إبحثوا عن إسرائيل، فهي خلف كل الجرائم والمؤامرات، واعرفوا أن اتهامنا من قبل المحقق الدولي (إن تمّ) هو انتقام من مقاومتنا، وهو بوحي من تل أبيب".
على أن إسرائيل، وهي فعلاً مسؤولة عن كمّ هائل من الاغتيالات والمجازر والفظاعات على مدى العقود الماضية، لم تبدُ البارحة (للأسف) مدانةً في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، على الأقل استناداً الى ما تقدّم به السيد نصر الله من أدلّة.

Wednesday, August 4, 2010

2010 1990 1976

تشير تواريخ الأعوام 1976 و1990 و2010 الى مفاصل هامة في علاقة النظام السوري بالشأن اللبناني وتعقيداته.
- ففي العام 1976، اجتاح الجيش السوري لبنان تحت مظلة قوات الردع بغطاء عربي وبموافقة أميركية ورضى إسرائيلي.
رحّبت أحزاب الجبهة اللبنانية بالدخول يومها، كما رحّبت به حركة أمل إضافة الى حزب البعث وتنظيم الصاعقة الفلسطيني وغيرها من القوى المتقاتلة.
في المقابل، تصدّت للاجتياح الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط ومعظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتوهّم اليساران اللبناني والفلسطيني أن الصدام العسكري مع الجيش السوري كفيل بزعزعة النظام في دمشق نفسها وإنزال الهزيمة به.
ومع سيطرة القوات السورية على معظم المناطق اللبنانية ثم مع اغتيال كمال جنبلاط، استُهلّت مرحلة جديدة من الحرب اللبنانية هي مرحلة الانتقال من السياق الأهلي للاقتتال الى السياقات الإقليمية، وهذا ما سيستمر طيلة السنوات الأربع عشرة التالية.

Tuesday, July 27, 2010

محكمة وسِلم ومؤامرات

يُبرِز السجال الدائر حول "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان"، بمعزل عن صحة التسريبات حول توقيت القرار الظني الذي سيصدر عن المدّعي العام ومحتوى هذا القرار ووجهته الإتهامية، ثلاث قضايا يُفيد التوقف عندها لإظهار المدى الذي بلغه التأزّم في الثقافة السياسية السائدة وخطابها
القضية الأولى هي قضية "وضع المحكمة في مواجهة السلم الأهلي"، أي جعل مبدأ تقديم خلاصات التحقيق والاستقصاء والتحليل القانوني الى قضاة ومحامين ولجان اختصاص علمي رديفاً للفوضى والاقتتال. وهذا، في ما يتخطّى الاعتبارات اللبنانية والإقليمية وما فيها من اتّهامات ونظريّات مؤامرات لا تنضب (وسنعود إليها)، يُصيب فلسفة القانون في صميمها. فالأخيرة بُنِيَت تحديداً لإحقاق شكل من أشكال العدالة يمنع الفوضى وعمليات الثأر ويضبط ردود الفعل الغريزية جاعلاً أقواس المحاكم منابر للإدانة والعقاب أو للتبرئة ورفع المظالم. أما وأن يجري تحويلها الى محل للمقايضة والتهديد بالعواقب الوخيمة، فالقضية رسالة خطيرة مفادها تكريس حصانة القتلة، وحجب الحق عن الضحايا باللجوء الى المحاكم، كي لا تُخرب بيوتهم وينهار عمرانهم.

Tuesday, July 20, 2010

لبنان والمعارضون السوريون

ليست القضية مرتبطة حصراً بمأمون الحمصي وعائلته ولا بعدد من المعارضين السوريين المسالِمين المقيمين بقلق وترقّب فوق الأراضي اللبنانية، ولو أن تأمين اللجوء الكريم لهؤلاء وتجديد إقاماتهم واجب سياسي وأخلاقي يرتبط بقيَم حقوقية وبثقافة حرّية ميّزت لبنان لعقود طويلة
القضية أبعد من ذلك.
هي قضية دور بيروت وعلاقتها بالديمقراطية وبحقوق الانسان وبحرّية التعبير في منطقة عربية ضاقت فيها السبل أمام كل من يُعلي صوته نقداً لنظام أو لسلطة أو مساءلةً لنصوص وخطابات يُراد لها أن تكون "مقدّسة"، وأن تُقيم خطوط التماس الحُمر بين ما يمكن البوح به وما يجب قمعه أو مراقبته ذاتياً ثم بوليسياً.

Sunday, July 11, 2010

كأس العالم 2010: إسبانيا على عرش الكرة - ملاحظات حول البطولة وأبرز منتخباتها

إنتهى "المونديال" بنسخته الجنوب أفريقية، وتوّجت إسبانيا على عرش الرياضة الشعبية الأولى في العالم، وكوفئ جيل من لاعبيها الموهوبين والمتجانسين بثاني كأس خلال عامين بعد أن كانوا قد حصدوا لقب بطولة أوروبا عام 2008.
في الفقرات التالية، قراءة في بعض مفارقات المونديال وأداء أبرز الفرق فيه، وملاحظات سريعة على هامش مجرياته.


Tuesday, July 6, 2010

مراجعة لكتاب "الإصلاح الديني ومصائره في المجتمعات العربية" الصادر في الذكرى المئوية لرحيل الكواكبي

يجمع هذا الكتاب الصادر عن قسم الدراسات العربية في "المعهد الفرنسي للشرق الاوسط" أوراق العمل المقدمة في الندوة المنعقدة بمناسبة الذكرى المئوية لرحيل الإمام عبد الرحمن الكواكبي، صاحب "طبائع الاستبداد".

