من قتل سمير قصير؟
سؤالٌ طرحته حملة قام بها منذ فترة عدد من أصدقاء سمير ومحبيه بهدف التذكير بأن سميراً لم يمت ذات صباح في 2 حزيران 2005 لأن بليّة أصابته أو لأن داء صرعه.
من قتل سمير قصير، سؤال يستحق أن نتوقف عنده اليوم، ليس للتذكير بمن هو سمير فحسب، بفكره الديمقراطي أولاً، اليساري والعلماني ثانياً، بحريته التي لم يساوم عليها ولم يقبل بتدجينها، بلبنانيته المتصالحة مع فلسطينيته، بمتوسطّيته المنفتحة على الحداثة والتنوير وعلى قيم "الجمهورية" الفرنسية، ببيروتيته عاصمة للقلق والصخب والإبداع والثقافة في منطقة عربية أنهكها الاستبداد والقمع وخنقتها الظلامية وفتاوى الانحطاط.
من قتل سمير قصير، سؤال للتذكير بأن ثمة قتلة طليقون يعيشون بيننا، اغتالوا سميراً لسببين:
أولهما، ثأرهم من قلمه، من شجاعة أسئلته ورفضه الاستسلام للبديهيات البليدة، من مواقفه السياسية اللبنانية الاستقلالية، والسورية الديمقراطية، والفلسطينية التحررية والعقلانية.
وثانيهما، تأكيد كرههم للمثقفين الذين يحافظون على الرصانة الثقافية مُعملين أدواتهم المعرفية تشريحاً للواقع وتظهيراً لبواطنه، ثم يبنون على ذلك مواقف وانحيازات الى قضايا، يوظّفون في سبيلها طاقاتهم ورأس مالهم المعنوي لتغيير الأمور ومقارعة السائد البائس.
بهذا المعنى، فاغتيال سمير كان رسالةً نَسجت من الماضي، ماضي الرجل، والحاضر، حاضر التزامه وإنتاجه ونشاطه، موتاً لتقول إن لا أفقاً لمن يجهد ويعمل ويبدع، وأن لا مستقبلاً لمن يريد التصدي للعسس القابضين على هذه المنطقة، المنزلين إياها الى عتمة أقبيتهم وعفن سجونهم
وبهذا المعنى أيضاً، فالتذكير ضروري كل يوم، بأن اغتيالاً وقع في بيروت، وبأن الأصابع التي وقّعت حكمه، وتلك التي نفّذته ضاغطة على زر حقد، تماماً كما تلك التي سطّرت بعد وقوعه أخباراً وإشاعات للتضليل، ما زالت تبحث عن حكم جديد وعن زر جديد وعن تزوير جديد. ووحده تكبيلها، وحده سوقها الى المحاكمة، ينهي توثّبها لإهراق الدم وإصرارها على إعدام الجهود وخنق المشاريع والأحلام.
من قتل سمير قصير، سؤالٌ سيستمر طرحه لمنع النسيان من التهام جريمة ومجرمين، وتأكيدٌ أن لا مساومة على نبل راحل ولا سماح، وتمسّكٌ بفلسفة العدالة ومقتضياتها، ولو حلّت بعد حين...
زياد ماجد