ثمّة ثلاث مسائل تعبّر عنها
حفلة التخوين وحشد الأيقونات والأحذية في النقاش السياسي الذي دار في الأيام
الماضية في بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، بمعزل عن التفاصيل أو
الألفاظ المستخدمة.
المسألة الأولى هي حجم الإفلاس
السياسي والأخلاقي عند ما يسمّى "معسكرَ ممانعة"، هو في الحقيقة مزيج من
بقايا قوميّين وبعثييّن وشيوعيّين كيم إيل سونغييّن مدعومين بحزب إلهيّين، اعتادوا
سابقاً اللجوء الى "فلسطين" كلّما أرادوا تبريرَ موبقةٍ أو تخوينَ
مختلف، فإذا بهم اليوم مطرودون من الواقع الفلسطيني لمراوحة تفاوضٍ بائس فيه
أوّلاً، ولخروج حماس من حلفهم ثانياً (وهي التي ألِفوا الاختباء خلفها)، ولجُبنهم
عن التضامن مع فلسطينيّي المخيّمات السورية الذين يذبحهم النظام الأسدي ثالثاً.
فاستنجد الطائفيون منهم بثارات الحسين وبالسيدة زينب للبحث عن مبرّر وجودٍ
واستمرار قتل وقِتال، فيما هرب "العلمانيّون" (أو مدّعو العلمنة) الى
إبن فيروز ليستقووا بهذيانه المعهود، فلم ينفع، ما اضطُرّه بدوره الى الاستنجاد بأمّه
وبحبّها للسيد حسن نصر الله في لحظة تفرّغ حزب الأخير لنجدة براميل بشار الأسد
وسكاكين شبّيحته، بما عنى - في التوظيف السياسي - حبّاً من فيروز للسيّد في لحظته الراهنة
تحديداً. هكذا، أشهر الممانعون ولههم بالبراميل السورية، فجعلوه يمرّ عبر إبن
فيروز ثم عبرها ومن خلالها عبر السيد نصر الله.
المسألة الثانية هي حجم الوهن الثقافي
وانعدام الثقة بالنفس التي تجعل مُعسكراً، تملك قيادته 70 ألف صاروخ وآلاف العبوات
الناسفة وعدداً من الصحف وقنوات التلفزة والإذاعات والمواقع الالكترونية، يستنفر
طاقاته للردّ على كاتبين أو ثلاثة. فأن يتفرّغ مقارعو الصهيونية والامبريالية
والتكفيرية والمخلوقات الفضائية الى الردّ ليل نهار على فواز طرابلسي وعلى حازم
صاغية، فالأمر مدعاة شفقة في أحسن الأحوال. على أنّه مدعاة تفكير أيضاً تدفع الى
القول إن فعل الكتابة ما زال على ما يبدو مُجدياً لتحطيم مقولات هؤلاء مجتمعين
والتنكيل فكرياً بها. ويُظهر فوق ذلك مدى تيقّنهم من وهنهم وهوانِهم. وإلا، فما
تفسير هوَسهم منذ سنوات بحازم صاغية مثلاً وكَيل كبارهم وغلمانهم الشتائم له رغم
كل ما يملكون، في وقت لا يملك هو غير كتاباته وحيويّته الفكرية وآرائه، بمعزل عن
أي اتفاق أو اختلاف معه عليها أو على بعضها؟
المسألة الثالثة ربطاً بما سبقها،
هي مسألة عجزِ الممانعين عن فهم أنّهم في مواجهة كتّاب عزّل من انتماءات الطوائف
والجماعات والأسلحة والأموال، بما يدفع بعضهم الى الحرج وتعويضه باتّهامات مدجّجة
ببراميل النفط (وأنابيب الغاز). المفارقة أن أكثر مطلقي هذه الاتهامات هم أنفسهم الأكثر
التصاقاً بالنفط واستفادة من ريعه. فمِن بعض المتحدّرين من أصول قومية وبعثية
عاموا على النفط العراقي لفترة، ثم تكالبوا على "كوبونات" مدّهم بها
النظام الصدّامي أيام تواطئه مع الحصار على أطفال العراق وغذائهم، الى بعض المتحدّرين
من اليسار أو المستمرّين في عدد من نُسخه، الذين عاشوا لعقود على أموال منظمة
التحرير الفلسطينية (المحصّلة بمجملها من أموال النفط السعودي والكويتي والإماراتي
والعراقي والليبي والجزائري) أو تخطّوها مباشرة نحو عدد من المصادر، في طرابلس
الغرب والجزائر وبغداد، وصولاً الى من يقتات اليوم من فتات النفط الإيراني
المتدفّق على حزب الله، إعتاش أكثر الممانعين شتماً للنفط وما زالوا يعتاشون اليوم.
النفط بالتالي هو عصب ممانعتهم المالي، من دولها الى مؤسّساتها حيث يكتبون (وهو بالمناسبة
ليس في ذاته شتيمةً، بل في ما نتج وينتج عنه من تشويهٍ لقِيم العمل والانتاج ومن
أشكال ارتزاق).
في المحصّلة، شهدنا في الأيام
الماضية عيّنات إضافية من الإفلاس المدوّي ومن السقوط الذي لا قعر له لمعسكر تجمع
أطرافَه المذهبيةُ والولاءُ لطهران ولمدلَّلِها السوري. وليس من المتوقّع أن يلامس
السقوط أي قعرٍ في المقبل من الأيام.
غنيّ عن القول إن للثورة
السورية فضلاً كبيراً في كشف الساقطين هؤلاء أمام جمهرة كانت ما زالت مغمضة العيون
تجاههم أو مرتبكةً لتعلّق عاطفي بما مثّله بعضهم في مراحل من "حياة سابقة".
وهذا في ذاته سبب إضافي لجعلهم يُمعِنون في كراهية أكثرية الشعب السوري، ويتوقون
لافتداء أحذية مَن وما تبقّى لديهم من أيقونات يريدون توظيفها بأي شكل ضدّ تلك
الأكثرية وضدّ المنتصرين لها...
زياد ماجد