وينقسم الكتاب الذي قدم له وأشرف عليه الصديقان ماهر الشريف وسلام الكواكبي، الى جزأين:
- الأول بالعربية ويضم: "الثورة الفكرية الكواكبية: مبرراتها ومرتكزاتها" لعلي حمية، و"أبعاد الإصلاح الديني عند الكواكبي" لمحمد جمال طحان، و"مفهوم المتمجد في طبائع الاستبداد" لأحمد البرقاوي، و"التضاد والتركيب في فكر الكواكبي" ليوسف سلامة، و"وجهات نظر في العلمانية المؤمنة" للسيد محمد حسن الأمين، و"إشكالية تأويل القرآن قديماً وحديثاً" لنصر حامد أبو زيد، و"الفصل بين السياسة والشريعة في الخطاب الاسلامي المعاصر: الاصول والوظائف والمصائر" لمحمد جمال باروت، و"النظرية السياسية للتيارات الشيعية الراديكالية في القرن العشرين" لفالح عبد الجبار، و"محمد حسين النائيني (1277-1355 هـ/ 1860-1936 م) أول من نظّر للحكم الدستوري تنظيراً فقهياً في الاسلام" للشيخ جعفر المهاجر، و"أسباب فشل خطاب الاصلاح الديني" لأحمد موصلي، و"هل كان هناك إصلاح ديني إسلامي؟!" لمحمد كامل الخطيب، و"من إشكالية التوفيقية الى شروط النهضة" لأحمد الأمين، و" الشريعة بين القراءات السلفية-التقليدية ومحاولات التجديد" لمحمد شريف الدجاني، و"سدنة هياكل الوهم، بحث في الخطاب الديني للعقل الفقهي المشيخي (محمد رمضان البوطي مثالاً)" لعبد الرزاق عيد، و"من عمرو دياب الى عمرو خالد: الورع والثراء والشباب المصري" لآصف بيات، و"من غروب الاصلاح الديني الى تجديد الفكر الإسلامي" لماهر الشريف.

Tuesday, June 29, 2010

عنصرية

ثمة قضايا في لبنان تشي بقباحات لا يمكن وصفها أو تحليل مباعثها من دون مساءلة طبيعتها العنصرية.
- من هذه القضايا قضية حجب الحقوق المدنية والاجتماعية عن اللاجئين الفلسطينيين وعزل مخيّماتهم والتحجّج ببعض الجماعات المسلّحة فيها وفي قواعد خارجها بهدف التحريض ضدّهم، مع العلم أن هذه الجماعات غالباً ما تأسّست وترعرعت في أحضان مخابراتية لا علاقة للفلسطينيين أنفسهم بها، أو هي ظواهر تعبّر عن عمق التأزم السياسي والثقافي والاقتصادي في بعض أوساطهم. وهو تأزّم ليس خاصاً بهم ولا هو حالة معزولة عن تأزمات شبيهة في المجتمع اللبناني وفي المجتمعات العربية.

Tuesday, June 22, 2010

نوستالجيا

ثمة حنين في الكثير من الأوساط الثقافية العربية اليوم لأربعينيات القرن الماضي، أي للمرحلة التي تلت الاستقلالات الوطنية وسبقت بداية الانقلابات العسكرية.
فالمرحلة تلك عرفت أنظمة ذات نخب مدينية حملت بعض الانفتاح في مجال الحريات العامة والخاصة وبعض الاهتمام بعلوم الإدارة والديبلوماسية والاقتصاد وغيرها من مستلزمات بناء الدول وتدبّر شؤونها، ولو أنها صدّت باب الارتقاء الاجتماعي وضيّقت هوامش المشاركة السياسية من دون أن تلغيها أو أن تعتمد العنف السافر وسيلة لمنع تطورّها وارتقائها.
والأنظمة هذه كانت على الأرجح قابلة للإصلاح، ببطء، لو لم تُطح بها الانقلابات الحاملة نخباً تستظل بشعارات العدالة والحرية (ثم بشعار تحرير فلسطين) لتأجيل البحث في كل تحديث وتغيير داخلي ولقمع التعبير عن كل مساءلة أو معارضة، مكرّسة مسلك استبداد واحتكار نفوذ وإعمال قتل على نحو استثار ردوداً تبحث عن قتل مضاد أو عن استقالة تامة من "السياسة" وابتعاد عن كل مستلزماتها.

وإن كان لبنان قد اختلف عن محيطه في تلك السنوات لجهة تجنّبه الانقلابات وحالات الطوارئ وأنظمة السجن السياسي، إلا أن حروبه الأهلية اللاحقة المعطوفة على الصراعات الإقليمية عبره فعلت فعلها لجهة تهشيمه وتمكين نخب جديدة من البروز فيه، هي بدورها تدفع كثراً اليوم الى الترحّم على من سبقوها وسبقوا الحروب والصراعات التي أنتجتها
بهذا، يسهل تبرير التحسّر على حقبة اغتيلت قبل أن يُسمح لها بالتطور والتبدّل، ويمكن تبرير النوستالجيا الى مرحلة بدت مفتوحة على كثرة من الاحتمالات قبل أن تأتيها قوانين الطوارئ وهتافات التعظيم والتخوين أو نيران الحروب لتنهيها وتدخلها وقسماً من أبنائها في غياهب السجون والنسيان... والحنين.
زياد ماجد

