Wednesday, July 30, 2014

عن تهجير مسيحيّي الموصل

ثمة مستويات عدّة لمقاربة جريمة "داعش" المتمثّلة في تهجير المواطنين العراقيين المسيحيين من أرضهم في الموصل (وسهل نينوى) الأسبوع الماضي.

المستوى الأول هو مستوى الجريمة ذاتها. مستوى اقتلاع مجموعة بشر من بلدهم وطردهم وما حُكيَ عن وشم ديارهم قبل ذلك بحرف "النون" (نصارى)، تمييزاً دينياً لهم وضدّهم. وفي الأمر بالطبع عدوان على أفراد بوصفهم أبناء وبنات طائفة بعينها، واضطهاد جماعي فظيع.

المستوى الثاني هو مستوى الاستهداف، أي مستوى الاستقواء على "جماعة" ضئيلة العدد معدومة القدرة على الدفاع عن نفسها بعد انهيار "الدولة" المفترض بها حمايتها وحماية غيرها. ويفيد هنا الاستطراد لأمرين. الأوّل أنها ليست المرّة الأولى التي يُستهدف فيها مسيحيّو العراق في السنوات الاخيرة، إذ سبق وطالت موجة تفجيرات كنائسهم وبعض تجمّعاتهم في بغداد وغيرها من المدن العراقية قبل مدة. والثاني أن المسيحيّين في العراق كما في كل المشرق في نزيف ديموغرافي مستمر منذ أربعة عقود، أي منذ قيام أنظمة الاستبداد والطغيان المدّعية "علمنة" أو قومية أو غير ذلك.
على أن المختلف هذه المرّة أن العنف الذي مارسته "داعش" ضدهم يبدو استئصالياً، في لحظة تبديل مؤقّت لخرائط سياسية يتطلّب تكريسها منذ إعلان "دولة الخلافة" مشهديّةَ نزوحٍ لجماعة بأكملها كالتي شهدنا.


أما المستوى الثالث، فهو المرتبط بالسياق الذي وقعت فيه الجريمة. ووضعها فيه لا يهدف بأي شكل من الأشكال الى جعلها "نسبية" أو الى التقليل من هولها ولا الى تبرير أي صمت أو تردّد في الموقف تجاهها وتجاه مرتكبيها. لكن من الضروري التذكير أن أكثر من ثلاثة ملايين عراقي هُجّروا في العقد المنصرم، ومثلهم تسعة ملايين سوري منذ العام 2011، وأن أكثرية هؤلاء من المسلمين السنّة الذي طردهم الاقتتال المذهبي في العراق والقمع الهمجي لنظام الأسد في سوريا، والتنكيل الممنهج لـتنظيم "داعش" في البلدين، الساعي الى "تطهير" المناطق التي يحتلّها من خصومه المسلمين كما من المختلفين دينياً.

وهذا يعني أن التركيز على المسيحيين وحدهم دون سواهم من المهجّرين والنازحين السوريين والعراقيين، إنما يفصلهم عن مجتمعَيهم، ويجعلهم تماماً كما تريد "داعش" ونظام الأسد تصويرهم: جماعة "غريبة" أو معزولة، يبنغي طردها (في الحالة الداعشية)، أو تخويفها ثم ادّعاء طمأنتها وحمايتها (في الحالة الأسدية).

وإذا كان مفهوماً أن الحالات الأقلّوية تثير خشية مصيرية عند "الأقلويّين" وعند من يخاف على "وجودهم" خلال الصراعات، خاصة حين يكونوا مستضعفين، إلّا أن تمييزهم عن سواهم لأسباب محض طائفية لا يخدم حقوقهم ولا حقوق الملايين الآخرين من مواطنيهم وجيرانهم. المنتظرين مثلهم حقّ العودة، والمنتظرين كذلك بعض العدالة...
زياد ماجد