ثمة مرحلة قد انتهت منذ 7 حزيران 2009
مرحلة شهدت تضحيات وإنجازات كبيرة، أهمّها أولاً إخراج القوات السورية من لبنان بعد 29 عاماً على اجتياحها له. وأهمّها ثانياً تفكيك الأوهام والهالات القدسية التي كانت تحيط ببعض القوى، كما وببعض الخطابات والمواقف التبسيطية حول الوضع السياسي وأزمة النظام والحراك الطائفي والمناورات والتحالفات والقسمات المذهبية.
لكن المرحلة شهدت أيضاً إنكشافاً لنقص الإجماعات الوطنية على صراعات المحيط الإقليمي ومحاولات أطرافه التحكّم والسيطرة على بلد يعتبرونه ساحة للرسائل بالكلام والدم.
وشهدت كذلك المزيد من التصدّع في الثقافة السياسية وفي احترام المؤسسات الدستورية وفي الاستخفاف بالقانون والمبادئ الأساسية الناظمة للحياة الديمقراطية.
ورغم أن 7 حزيران أنتج هزيمة إنتخابية لمعسكر حزب الله وردّ على ما نفّذه الحزب في 7 أيار 2008 من فرض لقواعد سياسية بواسطة السلاح والاستباحة الميليشياوية لبيروت، إلا أن عجز المعسكر الاستقلالي (غير المفاجئ) عن بناء دينامية سياسية بعد الانتخابات لأسباب داخلية مرتبطة بفقدانه البرنامج وتضعضع تحالفه، ولأسباب خارجية متأتّية من مستجدّات إقليمية ومصالحات ضغطت عليه، تضاف إليها أسباب أمنية نتيجة الخشية من سعي المهزومين إنتخابياً الى معاودة الاحتكام الى رصاصهم، جعلت الأمور خلال مفاوضات تشكيل الحكومة تأخذ منحى تنازلياً ألغى الى حدّ بعيد نتائج الانتخابات وأعاد الامور الى ما كانت عليه في 6 حزيران 2009.
وينبغي القول إنه مقابل الأداء التراجعي للمعسكر الاستقلالي، تمكّن معسكر حزب الله من التموضع خلف العماد ميشال عون ورفع قدرته الابتزازية الى أعلى مستوى ممكن للإستفادة من الحاجة الماسة عند الرئيس المكلّف لتشكيل حكومة، وتحصيل أقصى ما يمكن تحصيله ليس من أجل الحصة في ذاتها فقط، بل من أجل ثلاثة أمور إضافية:
الأول، القول إن التوافق يعني على الدوام حكومات ائتلاف تمثّل الجميع بمعزل عن الانتخابات النيابية ومن يفوز فيها. وهذا مؤشر الى نحوٍ ثقافي سياسي يُؤثِر القفز فوق خيارات المواطنين وأهوائهم وتفضيل تركيبات "لويا جورغية" تجعل السلطة مجلس إدارة لا يستطيع أخذ القرارات، أي قرارات، إلا بالإجماع. وهذا في ذاته تعطيل للسلطة الشرعية ومؤسساتها، وترك للأمر اللاشرعي الواقع بالتصرّف وقت الحاجة.
الثاني، تيئيس كثر من الناس من جدوى الالتزام السياسي ومعناه، وتيئيسهم من التمسّك بحقّهم في العيش في بلد مستقل وحر وفي كنف دولة وقوانين. وطبعاً تساعد التركيبة المذهبية والمصالح الطوائفية لأكثر القوى على إنجاح هذا التيئيس.
الثالث، تذكير اللبنانيين بأن أحد الأطراف، أي حزب الله، يملك فائض قوة – مسلّح – يستطيع، إن لم يجرِ التجاوب مع ما يريد، إستخدامه لحسم الأمور. وهذا يشكّل مقتلاً للسلم الأهلي وللحياة المدنية عامة.
فهل بعد ما ذُكر، نكتفي بالمكابرة ونبتعد عن تطارح الأسئلة الصريحة حول الضروري فعله في الوقت الراهن، والواجب فعله تأسيساً للوقت المقبل؟ وهل نكتفي بالبهورة أو بالاستسلام لليأس؟
"تشاؤم العقل، تفاؤل الإرادة"، قال أنطونيو غرامشي في سجنه ذات مرة. لعل تذكّر قوله هذا مفيد بعض الشيء في هذه الأيام. ومفيد أيضاً البدء بالبحث في الممكن وفي المنشود...
زياد ماجد