يبدو حزب الله منذ فترة وكأنه
نظام شبيه بالأنظمة التي ثار ويثور عليها المواطنون والمواطنات في أكثر من بلد في
المنطقة.
ومبرّرات التشبيه هذا أربعة.
- الأوّل مرتبط بتحالفاته: فالحزب
حليف وثيق لِنظامَي طهران، الذي واجه انتفاضة شعبية عام 2009، ودمشق، الذي يواجه ثورة
عارمة منذ مطالع العام 2011. وهو مثلُهما يغلّب القضايا الخارجية على قضايا مجتمعه
ويوظّفها لِتبرير قمع حَيويّات هذا المجتمع إن هي ساءلته حول سياساته وخياراته
ومفردات خطابه.
- المبرّر الثاني مرتبط بإيثاره
الجمود على التغيير: وهو هنا شبيه بمعظم الأنظمة العربية، حيث "تجميد"
الزمن على وضع بِحاله هو أفضل ما يتمنّاه الحكّام. والحزب يحاول منذ العام 2005 ضبط
الأوضاع في لبنان وتثبيتها على معادلات سياسية كتلك التي سادت بين العامين 1991
و2004 في ذروة هيمنة النظام السوري على مقدّرات البلاد. وهو يقوم لِذلك بلَعب دور
الضابط لإيقاع السلطات والمتحكّم في خلافات "الحلفاء" تماماً كما كان
يفعل مندوبو قصر المهاجرين كل ما تحرّك الوضع اللبناني أو تخوّفوا من تحرّكه.
- المبرّر الثالث متّصل بتحوّله
"سلطة تنفيذية" تُحمَّل مسؤولية كل تدهور بالأوضاع وكل انتهاك لقانون
(بمعزل عن صوابية التحميل أو عدمه). وهذا يسري على الاقتصاد والسياحة وقضايا الحريات
العامة والرقابة، ويسري كذلك على حماية خارجين عن القانون يلتجئون الى مناطق نفوذه
الأمني المباشر.
- أما المبرّر الرابع فله علاقة
بما قد تصحّ تسميتُه بالانتماء الى طبقة سياسية معدومة التجدّد: والشبه هنا بأنظمة
المنطقة أكثر تعقيداً. فالحزب صاحب مشروعية شعبية (ضمن بيئته المذهبية على الأقل)،
على عكس الأنظمة. ونشأته ثم تطوّره السياسي مثّلا في الحياة السياسية اللبنانية
حالة استثنائية، إذ هو أتى بجيل جديد من خارج النخب التقليدية، وتعاطى مع الشؤون
المحلية على نحو مختلف عن التعامل السائد. كما أنه الوحيد الذي يمكن اعتبار ضواحي
المدن تربته ومنشأ كوادره، قبل سيطرته على الريف ثم اقتحامه المدينة. ولا شكّ أنه
ما زال صاحب جاذبية للجيل الجديد في مناطق حضوره، وهو عمل على خلق مؤسسات كشفية
ورياضية وشبابية وعسكرية ودينية تبقي هذا الجيل في حالة تواصل معه وارتباط به. لكن
قيادته الفتية أو الجديدة التي قادته بين التأسيس بُعيد الاجتياح الاسرائيلي عام
1982 وحتى منتصف التسعينات صارت اليوم جزءاً من الطبقة السياسية اللبنانية، وهي لم
تتبدّل في أبرز وجوهها منذ العام 1992، أي منذ أكثر من 20 عاماً. وهذا يجعلها
جزءاً من المشهد التقليدي الذي كان حضورها الأوّل تمرّداً عليه.
هذه العوامل تُظهر أن حزب الله صار
منذ مدّة، في جوانب عديدة من ثقافته السياسية ومواقفه، شبيهاً بأنظمة المنطقة. وفي
هذا ما يُحوّله رغم فائض قوّته محلياً الى رهينة: رهينة وضع النظام في سوريا ورهينة
احتمالات الحرب أو الصفقة مع إيران، لا بل رهينة الوضع الداخلي الإيراني نفسه
واحتمال تجدد ربيع طهران. كل ذلك من دون الحديث عن تعقيدات الوضع اللبناني.
لكن هل ثمة من يقتنع في الحزب
أو بين مريديه أنه يفيده البحث بعيداً عن "غرور القوة" عن صيغٍ داخلية
تمنع الانزلاق في لبنان الى أوضاع متفجّرة إن تدهورت الأمور أكثر في المنطقة؟ وهل يستطيع
حزب الله أن يحذُو حذوَ حماس فيُعيد التفاوض مع حليفه الأول إيران على إعادة
التموضع و"النأي بالنفس" عن حليفه الثاني النظام السوري؟ لا يبدو ذلك
حتى الآن وارداً، لكن الربع الساعة الأخير قبل سقوط الحلفاء يدفع عادةً العُقلاء الى
اللملمة...
زياد ماجد