Tuesday, June 15, 2010

أخيراً... المونديال

إنطلق كأس العالم لكرة القدم منذ أيام، لتصبح مبارياته حديثاً يتقدّم السياسة والسياسيين ويهمّش الاصطفافات التقليدية محوّلاً إياها الى اصطفافات حول كرات وشباك ولاعبين.
إنطلق المونديال ليحرّرنا من رتابة وليعيد تحريك النبض إثارة وحماساً مع هدف هنا وتمريرة جميلة هناك.
وانطلق كأس العالم ليجعل ملياراً من البشر أو أكثر متشابهين في انفعالاتهم، ولو للحظات، بمعزل عن عروقهم وأديانهم وطبقاتهم ومصائب بعضهم أو أفراح بعضهم الآخر. يُطربون معاً للعبة ساحرة أو لاهتزاز شباك، ويتحسّرون سوياً لإهدار فرصة أو ارتكاب خطأ ويتأفّفون جماعةً من حكم أو من مدرّب، فتنضبط أوتارهم الصوتية في أداء "كوراليّ" منسّق وتتحرّك أكتافهم وأذرعتهم برشاقة صعوداً أو هبوطاً أو تلويحاً أو أسفاً.

هي لوحة شعبية ترسمها كرة القدم كل أربع سنوات، ذوّاقوها هم صانعو ألوانها، وهم أنفسهم "أصحابها". لوحة تزداد تألّقاً حين تتراقص على أنغام حبّ لدوران كرتها، ويُغنيها أن تُنسج في بلاد هي خبزها الثاني. وإذ تقام هذا العام في جنوب أفريقيا، بلاد القضاء على "الأبارتيد" وبلاد التحدّيات والآمال العريضة، فهي تكتسب أبعاداً جديدة إذ تحوّل المدرّجات التي كانت على مدى عقود ممنوعةً عن أكثر أهل البلاد الى ملتقى للأقوام والأعراق والى مكان لتكريس انتهاء كل فصل وكل تمييز
... شهر إذن من الفرح والخيبات الجميلة سيمرّ علينا سريعاً. شهر من الطقوس أمام الشاشات أو في الملاعب سيعطي الناس استراحة من أمور كثيرة. لن تعكّره لا سماجة "الفوفوزيلا" (أو الزمامير المصدرة أصوات الفيلة) المغطّية أحياناً على أصوات الجمهور وآهاته، ولا بُعد المتفرجين النسبي عن أرض الملاعب وعن جماليات تشابك أياديهم بأيادي اللاعبين.
المهمّ أن نعيش المونديال حتى آخره بمتعة وشغف وشماتة وغيرة وقلق، وأن نخاطب اللاعبين وكأنهم أصدقاء نمون عليهم ونوجّههم، نفرح لفرحهم ونغضب لغضبهم ونحزن لحزنهم.
والأهمّ، أن نُبقي على هذا الرابط البديع الذي يتسبّب بابتسامة صباحية عند سماع تعليق في الشارع يعيد عبره مجهول تركيب مَشاهد الأمس كما رآها أو كما تمنّى رؤيتها، فنجيبه بإيماءة الموافِق أو بكلمة ترطّب خاطره وتتمنى له ولنا ظفراً قادماً...
كل مونديال وأنتم بخير.
زياد ماجد

Friday, June 11, 2010

حقاً كيف أضعتَه يا فواز؟


كتب فواز طرابلسي في ملحق السفير الثقافي في 4 حزيران 2010 مقالاً عنوانه: سمير قصير... كيف أضعتُك؟

والمقال، الى استذكاره حميميّات بين صديقين (أو بين "أب وابنه" على ما يورد الكاتب)، يخوض في قضايا سياسية ويسرد "وقائع" أقلّ ما يقال فيها افتقادها للدّقة وإسقاطها للأساسيات.
وإذ أسمح لنفسي بالردّ لتوضيح بعض الأمور، فلأنني كشاهد عليها وشريك فيها أخالف فوازاً في الكثير من مجرياتها وآسف فعلاً لتحويره بعض مساقاتها.

في قتل سمير
هو لأمر مستغرب أن يخلو نصّ فوّاز من أي إشارة الى كون سمير قد أُعدم في سياق معركة سياسية واضحة المعالم كان الرجل أبرز كاتب وناشط سياسي فيها، وأن إضاعته التي يناجيها كانت نتيجة اغتيال وحشي افتتح مرحلة رعب وقتل في بيروت أطفأت ربيعها القصير الذي كرّس سمير له وقته وجهده وعقله.
وخلوّ النص من كل إشارة الى الجريمة ليس تفصيلاً إن عُطِف على إدانة فواز في النص نفسه للذين اختصروا بحسبه سميراً بكتاباته الأخيرة. ولا أدري إن كان في ذلك إدانة منه أيضاً لمن يبنون اتّهامهم السياسي للقاتل على أساس مضمون الكتابات هذه، خاصة وأن التذكير بكتابات سابقة (عن اليسار والمقاومة الوطنية والقضية الفلسطينية وهجاء الحريرية) يأتي وضعاً لها في مواجهة لاحقاتها، وحُكماً من فواز بأن من لا يذكرها إنما "يزوّر" سميراً، ويُعيد تركيب مواقفه لتوظيفها. وفي حكمه هذا العجب، وهو ما سأتوقف عنده تالياً.


