Tuesday, March 23, 2010

الدرس العراقي

إنتخب ملايين العراقيين داخل العراق وخارجه مجلسهم النيابي الجديد.
انتخبوا للمرة الثانية بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وانتخبوا بحرية نسبية وتنافسية عالية لم تعرف المنطقة العربية مثيلاً لها في غير حالتي لبنان عام 2009 وفلسطين عام 2006.
وانتخبوا وفق نظام التمثيل النسبي على أساس اللوائح الوطنية لضمان وصول مختلف الاتجاهات التي يفيض بها مجتمعهم (الى الندوة النيابية) على تنوّعها وتنافرها، من الطائفية والليبرالية والدينية الى العلمانية والقومية واليسارية والقبلية.
وبمعزل عن تقييم هذه الاتجاهات ومدى ديمقراطيتها، ينبغي التذكير أنها في معظمها ذات مشروعية شعبية في العراق اليوم، وهي حكماً سابقة على الاحتلال الأميركي، بعضها نتاج مسار تاريخي، وبعضها الآخر نتاج الممارسات التي تناوب على اعتمادها أكثر حكّام العراق منذ استقلاله (والتي بلغت حدّاً مروّعاً من العنف والإرهاب مع سطوع نجم صدام حسين ثم استلامه الرسمي للسلطة عام 1979 وإدخاله بلاده في الحروب والخراب).
على أنها في كل الأحوال، حسناً تفعل إذ تتنازع انتخابياً واحتكاماً الى العراقيين والعراقيات، وحسناً تفعل إذ تتعوّد وتُعوّد الناس على النظام الانتخابي النسبي الذي يتيح لمعظم القوى التمثّل داخل البرلمان وفق أحجامها، عوض السعي الى الإقصاء والتهميش وصولاً الى الإلغاء.

وإن كان استحقاقان انتخابيان لا يكفيان لتحديد أي خيار سارت أو ستسير عليه الاتجاهات هذه وأصحابها، ومعها أمور العراق، إلا أنهما يؤكّدان أن ثمة تجربة تتقدّم، وأنها قد تكرّس إن استمرّت ثقافة تداول السلطة، أو على نحو أدقّ، ثقافة التقاسم لها والتشارك فيها، فضائل سياسية لا تعرفها أكثر الدول العربية. فأنظمة هذه وتلك، كما بعض تياراتها الذامة دون كلل ولا ملل "المحاصصة المذهبية" و"الفرقة الطائفية" في العراق، تفضّل الاستئثار على المحاصصة، والوحدة (بالقهر والدم) على التعدّد. هذا علماً أن هذين الاستئثار والوحدة بالدم هما ما ساهم - فور انكفاء المستأثِر والموحِّد - في تحويل التعدّد الى تنابذ والى بحث عن ثأر أو عن "توحيد مضاد" (بالدم أيضاً)، قد يكون الالتزام الانتخابي الدوري والتنافس المفضي (بسبب النظام النسبي) حصصاً في البرلمان مقدمّة للخروج من ويلاته


باختصار، ليست الانتخابات العراقية نموذجية، ولن تكون كذلك في المدى القريب. لكنها بالتأكيد بداية تكريس لنهج جديد في الحياة السياسية لا أمل باستقرار على المدى البعيد من دونه ولا إمكانية لبناء دولة تنهي الاحتلال وتحتكر الحق في اللجوء الى القوة من دون تطويره وتحصينه ضد كل من يتفجّع على "العراق" من خارجه، ومقصده التفجّع على نظامه البائد، وضد كل من يريد جعل ثمن الحرية في هذه المنطقة مكلفاً ومنفّراً وبعيد المنال...
زياد ماجد