لا تبدو الإجابة عن سؤال العنوان بديهية
فشروط المواطنية غير مُستكمَلة في حالة اللبنانيات، وهنّ أكثر بقليل من نصف أهل البلد، رغم كل التقدّم الحاصل على صعد التعليم والالتحاق المهني والحريات العامة والخاصة،
ليس لأن نسبة النساء في البرلمان اللبناني هي حوالي 3 في المئة (4 من أصل 128 نائباً)،
وليس لأنها 6,6 في المئة في الحكومة (2 من أصل 30 وزيراً)،
وليس لأنها لا تتجاوز ال10 في المئة في المجالس البلدية والاختيارية، وفي المناصب العليا في الإدارات العامة،
وليس حتى لأن ثمة تمييزاً بحق النساء في قوانين العمل والتعويضات الاجتماعية والصحية والعقوبات،
ولا لأن قوانين الأحوال الشخصية الخمسة عشرة المعتمدة تتماثل جميعها في إجحافهن وفي عدم مساواتهن "بالأزواج والأخوة"،
وليس لأن كثراً منهنّ غير مستقلاّت مالياً وبالتالي قدرةً على الحركة الحرّة والعيش الفردي الكريم،
ولا لأن ثمة عنفاً جسدياً ومعنوياً يُمارس على بعضهنّ في عدد من المواضع في المجتمع اللبناني...
فكل هذه القضايا الجسيمة ليست في ذاتها السبب في عدم اكتمال شروط المواطنية عند اللبنانيات، ولو أنها تساهم في إيجاد أرضية تشريعية وسياسية واجتماعية تجعل تهميشهنّ ممكناً، وظلمهنّ مباحاً ولا مواطنيّتهنّ قائمة
السبب الأهم في عدم اكتمال مواطنية اللبنانيات يكمن في رفض القانون اللبناني منحهنّ الحق في نقل جنسيّتهن اللبنانية الى من تتزوّجن وتلدن، ورفضه الاعتراف بمساواتهن والرجال انتماءً الى بلدهم. فأبناء اللبنانية المتزوّجة من أجنبي أجانب. وهم يحتاجون كما آباؤهم الى تأشيرات دخول الى "وطن" والدتهم، أو الى أذن إقامة للعيش الى جانبها. ويمكن لطلباتهم أن تُردّ، ويمكن أن يُسجنوا ويُرحّلوا إن ظلّوا في لبنان وإن رفضت الدوائر المعنية في الدولة اللبنانية تجديد تأشيراتهم وإقاماتهم.
ولعل الحالات التي تتناقلها الصحافة هذه الأيام حول اعتصام لبنانيات أمام سجون بائسة ومكتظّة بالموقوفين (وجزء كبير منهم لم تصدر بحقهم أحكام بعد، وهذا شأن آخر) للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن الأجانب المسجونين لانقضاء المهل الزمنية "لإقاماتهم الشرعية" في لبنان، وتلك التي تتحدّث عن بقاء أطفال في بلاد آبائهم لتعذّر استحصال أمّهاتهم على تأشيرات دخول لهم الى لبنان، أو تلك التي تشير الى نضال أمّ توفّي زوجها الأجنبي للاستحصال على جنسية لأولادها، لعل هذه الحالات، تظهر أن ما ذكرناه ليس افتراضات أو تداعيات محتملة لواقع قانوني معيّن، بل هي وقائع يعيشها أناس مقيمون في بلدهم الذي لا يعترف بحقّهم في الانتساب إليه...
بهذا، تبقى قضية المرأة في لبنان ومواطنيتها من أهم القضايا. ولا يغيّر في أهمّيتها وأولويّتها لا الكلام حول الصواريخ والحروب، ولا حول البلديات ومنازلاتها. فهذه وتلك على خطورتها لا تلغي حقيقة أن أغلب اللبنانيين ومشرّعيهم اليوم، وبمعزل عن مشاكل البلاد التي لا طاقة لهم على حلّها، ما زالوا غائبين عن الكثير من مسؤولياتهم وحقوقهم وواجباتهم تجاه قضايا يمكن لهم التصدّي لها. وينبغي على الدوام إقلاقهم وتذكيرهم بها، لأن بمقدورهم المبادرة الى التصرّف حيالها...
زياد ماجد