في اختلاق التناقضات
يقول فواز إن من يسمّيهم "ورثة الزور" و"شهود الزور" (!) وضعوا "انتماء سمير الفلسطيني النضالي في مواجهة انتمائه السوري"، وإنهم اختزلوا كتابات الراحل بالمقالات التي كتبها في "سنواته الأخيرة القليلة".
لن أناقش في عبارتي "ورثة الزور" و"شهود الزور" ولا في من هم المقصودون بهما (عائلته؟ المؤسسة الحاملة اسمه؟ بعض أصدقائه ممّن بقوا أيضاً رفاقه في السياسة؟ الطلاب والشباب الموزّعين صوره وكلماته؟ أم سواهم ممّن لم يسمّهم؟) ولا أعتقد أصلاً أنه يليق بفواز أن يستخدم تعابير مشابهة لهما بإطلاق مبهم وبغير توضيح. لكنني سأتوقّف عند مسألة الهويتين الفلسطينية والسورية، وعند ما يسمّيه فواز بكتابات السنوات الأخيرة.
فاستنكاره وضع انتماء سمير الفلسطيني في مواجهة انتمائه السوري استنكار مُستنكَر ليس لبلادة الفكرة وضبابيتها فحسب (فعن أي انتماء سوري يتحدّث فواز؟ عن الانتماء الى سوريا ديمقراطية محرّرة من الاستبداد كما كتب عنها سمير، أم الى سوريا النظام والعسس؟)، بل لكونها نقيض مواقف سمير ذاته. فمعارضة الأخير للنظام السوري تنطلق أولاً من فلسطينيته (أو من "عرفاتيّته" كما يقول "الممانعون") ثم من لبنانيّته. ووضع انتمائه الفلسطيني في مواجهة "النظام السوري" هو ما يجمعه بالمئات من جيل فواز في الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية اللتين يشير إليهما في نصّه! أكثر من ذلك، فإن انتماء سمير السوري دفعه الى مواقفه الاستقلالية اللبنانية. ألم يكن يردّد – عن خطأ أو عن صواب - أن خروج النظام السوري من لبنان سيخرجه من سوريا؟ فأين التزوير في ذلك؟ ومن هو المزوّر؟
أما اعتبار فواز أن كتابات سمير في "النهار" (من العام 1994 وحتى العام 2005) وفيها ما يقارب ال500 مقالة هي "كتابات سنواته الأخيرة القليلة" فهو طريف ومحزن في آن. طريف لأن هذه المقالات وتلك السنوات تفوق المرحلة الباريسية التي يسهب فواز في ذكرها، والقول إن التركيز عليها طمس لما سبقها في "مجلة الدراسات الفلسطينية" و"الموند ديبلوماتيك" أو رافقها في "اللوريان أكسبرس" محزن لأن المرء يحار كيف يبرّره فواز. فهل كان سمير في كتاباته السابقة (ومنها ما نُشر في "اليوم السابع" الفلسطينية أيضاً، ومنها أطروحته الجامعية عن "حرب لبنان") مختلفاً في ما خصّ النظام السوري والموقف منه عمّا كتب لاحقاً وعلى مدى 11 عاماً في بيروت؟ وهل نقد الحريرية اقتصادياً وثقافياً يتناقض مع الاستقلال اللبناني (والسوري!) عن حكم المخابرات؟
عجيب فعلاً كل هذا البحث عن تناقضات وهمية يعدّها فواز مدخلاً لاستعادة سمير من "مصادريه" ومزوّريه، أو ربما مخرجاً له هو من أمور كثيرة!



في "عروض" اليسار الديمقراطي وطائفيّته
يفتعل فواز في مقاله نقاشاً مع اليسار الديمقراطي خالطاً فيه السنوات والمواقف. وإن كنت غير مهتم بالدفاع عن أدبيات اليسار الديمقراطي وبياناته "الرسمية" وعن مسار التنظيم بعد العام 2006 وآرائي منه مكتوبة، وانسحابي من قيادته ثم استقالتي من عضويته معروفتان، إلا إنني معنيّ بتوضيح أمور سبقت تأسيسه ورافقته، وكان لي إسهامات فيها (أعتزّ بها تماماً كما أعتز بمشاركة اليسار في "انتفاضة الاستقلال" في شباط وآذار عام 2005).
يتحدّث فواز عن مرحلة تأسيس حركة اليسار والعروض له بالانضمام الى قيادتها ويتحدّث عن الخلافات مع سمير وكأنها وليدة لحظة التأسيس تلك. وهو في ذلك ينسى أن افتراقه السياسي عن سمير وعن آخرين جرى قبل ذلك بسنوات، وتحديداً عام 1998، حين دافع هو عن خطاب القسم للرئيس إميل لحود ورأى فيه وعداً إصلاحياً ينبغي إتاحة الفرصة له كي تُعرف صدقيّته وجدّيته، في وقت عارضه سمير وساجل ضده وضدّ تعديل الدستور وضد صعود المكوّن العسكري والأمني في السلطة اللبنانية. وينسى فواز أيضاً أن هذا الافتراق تكرّس عام 2000 حين شارك سمير (والياس خوري وكاتب هذه السطور) في تأسيس "المنبر الديمقراطي"، في وقت كان هو – فواز – يؤسّس مع نجاح واكيم والحزب الشيوعي وعدد من القوى السياسية "التجمع الوطني للإنقاذ". وإن كان الافتراق المكرّس لم يحل دون الالتقاء على موقف مشترك خلال الحرب في العراق عام 2003 (تمايز فيه فوازّ عن "التجمع")، إلا أن العمل لتأسيس اليسار الديمقراطي عام 2004 أنهى الالتقاء من جديد نتيجة موقف فواز النقدي من هذا العمل. أما كيف أتته العروض بالانضمام الى قيادة الحركة الناشئة (والتواصل معه ودعوته كانا بالفعل يُتداولان في أكثر الاجتماعات التحضيرية بوصفهما ضرورة) ففي الأمر التباسات غير مهمة في التواريخ والأشخاص، ولكنها في أي حال لم تكن على علاقة بتآمر على مناصب وإبعاد لأحد عنها. فما يسمّيه بالقيادة وقتها كان يمكنها الاتساع بسهولة له وللشباب الجامعي الذين يدّعي أن قبوله بالانضمام كان لِيبعدهم...
أما قوله إن مؤسسي اليسار الديمقراطي اختصروا الاستقلال اللبناني بالعداء لسوريا، وإنهم ليبراليون اقتصادياً يغازلون الطائفية، ففيه تسطيح لا علاقة له بالوثيقة التأسيسية لليسار وقد يكون نتيجة نقاشات خاضها مع بضعة أشخاص قبل سنوات من التأسيس أو بعده وأراد تعميمها على العشرات (والمئات) غيرهم ممّن يعرفهم أو لا يعرفهم.


