Monday, November 16, 2009

عن مقارنات السيد نصر الله بين فلسطين وجنوب لبنان


إنطلق أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير من مقارنة بين ما أسماه "18 عاماً من التفاوض و18 عاماً من القتال والمقاومة"، ليخلص الى أن التفاوض ضيّع الحقوق فيما القتال استعادها.
لكن السيد نصر الله وهو يقيم مقارنته، سها عن أمرين لا تستقيم خلاصات من دونهما.
- الأول، اعتماد معايير "علميّة" (بالحدّ الأدنى) للمقارنة بين حالات التفاوض والمقاومة وبين حالات الاحتلال: فحالة فلسطين ليست كحالات سيناء أو جنوب لبنان أو الجولان. ولا يمكن لحصيف أن يقارن الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين الساعي الى إلغاء هويّتها وإقامة المدن والمستوطنات فوق بلداتها واستبدال الأسماء فيها وتغيير معالم أمكنتها وادّعاء حق تاريخي في أرضها وبحرها وسمائها، بالاحتلال لجنوب لبنان، حيث أقام الجيش الغازي مواقع ومعابر عسكرية حصراً، واعترف على الدوام باحتلاله لأسباب وذرائع كان يختلقها.
وبالتالي، لا أوجه شبه بين "صراع الوجود" و"صراع الحدود" تتيح تقديم خلاصات كالتي توصّل إليها أمين عام حزب الله في كلمته، والتي كان يمكن فهمها لو أن السيّد قارن الجنوب بالجولان، أو لو أنه قدّم النصح لحليفه الرئيس السوري بالسير في طريق المقاومة لتحرير الأرض، عوض الطلب الى الأتراك التوسّط مع الاسرائيليين لاستئناف المفاوضات.
- والأمر الثاني، هو مقاربة المسار الفلسطيني على نحو مركّب يشبه تركيبه وتعقيده. فليس صحيحاً أولاً أنه كان مسار تفاوض فقط. وليس صحيحاً ثانياً أن لا شيء أُنجز في المسار الفلسطيني التفاوضي، على الأقل بين عامي 1992 و1996. وليس صحيحاً ثالثاً أن القتال العشوائي غير المحكوم بأفق سياسي أدّى في السياق الفلسطيني الى نجاحات ميدانية تُذكر.
فالمفاوضات بين منظمة التحرير وإسرائيل جاءت بعد عقود من المقاومة من خارج حدود فلسطين، ثم من داخلها. وهي جاءت نظرياً، وفق قرار الأمم المتحدة 242، وبدأت بعد انتفاضة الحجارة التي فرضت فلسطين على الخريطة السياسية العالمية عام 1987 وأجبرت الاسرائيليين على الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبقائده ياسر عرفات. ثم كانت عودة الأخير الى غزة والضفة إيذاناً بإعادة فلسطين الى الجغرافيا "الرسمية" العالمية.


والمفاوضات - بإدارتها العرفاتية - لم تحُل في أكثر من محطة دون إطلاق تحرّكات شعبية للردّ على الانتهاكات الاسرائيلية أو محاولات المماطلة والتملّص من الاتفاقات. كما أنها أثمرت تحريراً لأكثر من منطقة محتلة في الضفة والقطاع. وعندما راح الاسرائيليون "يعوّضون" عن انسحاباتهم العسكرية بتوسيع المستوطنات وقطع أوصال الضفة لمنع قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، انفجرت الانتفاضة الثانية في وجههم عام 2000، ووضعتهم خلال أشهرها الأولى تحت الضغط سياسياً وإعلامياً وديبلوماسياً. لكن العسكرة العشوائية للانتفاضة، وتحوّل القتال والعمليات الانتحارية عند البعض الى هدف في ذاته، ورفض الفصائل القريبة من السيد نصر الله وحليفيه الإقليميّين وقف النار الذي دعا إليه الرئيس عرفات بعد 11 أيلول 2001، ساهمت في السماح لإسرائيل بالإفلات من الضغط والانقلاب على ما قبلت به سابقاً على مضض. فراحت تدمّر المؤسسات وترتكب الجرائم وتقضم ما تحرّر من أرض وتكثّف الاستيطان وتبني الجدار، وتحاصر عرفات عدوّها الأول (وربما الأوحد) للقضاء عليه، مستفيدة من المناخات الدولية والإقليمية التي خلقتها اعتداءات نيويورك وواشنطن ثم حربي أفغانستان والعراق.
ما جرى بالتالي بعد عسكرة الانتفاضة الثانية على النحو الذي شهدنا (رغم أنه حمل عدداً من العمليات قتلت من الجنود والمدنيين الإسرائيليين أكثر مما قتل منهم حزب الله منذ نشأته، وليس في السنوات ال18 السابقة فقط) أدّى الى تقلّص الرقعة الفلسطينية المستعادة مقاومةً وتفاوضاً، ثم الى اهتراء الساحة السياسية المنكوبة برحيل عرفات وبهتان من خلفه من جهة، و"لا سياسة" مقاومة حماس وحروبها الأهلية وارتهانها الى دمشق وطهران من جهة ثانية، وشراسة الهجوم الاسرائيلي الشامل من جهة ثالثة. فها نحن اليوم، نتيجة كل هذا، أمام وضع فلسطيني شعبي ورسمي استثنائي التدهور والتفكّك.


إنطلاقاً مما ذُكر، يجوز القول إنه من الأفضل لجميع من يودّ تناول الشأن الفلسطيني أن يُبعد فلسطين عن المقارنات. فالصراع فيها وأدواته وأساليبه لا تشابه بينها وبين ما وقع أو قد يقع في الجنوب اللبناني أو في أي منطقة عربية أخرى مجاورة للدولة العبرية. وأفضل ما يمكن قوله لأهلها بعيداً عن الحديث عن التفاوض أو المقاومة، هو تكرار قول إدوارد سعيد في أن الولوج الى التحرّر وانتزاع الحقوق الوطنية يتطلّب - إضافة الى الصمود في فلسطين - كسب معركة الرأي العام العالمي، تماماً كما كسبها النضال الجنوب أفريقي ضد التمييز العنصري.
أما الصراخ وأحاديث الغيب والمقارنات التبسيطية، فمزايدات عابرة لا تقدّم ولا تؤخّر، ويفيد مطلقيها لو يتواضعوا بعض الشيء.
زياد ماجد