Wednesday, February 8, 2012

فيتو

بعد أن كانت الولايات المتّحدة الأميركية اختصاصية في استخدام الفيتو للدفاع عن جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في المنطقة منذ عقود، ها هي روسيا تُشاركها الاختصاص وتلجأ (مع الصين) الى فيتو لحماية جرائم النظام السوري الذي تخطّت أعداد ضحاياه في أقل من عام عدد ضحايا الجرائم الإسرائيلية في لبنان وفلسطين في كامل الأعوام العشرة الأخيرة.

بهذا، اقتحمت موسكو الشرق الأوسط في مطلع العام 2012، عشيّة استعدادها لإعادة بوتين الى السلطة بعد أن كان قد تركها "أمانة" في عهدة ميدفيديف، من بوّابة "حق النقض" المجبول بدم حمص وفي ذكرى خراب حماة. لكن لاقتحامها تداعيات عليها وعلى أهدافها في منافسة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم أبعد أثراً من مجرّد عرقلة قرار يمنع إدانة آل الأسد والضغط لإنهاء حكمهم في سوريا.

فالفيتو لا يعني بالضرورة تكريس روسيا لاعباً أساسياً في السياسات الشرق أوسطية لعدّة أسباب.
منها أن تأثيرها في المنطقة محدود خارج قدرة العرقلة والتعطيل. أي أنها تستطيع منع اتخاذ قرارات أممية حول قضية ما، لكنها لا تقدر على المبادرة الإيجابية في أي شأن، ولا حتى في أطر ثنائية.
ومنها أيضاً أن التسويات الدولية معها لا "تُصرَف" في المنطقة نفسها. فلا الملف النووي في إيران، ولا ملفّ النظام في سوريا، يتيحان تفاوضاً معها حول ملف إقليمي ثالث يمكن لها إحراز نقاط فيه مقابل تخلّيها عن نقاط في الملفّين الأوّلين. بل هي تبحث عن "هيبة" يُراد إظهارها في وجه "الغرب" عامة، وهي قد تطلب التفاوض بعد آذار المقبل موعد انتخاباتها الرئاسية (المُتطلّبة مزايدات داخلية وإظهاراً لحزم خارجي)، حول ملفات قديمة من نوع "الدرع الصاروخية" والشؤون الأوكرانية والجورجية وعضوية بعض الدول المحيطة بها في الناتو، إضافة الى مسألة حقوق الانسان داخل روسيا نفسها وتعامل الإعلام والمنظمات الحقوقية "الغربية" والدولية معها. وهذا كلّه أهمّ بالنسبة لها من قاعدة بحرية في طرطوس ومن صفقات تسليح لم يكُن استمرارها بالضرورة مهدّداً.


على أن الأهم من ذلك، هو انعكاسات الفيتو الروسي على العلاقات الدولية نفسها. ذلك أن تحدّي هيمنة الولايات المتّحدة (المفيد نظرياً في مسألة التوازنات الدولية) تحوّل تعطيلاً لدور الأمم المتحدة (وليس واشنطن) في منع استفحال قمع داخلي وجرائم في بلد بذاته. وتحوّل كذلك الى منع منظومة إقليمية (الجامعة العربية) من أخذ مبادرات تنهي أزمة وتطلب مساعدة أممية لتطبيقها. وهذا يفتح الباب أمام التدخّلات من خارج المؤسسات الأممية والإقليمية، مضاعِفاً من تهميشها. ويؤدّي الى اصطفافات ستدفع بالوضع السوري نحو تفجير واسع، لن تملك روسيا من بعده ما يمكنها التفاوض عليه.

كما أن الأمر، وبعيداً عن بلاهات "المُمانعين" المُحتفين بالفيتو بوصفه انتصاراً على أميركا (لا على أطفال حمص والزبداني وسوريا!)، يؤدّي الى تضييع الأهمية التي يمكن للحدّ من التفرّد الأميركي دولياً واستعادة بعض التوازنات أن يعنيها، خاصة في ظل انتفاء الأسس الإيديولوجية للحرب الباردة. لا بل هو يجعل أميركا ذات "شعبية" في أكثر من وسط عربي، إذ أن المواجهة الروسية الأولى معها كانت للدفاع عن واحد من أبشع الأنظمة في العالم اليوم، إن لم نقل أبشعها على الإطلاق. وهذا ما لا يُكسب المُواجهة أي قيمة قانونية ولا يجعل منها انطلاقاً لتكريس توازن سياسي جدّي.

الفيتو الروسي (المتسبّب بالفيتو الصيني) هو إذن، سلوك يشبه السُلطة التي استخدمته في قُصر نظرها وفي تخلّفها السياسي المعطوف على قوتها العسكرية. وهو لن يتيح بالضرورة لموسكو إمكانية التفاوض على ما تريدُه من ملفات. أكثر من ذلك، لن يكون هذا الفيتو في تأثيره السوري أكثر من تأجيل مؤقّت لسقوط آل الأسد، ورفع لكلفة سقوطهم الدموية...
زياد ماجد