في التهمة الإسرائيلية؟
لا أعتقد أنه كان يجدر بفواز طرابلسي أن يختم مقاله بإقحام إسرائيل في خلافه مع "ورثة سمير قصير"، وأن يلاقي بذلك ماكينة التخوين والاتهامات (والدعاوى) المُساقة بحق المؤسسة الحاملة اسم فقيده. فما معنى القول بافتقاده سميراً حين أدرجت "مؤسسة سمير قصير" إسرائيل ضمن الدول المشاركة في "مسابقة سمير قصير لحرية الصحافة"؟ ألا يعرف فواز أن الجائزة يقدّمها الاتحاد الأوروبي وليس المؤسسة؟ وألا يعرف الأكاديمي المرموق، الزائر جامعات أميركية وألمانية فيها إسرائيليون أو مناصرون لإسرائيل – كما في معظم جامعات الغرب ومراكزه البحثية – أن الاتحاد الأوروبي يعترف بوجود دولة اسمها إسرائيل في حوض البحر المتوسّط وأن برلمانه في ستراسبورغ الذي أقرّ الجائزة وموازنتها يورد إسرائيل ضمن الدول المتوسطية (وذلك بداهة أوروبية) من دون أي مؤدّيات على الجائزة نفسها ومقرّها بيروت ومرجعها لجنة التحكيم الملتزمة بالقوانين اللبنانية في ما خصّ رفض التعامل مع الاسرائيليين؟ وهل برأيه أن "ورثة الزور" في مؤسسة سمير يستسهلون إضاعة فقيدهم "إسرائيلياً"؟...


فعلاً أضاع فواز سميراً. وفعلاً أضاع قارئ نصّه فرصة الوقوف على ما كان يمكن لمثقف وسياسي من مستوى فواز أن يكتبه في ذكرى اغتيال صديقه قبل خمس سنوات في بيروت، بعيداً عن الاتهامات والادّعاءات وتصفية الحسابات غير الموفّقة...
زياد ماجد

Tuesday, June 8, 2010

التزوير والتخوين: الحملة على مؤسسة سمير قصير نموذجاً

ظهرت في الذكرى الخامسة لاغتيال سمير قصير مجموعة حملات وكتابات يشي معظمها بأمرين:
الأول، تصفية حسابات يريد من خلالها البعض نقل ما يعتبرونه انتصارهم السياسي في لبنان (التالي لانتصار ميليشياوي دموي) الى الحقل الثقافي إنطلاقاً من "أخلاقيّات" يدّعونها ويمارسون باسمها حملات تخوين وتصنيف لخصومهم.
والثاني، تصفية حسابات شخصية تتكئ في ما تتكئ إليه الى تغيير وقائع وتجنّب أخرى، وفي الحالين الى تزوير موصوف.
المقال التالي هو ردّ أوّلي على بعض هذه الحملات والكتابات.

في "تهمة التطبيع"
توّجت الآنسة يارا الحركة حملة اتهامات لمؤسسة سمير قصير بدعوى قضائية تقدّمت بها ضد المؤسسة بتهمة التطبيع مع إسرائيل. وكان سبق الحملة والدعوى بأشهر، إشارات أطلقتها بعض المحطات التلفزيونية حول المسألة عينها.
على أن الدعوى كما الحملة، وفيما يتخطّى الآنسة الحركة ويتعدّى نواياها "الثورية"، تحمل مزيجاً من الجهل والنفاق.
فجائزة سمير قصير لحرية الصحافة هي جائزة أقرّها البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ عام 2005 وموّلها كجائزة متوسطية، ولا يمكن لأجلها تعديل الخريطة السياسية المعتمدة أوروبياً (ودولياً) لحوض البحر المتوسّط، والمُعتَرف فيها بإسرائيل كدولة. أما حصانة الجائزة تجاه المشاركة الاسرائيلية – ومن ضمنها مشاركة فلسطينيي ال48 !- فقائمة في وجود مقرّها في بيروت حيث القوانين تمنع كل تواصل مع إسرائيل، وحيث إدارة الجائزة تعي حساسية الموضوع وخطورته ولا يمكن أن تتركه نهباً للصدف والافتراضات واحتمالات تدخّل الاسرائيليين.
والأهم من ذلك، أن مقاربة التطبيع على هذا النحو التبسيطي تتيح التساؤل عن أسباب تجنّب الدعاوى على مجمل المؤسسات الدولية وهيئات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ومراكز البحث السياسي والتربوي العالمية وجلّها تعترف بإسرائيل ولها مقار وبعثات وبرامج فيها، وبعضها يتبع لدوائر وموازنات هي نفسها التي تدير مقار وبعثات وبرامج الهيئات والمؤسسات والمراكز المذكورة في لبنان (دوائر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، والتي لا يقصّر معظم "أعداء التطبيع" في طلب المعونات منها والاستفادة من هباتها وشراكتها ودعمها للمشاريع في أكثر من مجال وموضع.
وبمعزل عن كل ما ذُكر، وخلافاً لما يردّده أهل الحملة ورافعو لوائها ودعواها، فإن مؤسسة سمير قصير ليست شريكة في الجائزة ولا هي مسؤولة عنها وعن شروطها، بل هي تتعاون مع بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان بصفتها المعنوية، ويمكنها في أي لحظة ترك الجائزة وتوزيعها محصورَين بالأوروبيين المشكورين على تذكّر سمير وحرّيته وشجاعته وشهادته سنوياً، في وقت يريد "ممانعون" تشويه ذكراه بادّعاءات زور وافتعال بطولات وهمية...

