Tuesday, January 31, 2012

أهداف الثورات

صار من المفيد اليوم بعد أن حُمّلت الثورات في البلاد العربية كمّاً هائلاً من التطلّعات يُحبَطُ من لا يراها متحقّقة بعد عام، وبعد أن كثُر الحديث عن فوز الإسلاميين في مصر وتونس وعن تزايد الهتافات الدينية والطائفية في سوريا، وعن تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في ليبيا في ما يوحي بانتقالٍ الى "خريف" بارد، أن يُعيد واحدنا التذكير بما يعتبره معايير بسيطة لقياس "نجاح" الثورات، أو قياس مدى تَحقُّق أهدافها. والمعايير هذه تتمحور حول

- مدى تمكّن الثورة من القضاء على فلسفة "الى الأبد" التي تُخرج الناس من الزمن وتُسلّط الاستبداد عليهم وتنوي إبقاءهم تحت سطوتِه جيلاً إثر جيل؛
- مدى هدمها للسجون التي يُمكن أن يُزَجّ فيها بشرٌ لأسبابٍ مرتبطة حصراً بتفكيرهم أو تعبيرهم أو انتمائهم؛
- مدى ردعها رجال الأمن والعسكر عن اعتبار بَدْلاتهم أو ولاءاتهم إجازات للقتل والسلب وإهانة الناس؛
- وأخيراً وليس آخراً، مدى نجاحها في نَهي أي تيار أو تجمّع أو حزب عن فرض خياراته في ما يتخطّى حدود اللعبة السياسية المتبدّلة توازناتُها انتخابياً كل أربع أو خمس سنوات.


يكفي تحقّق هذه الأمور بحدّ مقبول في السنوات المقبلة ليعتبر المرء أن الثورات نجحت نجاحاً كبيراً، بمعزل عن توازنات القوى الراهنة وعن حجم الصعوبات والتحدّيات والتشوّهات الواجب التعاطي معها لاحقاً لمحو آثار العدوان على الروابط المدنية وفلسفة العدالة طيلة النصف قرن المنصرم من عمر مجتمعاتنا الوطنية.
المهمّ الآن هو طيّ صفحة الماضي ليصبح فتح الصفحة الجديدة بصعوباتها وتحدّياتها ممكناً. وهذا يعني عدم الخضوع لمشروطيات الابتزاز حول توفّر البدائل وحول الاستقرار وحول ضمانات الفوز بالانتخابات الحرّة الأولى للإقدام على التغيير. ويعني أيضاً الترحيب بالتحدّيات والصعوبات هذه وما ستُنتجه من مواجهات سياسية وفكرية طالما أنها ستحلّ بلا زنازين ولا رصاص أو عبوات ناسفة.

خلاصة الأمر أن تمريناً دورياً يستعيد ما تحقّق منذ انطلقت الثورات في ما خص انهيار الخوف، والعودة الى الزمن، وانتهاء قدسية الحاكم وأجهزته، يبدو اليوم ضرورياً لطرد التشكيك والإحباط، وللمحافظة على الأمل الذي زرعته فينا إرادات نساء ورجال ضاقت بهم الساحات المستعادة، من القاهرة الى دمشق وسائر أخواتهما...
زياد ماجد