من المفهوم أن يتحفّظ الثوار
السوريون على المبادرة التي طرحها وزراء خارجية الجامعة العربية في اجتماعهم
الأخير. فالثقة بالجامعة شبه معدومة، والتجربة الأخيرة معها فشلت، إذ سقط في سوريا
في ظلّ سير عمل المراقبين الذين انتدبتهم أكثر من 900 قتيل، وتبيّن أن المراقبين
غير المجهّزين وغير المدرّبين منقسمون على أنفسهم، وأن رئيسهم الدابي ذو ماض مشبوه
يجعله شبيهاً بأهل النظام في دمشق، الذين يُفترض به مراقبتهم. وما التقرير البائس
الذي تلاه البارحة سوى تأكيد للأمر ومحاولة لتبرير أعمال القتل التي تقترفها "أجهزة
الأمن" وشبّيحته.
لكن بعض التدقيق في المبادرة
الجديدة ومؤدّياتها يظهر أنها، وهي المُستنكرة عن حقّ أخلاقياً لتأخّرها بعد كل ما
جرى، مفيدةٌ سياسياً ومتقدّمة على كل ما سبقها عربياً تجاه الوضع السوري، وتُعَدّ
ضربة إضافية للنظام يتلقّاها هذه المرّة من جسم كان يُراهن على تعثّره الكامل
فالمبادرة تعلن بوضوح نهاية مشروعية
بشار الأسد عربياً، وبالتالي نهاية عهد عائلته الحاكمة منذ العام 1970 في "الجمهورية" السورية، وتطلب منه "نقل" السلطة الى نائب الرئيس
وحكومة وحدة وطنية خلال مهلة أقصاها 23 آذار المقبل. وهي بهذا المعنى تستند الى السابقة
اليمنية التي أتاحت نهاية حُكم علي عبد الله صالح (ولَو أن أنصاره بقوا شركاء في
السلطة في المرحلة الانتقالية).
والمبادرة تتحدّث كذلك عن سحبٍ
للجيش الى الثكنات، وإصلاح لأجهزة الشرطة، وتحقيق في الانتهاكات وتعويضات
للمتضرّرين، وسماحٍ بالتظاهر وبعمل الإعلام، وتنظيم انتخابات بإشراف دولي، ثم
صياغة دستور جديد. مما يعني تبنّياً لمطلب "إسقاط النظام" عبر تفكيك
بنيته السياسية وتعطيل آلته القمعية...
لهذه الأسباب، يمكن الجزم بأن
الأسد وأعوانه لن يوافقوا على المبادرة ولا حتى على التفاوض حول بعض بنودها. وسيستمرّون في اعتماد سياسة العنف الهمجي التي اعتمدوها منذ 15 آذار الماضي ضد
المواطنين، رغم عجزهم الواضح عن السيطرة على الأمور، بعد أن جرّدتهم الثورة من
سلطتهم الرمزية ونزعت من الناس الخوف منهم وحطّمت سطوتهم السياسية (وابتزازهم
المعيشي)، ليَصير أداؤهم منذ أشهرٍ فائض عنف، لا أكثر...
على أن الإيغال في الإجرام لن يُجديهم
نفعاً، ولن تحدّ من خسائرهم السياسية لا تقارير الدابي ولا سفاهات الموقفين
الرسميين اللبناني والجزائري، ولا الرهان على موقف روسي صار قابلاً أكثر من أي وقت
مضى للتبدّل نتيجة تيقّنه من استحالة انتصار النظام. كما لن تكفي الأموال
الإيرانية لمدّهم بما يُعيل آلة القتل المتضخمة على الاستمرار الى ما لا نهاية. لقد
دخلوا مرحلة الأفول، وهي عادة مرحلة لا قيامة بعدها.
المهم اليوم تكثيفُ العمل على
محاصرة الأضرار التي سيخلّفها الأفول وأشكالُه... وهذا ما لا يبخل كثر من السوريين
والسوريات في القيام به.
زياد ماجد