صار يُمكِن تلخيص السجالات مع
المدافعين عن النظام السوري، في بعض البرامج التلفزيونية كما في بعض المقالات
ومواقع الانترنت وصفحات الفايسبوك على النحو التالي.
- يُقال لهم إن "أكثر من
450 طفلاً سورياً وحوالي السبعة آلاف مدني قتلهم النظام في الأشهر الأخيرة"،
فيُجيبون "وماذا عن الأطفال والمدنيّين الذين قتلتهم إسرائيل في غزة وقانا
والمنصوري؟"
- ويُقال لهم أيضاً إن
"مئة ألف سوري تعرّضوا خلال الثورة الحالية، لا سيّما في أشهرها السبعة
الأولى السلمية، للاعتقال والإهانة والتعذيب، وأن 20 ألفاً هو رقم الرجال والنساء
الذين يبقون على الدوام قيد الاعتقال"، فيجيبون "ولماذا لا تذكرون أبو
غريب وغوانتانومو الأميركيَّين؟"
- يُسألون إن كان من الطبيعي
برأيهم أن يستلم أب وابنه الرئاسة في "جمهورية" لمدّة قاربت ال42 عاماً
في ظلّ قانون طوارئ وفي ظل استيلاء الأخوة والأقارب على مقدّرات الأمن والاقتصاد
في البلاد، فيردّون "ولمَ لا تتطرّقون الى أوضاع السعودية وقطر؟"
- يُشار إليهم بضرورة الاتفاق
على وجوب طيّ صفحة استخدام قضية التحرّر الفلسطينية لتبرير القمع والاستبداد داخل
المجتمعات العربية، فيردّون "تريدون منّا أن ننسى فلسطين؟ أنتم مع التطبيع!"
- يُقال لهم إن جبهة الجولان هي
الأكثر هدوءاً منذ العام 1974 وإن حديث الممانعة يحمل الكثير من النِفاق بهدف
توظيفه داخلياً وعربياً، فيقولون "سوريا الأسد مستهدفة بالمؤامرات لأنها
الدولة العربية الوحيدة المقاومة لإسرائيل وأميركا".
- يُذكر أمامهم أن الحرية للناس
هي أغلى القيم، فيتساءلون عمّا إذا "كانت فوضى العراق وديمقراطية الناتو هما
الحرية التي يريدها الثوار".
- ويُعلَن لهم إن التخلّص من
الاستبداد هو حقّ للسوريّين والسوريات بعد عقود من المعاناة، فيندّدون بالشيخ
العرعور وبالسلفيين، وبالظلامية المنوي استبدال أنوار البعث الأسدي بها!
هكذا، تتناسل من كل سؤال يُوجَّه
الى المُمانعين مقولات لا علاقة لها بموضوع السؤال، ولا قواسم مشتركة بينها وبين
الأمور التي تدّعي الإجابة عنها، حتّى إذا نفد صبر السائل وقال لهم مثلاً إنه يريد
وقف السجال أو إنه لم يعد يرى جدوى من الاستمرار في الكلام، عاجلوه بالاستفهام
التعجّبي إياه الذي يطرحه عناصر المُخابرات لحظة بدء ركلهم وضربهم للمُتظاهرين: "هاي الحرّية اللي بدكم إياها"؟ ثم يزيدون من عنديّاتهم "وين
الديمقراطية اللي بتحكوا عنها؟ ما بتتقّبلوا رأي الآخرين؟!"
بذلك، تبدو الثقافة السياسية لهؤلاء
محكومة بمجموعة ردود فعل "بافلوفية" (نسبة الى الطبيب الروسي الشهير) محورها
نوبات ترداد لكلمات من نوع "مقاومة – أميركا – الخليج – السلفيون – أبو غريب
– غوانتانامو – مجازر إسرائيل – مؤامرة " تُستعاد كلّ ما ذُكرت عبارة "الثورة
السورية". وهي كلمات تُقحَم في أي نقاش وعلى جميع المستويات.
وبذلك أيضاً، يمكن لراغب في
إعادة تركيب هذا الخطاب الممانع تبديل مواضع الإجابات التي يقدّمها، فيكتشف أن لا
شيء يتغيّر، وأن صاحبها صار لِفرط التشويه الذي أصاب خلايا دماغه مُبرمجاً على قول
الكلام إياه – مع بعض التنويعات – بمعزل عن الموضوع المطروح. وصار غير معنيّ بأن
يقتل نظامه مئات الأطفال وأن يعتقل ذويهم، طالما أن المتآمرين يفعلون الأمر نفسه
في خان يونس؛ لا بل كأنّه يردّ عليهم في بابا عمرو وريف دمشق.
كل هذا يدفعنا للقول إن الثورة
السورية لن تغيّر النظام في دمشق فقط. ستغيّر معه برمجة لغوية وسياسية وذهنية في
المنطقة العربية بأسرها. وهذا عبء إضافي يضاف الى أعبائها. لكنه عبء يُمليه التوق
الى الحرية والتمسّك بحقّ العودة الى الزمن والحياة والانتهاء من كابوس "الى
الأبد" وليله الطويل... "بدّكن حرّية" !؟
زياد ماجد