لا يسعى هذا النص الى التقليل في شيء من أهمية الانتخابات النيابية القادمة، وما تمثّله سياسياً من معركة بين خيارين: خيار ينشد الاستقرار وآخر مصرّ على إبقاء البلاد ساحة للصراعات الإقليمية وما يرافقها من تصفية حسابات.
لكنه يسعى الى الإضاءة على ثلاث قضايا غالباً ما تغيب عن النقاشات الانتخابية.
القضية الاولى هي قضية تحوّل الاستحقاق الانتخابي، حتى في لحظة سياسية شديدة التعقيد وعالية الأهمية، الى لحظة نهم تلتهم فيها قوى أهلية وعائلية وطائفية حليفاتها المدنية مضعفة البعد السياسي للتنافس ومحوّلة إياه الى شعارات فضفاضة لا يُعنى بها كثرٌ من المرشحين بقدر عنايتهم بإقامة التحالفات لتجميع الأصوات والوصول الى النجاح أو "الشهرة" (كما يفهمونها صوراً ومهرجانات وزيارات). وبذلك لا يصبح انتقالهم من لائحة الى أخرى مستغرباً، ولا قفزهم من تحالف الى آخر. حتى ليكاد البعض يقول إنه يريد انتخابات من دون سياسة أو من دون "تسييس"، وكأن المواضيع الأساسية التي يختلف عليها اللبنانيون، من الموقع والدور في المنطقة الى ملكية السلاح وقرارات الحرب والسلم في البلد، قضايا تخصّ روابط عائلية أو نوادي بلدية!

القضية الثالثة المرتبطة بما سبق، هي قضية غياب البرامج لدى أكثر المرشحين، وهو غياب وإن بدا للبعض ثانوياً أمام العناوين الكبرى للمعركة الدائرة، يبقى المدخل السليم لتمييز المرشحين عن بعضهم وفرز اللوائح والتحالفات، ويبقى المنطلق لإجراء المحاسبة لاحقاً ومقارنة الوعود بالإنجازات.
إنطلاقاً من كل ما ذكر، هل يصحّ القول إن المطالبة بالحد الأدنى من احترام السياسة بمعناها النبيل حتى وسط المعارك الانتخابية الحامية ترف لا يستحقه اللبنانيون؟
لا نعتقد ذلك، ولا نظن في أي حال أن الاستقرار والاستقلال مفصولان عن الإصلاح، ولو أنهما شرطه الأساسي، إن لم يكن الوحيد...
زياد ماجد