أبعد من الحملة
يمكن قول الكثير في هذا الباب "التطبيعي"، مع انطلاق ما يشبه "الماكارثية" لبنانياً، التي لم توفّر كتباً وترجمات وأفراداً، حتى وصل الأمر بأحد "غاضبيها" حدّ كيل الاتهامات لأشخاص التصقت أسماؤهم بدعم القضية الفلسطينية (مثل نوام تشومسكي وجيلبرت أشقر) بسبب كتابات أو مقابلات أجروها مع الإعلام الاسرائيلي للردّ على دعاياته.

ويمكن أيضاً التوقّف عند سبب عنونة مقال يُفترض أنه تغطية لندوة السيد نجيب سويروس حول أدوار عمالقة الاقتصاد العرب في منطقتهم - مقال السيدة صباح أيوب في "الأخبار" وعنوانه: "سويروس في ضيافة جيزيل خوري: أهلاً بالتطبيع؟" - في حين أن المقال يُغفل تناول الفقرة الوحيدة في الندوة التي تطرّقت جدياً لمسألة التطبيع، حين أشار المنتدي الى تصدّي "الممانعين" له واتّهامهم إياه بالتطبيع بعد أن طلب من إحدى لجان جامعة الدول العربية شراء أراضي الفلسطينيين المعروضة للبيع في القدس الشرقية ليقطع الطريق على الاسرائيليين وعلى المستثمرين الداعمين لهم الراغبين في شرائها! هذا علماً أن ندوة السيد سويروس كانت على قدر عال من التسطيح الفكري والخفّة السياسية، ولم يكن فيها في أي حال ما يبرّر مهنياً أو حتى لغوياً ال"أهلاً بالتطبيع" عنواناً لتغطيتها.


... إنه التطبيع إذن، تهمة تخوين جديدة جاهزة للإسقاط على من كان الاتهام سابقاً يطالهم بالانتماء الى محور "سعودي" (أو أميركي). فإذا بالسعودية تُصالح النظام السوري، ليبطل مع مصالحتهما الاتهام وتنتفي الشتيمة إن استُخدم.
إنه التطبيع رُهاباً، وقد آن الأوان بمعزل عن الرقاعة والابتزاز السائدين للبحث جدياً في ما يعنيه اليوم وفي مستوياته ونظمه وأثر كل منها على لبنان وفلسطين، وعلى حياتنا الثقافية...
زياد ماجد

Tuesday, June 1, 2010

ذكرى اغتيال

من قتل سمير قصير؟
سؤالٌ طرحته حملة قام بها منذ فترة عدد من أصدقاء سمير ومحبيه بهدف التذكير بأن سميراً لم يمت ذات صباح في 2 حزيران 2005 لأن بليّة أصابته أو لأن داء صرعه.
من قتل سمير قصير، سؤال يستحق أن نتوقف عنده اليوم، ليس للتذكير بمن هو سمير فحسب، بفكره الديمقراطي أولاً، اليساري والعلماني ثانياً، بحريته التي لم يساوم عليها ولم يقبل بتدجينها، بلبنانيته المتصالحة مع فلسطينيته، بمتوسطّيته المنفتحة على الحداثة والتنوير وعلى قيم "الجمهورية" الفرنسية، ببيروتيته عاصمة للقلق والصخب والإبداع والثقافة في منطقة عربية أنهكها الاستبداد والقمع وخنقتها الظلامية وفتاوى الانحطاط.
من قتل سمير قصير، سؤال للتذكير بأن ثمة قتلة طليقون يعيشون بيننا، اغتالوا سميراً لسببين:
أولهما، ثأرهم من قلمه، من شجاعة أسئلته ورفضه الاستسلام للبديهيات البليدة، من مواقفه السياسية اللبنانية الاستقلالية، والسورية الديمقراطية، والفلسطينية التحررية والعقلانية.
وثانيهما، تأكيد كرههم للمثقفين الذين يحافظون على الرصانة الثقافية مُعملين أدواتهم المعرفية تشريحاً للواقع وتظهيراً لبواطنه، ثم يبنون على ذلك مواقف وانحيازات الى قضايا، يوظّفون في سبيلها طاقاتهم ورأس مالهم المعنوي لتغيير الأمور ومقارعة السائد البائس.

بهذا المعنى، فاغتيال سمير كان رسالةً نَسجت من الماضي، ماضي الرجل، والحاضر، حاضر التزامه وإنتاجه ونشاطه، موتاً لتقول إن لا أفقاً لمن يجهد ويعمل ويبدع، وأن لا مستقبلاً لمن يريد التصدي للعسس القابضين على هذه المنطقة، المنزلين إياها الى عتمة أقبيتهم وعفن سجونهم
وبهذا المعنى أيضاً، فالتذكير ضروري كل يوم، بأن اغتيالاً وقع في بيروت، وبأن الأصابع التي وقّعت حكمه، وتلك التي نفّذته ضاغطة على زر حقد، تماماً كما تلك التي سطّرت بعد وقوعه أخباراً وإشاعات للتضليل، ما زالت تبحث عن حكم جديد وعن زر جديد وعن تزوير جديد. ووحده تكبيلها، وحده سوقها الى المحاكمة، ينهي توثّبها لإهراق الدم وإصرارها على إعدام الجهود وخنق المشاريع والأحلام.
من قتل سمير قصير، سؤالٌ سيستمر طرحه لمنع النسيان من التهام جريمة ومجرمين، وتأكيدٌ أن لا مساومة على نبل راحل ولا سماح، وتمسّكٌ بفلسفة العدالة ومقتضياتها، ولو حلّت بعد حين...
زياد ماجد

Tuesday, May 25, 2010

عيد الفرصة الضائعة

لعلّ التسمية الأدقّ التي يمكن أن تُطلق على عيد التحرير، بعد عشر سنوات على اندحار الاحتلال الاسرائيلي عن جنوب لبنان، هي عيد الفرصة الضائعة.

