مرّ الثالث عشر من نيسان،
ذكرى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، مروراً خجولاً بالكاد تطرّقت إليه بعض
المقالات والأنشطة أو بحثت تقارير عن صوَر منه في الأرشيف.
والمرور الخجول هذا كان
ليبدو "طبيعياً" لو أنّ أحوال البلد بعيدة كلّ البعد عن نيسان العام
1975، أو لو أنّ الذكرى نفسها مجرّد تاريخ أليم هضم لبنان مفاعيله وتعامل معها، بما
يجعلها حقبةً في تاريخٍ تُمكن زيارته في دراسات أكاديمية أو في شهادات وأعمال
فنّية وأدبية أو حتى في مقاربات سياسية تكرّس التعاقد على نبذ العنف في الصراعات السياسية.
لكن أحوال البلد، إذ لا
تمتّ الى "الطبيعية" بصلة، تدفع الى التعجّب من هذا الميل العام الى
إيثار التجاهل أو استسهال الصمت أو ترداد مقولات رديئة تبدأ باعتبار ما جرى
"حرب آخرين" وتصل الى الجزم بأن "المؤامرات مستمرّة"، بما
يوحي بأن لا خيارات كانت أو هي اليوم متاحة لتجنّب الاحتراب والخراب. ولعلّ في هذا
الاستسلام سياسياً والعجز عن البحث في سبل إدارة شؤون الحكم على نحو يجنّب البلد
"إرادياً" حروباً وكوارث جديدة ما يفسّر الاستعداد الدوريّ للتطبيع مع
المستجدّات والتكيّف معها كل واحدةٍ على حدة. هكذا، يعتاد أكثر اللبنانيين اشتعال
بعض أحياء طرابلس المهمّشة بالاشتباكات، وكأنها موقع معزول تخصّه وحده رصاصات
القنص وعمليات القصف وتجارة الأسلحة. وهكذا أيضاً يطبّع معظمهم مع العبوات الناسفة
بوصفها انفجارات محصورة بمناطق محددة أو تصفيات تُطيح سياسيين "عرّضوا أنفسهم
للخطر". والأخطر، أن أكثر اللبنانيّين يكتفون منذ أكثر من عام بمراقبة آلاف الشبّان
من بينهم يتدفّقون تحت راية حزب مشارك في الحكومة والبرلمان ومسؤول عن مؤسسات
وبلديات الى داخل بلد مجاور للقتال فيه، ويعدّونها قضية تعني مسؤولي الحزب المذكور
وعرّابه الخارجي وحدهم.
بذلك، يحلّ 13 نيسان وكأنه
يوم ينضمّ الى أيّام عنف كثيرة تشبهه يستذكرها بعض اللبنانيين ويتناساها بعضهم
الآخر. فلا تظهر الحاجة الاستثنائية فيه للتضامن مثلاً مع عائلات 17 ألف مخطوف
ومفقود لم يعترف أحد حتى الآن بمسؤوليّته عن خطفهم ولم يبلِّغ مَن دفنهم عن أماكن
المقابر الجماعية التي احتضنتهم؛ ولا تظهر الحاجة كذلك للقول إن تبرير كل اغتيال
سياسي واعتباره من آليات النزاع المشروعة هو في ذاته استئناف لفعل الحرب، ولا تخرج
مظاهرات تدين اعتداء طرف أهلي لبناني على سوريا واستجلابه الويلات على البلد
بأكمله.
لقد غيّرت الحرب لبنان وما
زالت آثارها تمعن فيه تغييراً. وليس تفصيلاً أن أغلب زعماء القوى السياسية –
الطائفية الكبرى منذ انتهائها كانوا زعماء قوى حزبية – عسكرية متقاتلة خلالها.
وليس مفاجئاً بالتالي أن العديدين من بينهم اليوم مرشّحون لرئاسة الجمهورية غداً.
من 13 نيسان 1975 الى 13
نيسان 2014، تسعة وثلاثون نيساناً عبرت جميعها وسط تبدّلات دولية وإقليمية وداخلية
كبرى. لكنها عبَرت أيضاً وسط مراوحات وتكرار وجوه وقدرة "مميّزة" للعديدين
من أركان الطبقة السياسية اللبنانية على تبديل اصطفافاتهم وحماية
"شعبيّاتهم" بما يبقيهم كلّ نيسان مهيئين للاستمرار وانتظار ما سيليه.
زياد ماجد