تتوضّح منذ أسابيع مقاربات الإدارة الأميركية الجديدة لبعض ملفات السياسة الخارجية
فبعد إطلالات خجولة على الخارج نتيجة التركيز على الداخل وقضاياه المالية والاقتصادية والاجتماعية المأزومة التي سيحافظ بموجبها الرئيس الجديد على تألّقه أو يتراجع رصيده شعبياً (خاصة إن وقع في ارتباكات وتردّد طويلاً بين خيارات اليسار والوسط)، بدأت الإدارة الديمقراطية تبلور اتجاهاتها في التعاطي مع عدد من الملفات:
- ملف العلاقة مع روسيا والتباحث الهادئ في قضايا توسيع الناتو ونشر الدرع الصاروخية والتعاون للحد من الانتشار النووي،
- ملف أفغاتستان وباكستان واعتماد الشدة في الحرب فيهما على القاعدة والطالبان،
- ملف إقفال سجن غوانتانامو، والبحث الذي بدأ بالتزامن مع قرار إقفاله في احتمال الانضمام الى عدد من الاتفاقيات الدولية حول جرائم الحرب والمحكمة الجنائية،
- والأهم من حيث ارتباطه بالوعود الانتخابية، ملف العراق واتخاذ القرار بجدولة الانسحاب العسكري منه.
وفي هذه الملفات جميعاً، تطلّ السياسة الجديدة بإيديولوجيا أقل وباختلافات في النبرة والأسلوب والوسائل عما اعتُمد في الحقبة المنصرمة. وهي إذ تصل الى الملف الفلسطيني الاسرائيلي والى التشابك اللبناني السوري الايراني معه، يبدو اختلافها عن السياسات التي سبقتها أشدّ وضوحاً. وهذا ما تريد الأسطر التالية التوقف عنده.

فعلى الصعيد اللبناني السوري الأيراني، تتحرّك مواقف الإدارة الجديدة على مسارات ثلاثة:
- خطّ إنهاء القطيعة مع دمشق على مراحل، ومن خلال "دفتر شروط" يتضمّن استمرار تعاونها الأمني في ملف "الإرهاب" عراقياً، وفكّ ارتباطها الحيوي بإيران وتخلّيها بالتالي عن لعب دور العرّاب لحركة حماس ولحزب الله أو الوسيط بينهما وبين إيران،
- خط التأكيد على دعم استقلال لبنان وتأييد المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري وسائر الجرائم التي ارتبطت بها،
- خطّ الانفتاح على الإيرانيين (بعيداً عن تصنيفات محور الشر السابقة) المرفقة بمشروطية تعاونهم أفغانياً وعراقياً ولبنانياً وفلسطينياً، ووضعهم لمشروعهم النووي تحت الرقابة الدولية.
على أن عطف الملف الفلسطيني الاسرائيلي على هذه المسارات، وهنا ربما بيت القصيد، يقطع مع منطق الإدارة السابقة تماماً، ويعيد الاعتبار الى المقاربة الكلينتونية – وحتى الى تلك التي أرادها بوش الأب في النصف الثاني من عهده – ولو بحذر وبطء شديدين.
ذلك أن عودة الحديث عن ضرورة السلام في المنطقة على أساس الدولتين، وتعيين جورج ميتشل الواضح في مواقفه من الاستيطان مبعوثاً خاصاً، ومحاولة تعيين فريمان المعروف بانتقاداته لإسرائيل في وكالة المخابرات (رغم الفشل في تثبيته بعد الحملة العنيفة عليه)، والتواصل مع السلطة الوطنية الفلسطينية في تأكيد على الاعتراف بها (بعد سنوات من الميوعة في التعاطي معها والاستسلام للمنطق الاسرائيلي القائل "بغياب الشريك") جميعها إشارات حول نية في التعامل مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بوصفه في قلب معضلات المنطقة، وبغير ربط لديناميات التفاوض حوله بالتوقيت والمشيئة الإسرائيليين.
ولعل مواقف نتانياهو - المباشرة وبالتلميح - تحاول امتصاص ذلك والرد عليه ببعض المصطلحات "الإيجابية" تجاه الفلسطينيين (لتغطية ما يرافقها من تسريع لوتيرة الاستيطان بين الضفة والقدس بغية جعل الواقع الميداني أكثر تعقيداً وصعوبة قبل أية مفاوضات مقبلة)، والتأكيد على أهمية السلام مع سوريا (باعتبار ولوج بابه سيخفّف احتمال الضغط على إسرائيل إن أُقفِل الباب الفلسطيني)، والسعي لتوريط أميركا في صدام مع إيران عبر تسريب أخبار عن تصميم إسرائيل، ولو وحيدة، على عدم السماح لها بالمزيد من التقدّم في برنامجها النووي، وبمعزل عن أي تفاوض.
زياد ماجد