لا بد من إحالة النقاش في مسألة إطلاق الضباط الأربعة الى ثلاثة مستويات: قانوني وسياسي وعاطفي
في المستوى الاول، أي القانوني، يجدر التمييز بين القانون الجزائي اللبناني (الذي أجاز التوقيف) وقانون المحكمة المختلطة (الذي أجاز الإفراج). فالأول يسمح بموجب المادة 108 من أصول المحاكمات التوقيف الاحتياطي للمشتبه بهم ببعض الجرائم، لا سيما ما يمسّ منها أمن الدولة، من دون مهل محدّدة. والثاني يحدّد مدة التسعين يوماً كحدّ أقصى لأي توقيف، يُصار من بعد انقضائها الى الإدّعاء على الموقوفين أو إطلاقهم، من دون أن يعني الإطلاق تبرئتهم، بل فقط تحريرهم بانتظار استكمال التحقيق وتوفّر المواد والإثباتات التي يمكن استخدامها للادّعاء عليهم وربما توقيفهم من جديد، أو تبرئتهم نهائياًَ من خلال الوصول الى وجهة اتّهامية بعيدة عنهم.
وبهذا المعنى، جاء قرار إخلاء سبيل الضباط بناءً على أن ما لدى التحقيق الدولي لا يكفي بعد لإدانتهم. لكنه لا يعني بالمقابل طيّ صفحتهم القضائية.
وفي المستوى الثاني، أي السياسي، أعاد إطلاق سراح الضباط الروح الى وجوه من الحقبة المخابراتية السورية كانت قد اختفت أو اختبأت خلف عباءة حزب الله. فعجّت شاشات
التلفزة بتلك الوجوه المدّعية تعرّضاً للجور السياسي، وتصاعد صراخها وتهديدها، وبدا وكأنها تتوثّب للعودة الى المشهد العام عشية الانتخابات النيابية القادمة.

على أنه لا يُفترض بهذا الضجيج أن يحجب جوهر الموضوع أو أن يدفع للخجل أو للتراجع عند الحديث عن التظلّم أو عما يُسمّى بالاتهام السياسي: فهناك معركة سياسية دائرة في البلاد، وهناك سياسيون ومثقفون وصحفيون وأمنيّون قُتلوا نتيجة مواقفهم وانخراطهم في المعركة، وهناك نظام معادٍ لهم مُتّهم (سياسياً) بالوقوف وراء عمليات اغتيالهم، حتى وإن لم تكتمل الأدلّة التي تدينه جنائياً.
القول "بالتسييس" إذن لا يعني شيئاً، ولا هو تهمة ولا يجب السماح له بالتحوّل وسيلة ابتزاز لإخضاع القضاء أو الأكثرية أو أهالي ضحايا الإرهاب والاغتيال.
زياد ماجد