فتحرير الأرض الجنوبية لم يحرّر لبنان من أسره الإقليمي ومن إرادة إبقائه ساحة تبادل رسائل.
وهو لم يُطلق مساراً سياسياً يصالح التحرّر من إسرائيل يومها بإرادة الاستقلال من هيمنة النظام السوري الذي تذرّع بالاحتلال لانتهاك اتفاق الطائف وإبقاء قواته ومخابراته فوق الأراضي اللبنانية.
كما أنه لم يجعل بناء الدولة هاجساً والانخراط فيها ميدان عمل جديد لحزب الله، صاحب الفضل الأكبر في الإنجاز التحريري.

على العكس من كل ذلك، تحوّل لبنان بعد التحرير، من خلال مزارع شبعا، الى منطقة التماس الأبرز في المعادلات الإقليمية.
ووُضع إنجاز التحرير فيه مقابل التوق الى الاستقلال وكأنهما متنافِرين أو حتى متصادِمين.
وبدا بناء الدولة شأناً لا يعني المساهمين في تحرير الأرض، المستمرّين ببناء دولة خاصة الى جانب – وعلى حساب - الدولة اللبنانية.


... بهذا، مرّت السنوات والإنجازات والإخفاقات والحروب، وتناثر الخطاب السياسي يمنة ويساراً وكأن لا تحرير تمّ ولا دولة وجُب أن تقوم لتصونه وتحميه.
وبهذا أيضاً، ما زالت تتردّد في لبنان اليوم عبارات من نوع "شيّدوا دولة قوية تستلموا سلاحنا"، وكأن التشييد ممكن في ظل سلاح يُملي عليه شروطه وحدوده وأولويّاته الخارجية.

النتيجة أننا نحتفل اليوم بعيد التحرير للمرة العاشرة، وأعيننا شاخصة نحو طهران (ودمشق) وواشنطن وتل أبيب وغيرها من العواصم ننتظر تسوية أو هولاً ولا حول لنا ولا قوة... ولا تحرير.

زياد ماجد

Tuesday, May 18, 2010

هل اللبنانيات مواطنات؟

لا تبدو الإجابة عن سؤال العنوان بديهية
فشروط المواطنية غير مُستكمَلة في حالة اللبنانيات، وهنّ أكثر بقليل من نصف أهل البلد، رغم كل التقدّم الحاصل على صعد التعليم والالتحاق المهني والحريات العامة والخاصة،
ليس لأن نسبة النساء في البرلمان اللبناني هي حوالي 3 في المئة (4 من أصل 128 نائباً)،
وليس لأنها 6,6 في المئة في الحكومة (2 من أصل 30 وزيراً)،
وليس لأنها لا تتجاوز ال10 في المئة في المجالس البلدية والاختيارية، وفي المناصب العليا في الإدارات العامة،
وليس حتى لأن ثمة تمييزاً بحق النساء في قوانين العمل والتعويضات الاجتماعية والصحية والعقوبات،
ولا لأن قوانين الأحوال الشخصية الخمسة عشرة المعتمدة تتماثل جميعها في إجحافهن وفي عدم مساواتهن "بالأزواج والأخوة"،
وليس لأن كثراً منهنّ غير مستقلاّت مالياً وبالتالي قدرةً على الحركة الحرّة والعيش الفردي الكريم،
ولا لأن ثمة عنفاً جسدياً ومعنوياً يُمارس على بعضهنّ في عدد من المواضع في المجتمع اللبناني...

فكل هذه القضايا الجسيمة ليست في ذاتها السبب في عدم اكتمال شروط المواطنية عند اللبنانيات، ولو أنها تساهم في إيجاد أرضية تشريعية وسياسية واجتماعية تجعل تهميشهنّ ممكناً، وظلمهنّ مباحاً ولا مواطنيّتهنّ قائمة
السبب الأهم في عدم اكتمال مواطنية اللبنانيات يكمن في رفض القانون اللبناني منحهنّ الحق في نقل جنسيّتهن اللبنانية الى من تتزوّجن وتلدن، ورفضه الاعتراف بمساواتهن والرجال انتماءً الى بلدهم. فأبناء اللبنانية المتزوّجة من أجنبي أجانب. وهم يحتاجون كما آباؤهم الى تأشيرات دخول الى "وطن" والدتهم، أو الى أذن إقامة للعيش الى جانبها. ويمكن لطلباتهم أن تُردّ، ويمكن أن يُسجنوا ويُرحّلوا إن ظلّوا في لبنان وإن رفضت الدوائر المعنية في الدولة اللبنانية تجديد تأشيراتهم وإقاماتهم.
ولعل الحالات التي تتناقلها الصحافة هذه الأيام حول اعتصام لبنانيات أمام سجون بائسة ومكتظّة بالموقوفين (وجزء كبير منهم لم تصدر بحقهم أحكام بعد، وهذا شأن آخر) للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن الأجانب المسجونين لانقضاء المهل الزمنية "لإقاماتهم الشرعية" في لبنان، وتلك التي تتحدّث عن بقاء أطفال في بلاد آبائهم لتعذّر استحصال أمّهاتهم على تأشيرات دخول لهم الى لبنان، أو تلك التي تشير الى نضال أمّ توفّي زوجها الأجنبي للاستحصال على جنسية لأولادها، لعل هذه الحالات، تظهر أن ما ذكرناه ليس افتراضات أو تداعيات محتملة لواقع قانوني معيّن، بل هي وقائع يعيشها أناس مقيمون في بلدهم الذي لا يعترف بحقّهم في الانتساب إليه...


