Tuesday, April 28, 2009

أربع سنوات... أمام الامتحان


إنتهت منذ أربع سنوات حقبة الهيمنة السورية على لبنان
إنسحب جيش النظام البعثي في 26 نيسان 2005 تحت ضغط الشارع اللبناني ومئات ألوف المحتشدين فيه عقب اغتيال الرئيس الحريري، وتحت ضغط دولي بدأ بصدور القرار 1559 وتتابع من خلال مواقف معظم الدول الغربية والعديد من الدول العربية والإسلامية المطالبة بالانسحاب أو الناصحة بإتمامه. 
على أن الانسحاب انتهى أيضاً وسط انقسام سياسي وأهلي لبناني، اختصره مشهدا 8 و14 آذار، المعبّران عن اصطفافين متقابلين لا يكتفيان بالتصادم تجاه الموقع من النظام السوري ومن دوره في لبنان، بل وتجاه حجم تأثير كل منهما وما يمثّل طوائفياً داخل مؤسسات الحكم اللبناني نفسه.
بهذا المعنى، شكّل 8 آذار رسالة حزب إلهية مفادها أن الحزب المتحالف مع النظام السوري، والممثّل أكثرية شيعية سيسعى الى لعب دور هذا النظام لبنانياً بعد انكفائه، وسيعمد الى إدارة السياسة الداخلية للدولة على نحو يحمي سياسته الخارجية وارتباطاتها. فيما شكّل 14 آذار رداً على الرسالة المذكورة في شقّيها الخارجي والداخلي، وعبّر بأكثرياته السنية والمسيحية والدرزية (والعلمانية) عن رفض للتحالف مع "سوريا الأسد" والتحوّل أداة لاستراتيجيتها، ورفض لتفويض حزب الله لعب دور داخلي يشبه دورها الآفل.
وهكذا، صار الانقسام منطلقاً لصراع على الأحجام في سلطة ما بعد الانسحاب السوري، وعلى الموقف من المحاور في المنطقة، وعلى الحق في ملكية السلاح خارج "الدولة" واستخدامه. وصارت "الديمقراطية التوافقية" اللبنانية المستندة الى نظام انتخاب مشوَّه عاجزة عن إدارة الأزمات داخل المؤسسات وعاجزة عن استيعاب تداعيات قرار ممثلي طائفة كبرى مقاطعة هذه المؤسسات لإسقاط النصاب والمشروعية عنها.
ثم أخذ شكل الانقسام الأهلي يتعدّل، إذ انضمّ ممثل أكثرية مسيحية راجحة الى المعسكر الشيعي، منقلباً على شعاراته ومواقفه السابقة. كما انتقل النظام السوري من مرحلة استيعاب الصدمة وتوجيه بعض الضربات الانتقامية والتحذيرية الى مرحلة الهجوم المضاد الشامل متكئاً الى الانقسام اللبناني من جهة والى ما خلّفه وراءه مخابراتياً في بلد تحكّم به على مدى ثلاثة عقود من جهة ثانية، بهدف العودة السياسية والتحضير للتحكّم المباشر "بالملف" اللبناني وتوظيفه في بازارات المنطقة.
وطبعاً، شكّلت محاولات تبرئته من الاغتيالات (في تصريحات حزب الله والجنرال عون)، كما شكّل تعطيل الحياة السياسية والشغب وقطع الطرقات وصولاً الى أحداث 7 أيار واجتياح بيروت غطاءً كاملاً له ولهجومه المضاد المذكور.
في مواجهة كل ذلك، تماسكت قوى 14 آذار على مدى الأعوام الأربعة الماضية، وضحّت وتعرّضت للضربات، وتخطّت عدة استحقاقات صعبة، لكنها لم تتمكّن من انتزاع المبادرة أو من إضعاف الخصم شعبياً وسياسياً لأسباب عديدة، منها تركيبتها الطائفية، ومنها تقليدية إدارتها للسياسة والمؤسسات المستندة الى منطق المحاصصة والزبائنية، ومنها أيضاً عجزها عن صوغ برنامج جدي لبناء الدولة، ومنها كذلك ارتباكها تجاه أي تبدّل في العلاقات الدولية أو في التجاذبات والمواجهات الإقليمية (من حرب تموز الى مصالحات ما بعد حرب غزة).
واليوم، وعشية حصاد زرع السنوات الأربع الماضية، تظهر 14 آذار رغم الالتفاف الشعبي حولها ورغم صمود قسم كبير من اللبنانيين وتحمّلهم الأعباء دفاعاً عن خطّها، بمظهر منفّر مخلّعة أبوابه، بحيث تبتلع قواها الكبيرة – الأهلية بتكوينها – مكوّناتها الصغرى، الأقرب الى التمثيل المدني والعلماني والى التعبير عن هواجس المواطنين الأفراد غير المتعاقدين مع سواهم على أساس رابطة المذهب أو القربى العائلية، مُفقدة نفسها البُعد الاستقلالي الذي حماها، ومحوّلة لوائحها في الكثير من الدوائر الى تكتّلات انتخابية يبدو الهاجس التجميعي فيها مهيمناً على حساب الهاجس السياسي، عوض أن يكونا متلازمين بهدف التمثيل والفوز في آن واحد (كما يفترض بالمسلك الانتخابي أن يكون)...
مع ذلك، لا بد من القول – اليوم تحديداً - إن مقداراً من الاستقلال والاستقرار مع قوى أهلية وتقليدية يتيح العمل الإصلاحي ويسمح ببناء الأفق التغييري (ولو في مواجهتها)، في حين أن الضوضاء وقرقعة السلاح وخطابات التخوين والتصنيف (ومع قوى أهلية، ودينية أيضاً) لا تتيح غير المزيد من الانقسام والتشرذم وغير الإيغال في هتك عرى المجتمع ونهش ما تبقى من دولة تديره...
زياد ماجد