بهذا، تبقى قضية المرأة في لبنان ومواطنيتها من أهم القضايا. ولا يغيّر في أهمّيتها وأولويّتها لا الكلام حول الصواريخ والحروب، ولا حول البلديات ومنازلاتها. فهذه وتلك على خطورتها لا تلغي حقيقة أن أغلب اللبنانيين ومشرّعيهم اليوم، وبمعزل عن مشاكل البلاد التي لا طاقة لهم على حلّها، ما زالوا غائبين عن الكثير من مسؤولياتهم وحقوقهم وواجباتهم تجاه قضايا يمكن لهم التصدّي لها. وينبغي على الدوام إقلاقهم وتذكيرهم بها، لأن بمقدورهم المبادرة الى التصرّف حيالها...
زياد ماجد

Tuesday, May 11, 2010

نووي... ومخاتير

ثمة مفارقات سياسية في لبنان يصعب تخيّل وجودها في بلدان كثيرة غيره.
فأن ينتقل الناس في غضون ساعات من هاجس متابعة مجريات الأزمة النووية الإيرانية وتعقيداتها الإقليمية والدولية وانعكاساتها اللبنانية والسورية والعراقية والفلسطينية (والصينية أحياناً) الى الهوس بنتائج انتخابات المخاتير في أحياء الأشرفية وزحلة وجب جنين وبعلبك (وقبلها جبيل ودير القمر والحدث..)، فالأمر مدعاة تفكّر في قدرة تكيّفهم العالية وسرعة "الركلجة" الجماعية عاطفياً وذهنياً عندهم.
وإذا أضفنا الى ذلك، تفنّنهم في التعليق على المجريات والنتائج وتقليب السيناريوهات وتبنّي النظريّات وتنقيح المعلومات والأرقام ودمجها بالتمنيات وتقديم المسائل جميعها وكأن كل راوٍ وصحبه شركاء في صنعها – إن في البيت الأبيض أو في مجلس الأمن أو في أروقة الحرس الثوري أو في مطابخ المخترة وعمادة العائلات – تصبح المفارفات استثناء وطنياً لا شراكة مع أحد خارج الحدود فيه!
ويمكن بالطبع تفسير ذلك جزئياً وردّه الى مجموعة مسبّبات. منها صغر حجم البلد ووجود أكثر من ثلثي سكانه في 6 أو 7 مدن كبرى مع استمرار ارتباط معظمهم بقراهم الأصلية وأماكن قيدهم وانتخابهم. ومنها حدّة الانقسامات فيه وعاموديّتها التي تهمّش الطبقات ومستويات التحصيل العلمي خالقةً تواصلاً طوائفياً يذيب أكثر الحدود. ومنها فائض حيوية شعبي وحراك صحافة وإعلام يؤمنان تغطية للأحداث تثير على الدوام التماثل أو التعارض مع الفاعلين فيها. ومنها أيضاً تعاظم الأهوال من حول لبنان وهيمنة شعور داخله ولدى المتعاطين بشأنه بانكشافه الأمني والسياسي (والاقتصادي بطبيعة الحال) عليها الى حدّ يلغي معنى سيادته الترابية والديبلوماسية، وحتى البلدية...

لكن ثمة أسباباً أخرى تجعل – على الأرجح - علاقة اللبنانيين حميمة الى هذا الحدّ بمستويي السياسة "الماكرو" و"الميكرو" في حدودهما القصوى التي ذكرنا.
أحدها، البحث الدائم عن ضرورة "أخذ موقف" من كل شيء: موقف لا جغرافية إلزامية له، إذ يمكن أن يكون دولياً أو قروياً، شرط أن يبقى صِدامياً، يسمح بالتمترس خلفه لمواجهة آخرين...
وثانيها الإدمان على الصراعات والإثارة: فقد مضى أكثر من نصف قرن على اللبنانيين وهم في علاقة بالسياسة تقوم على القضايا الكبرى وعلى الحروب والتطاحن والمصالح "العظمى"، حتى إذا أتتهم معارك مخاتير أحياء في بلدهم، ارتدّوا إليها بسرعة وعطفوا عليها استفتاءات على المقاومة وعلى الشهداء وعلى العيش المشترك والسلم الأهلي، وتابعوها كما كانوا ليتابعوا التصويت في الأمم المتحدّة على عقوبات أو محاكمات أو محاولات إحياء مفاوضات أو غيرها من شؤون.
هل يُستنتج مما ذُكر شيئٌ؟
ربما. أن معظم اللبنانيين في بحث لا يكلّ عن انتماءات متضاربة وعن أفياء رايات يعلونها في وجوه بعضهم... والمونديال قادم - بأعلامه و"نون الجماعة" التي ستزيّن مناكفاتهم المحيلة الى تملّك بلاد وفِرق ولاعبين لا شأن لأكثريتهم بهم - ليؤكّد الأمر، ولو على نحو محبّب هذه المرة...
زياد ماجد