تُتداول في بعض مواقع الانترنت الشيعية، كما تَتردّد في
خطابات رجال دين وسياسة في لبنان والعراق، دعواتٌ للتطوّع والقتال في سوريا للدفاع
عن مقام السيدة زينب و"منع سبيِها مرّة ثانية".
والدعوات هذه، التي انطلقت قبل عام تقريباً وظلّت محدودة
أو مقتصرة على أوساط مرتبطة بحزب الله اللبناني وبعصائب أهل الحق وبعض مكوّنات
التيار الصدري وكتائب حزب الله العراقية، صارت منذ شهرين واسعة الانتشار، واتّخذها
لواء أبي الفضل العبّاس (الجامع مقاتلين من القوى المذكورة ومن مجموعات شيعية
سورية) ثم لواء ذي الفقار (وقوامه الاساسي مقاتلون عراقيون) شعارات تعبويةً تغطّي
القتال الذي يخوضانه (بتكليف إيراني) دفاعاً عن النظام السوري. كما أنها صارت
جزءاً من السردية المذهبية (الشيعية) لمريدي آل الأسد، على نحو يبدو فيه الأخيرون
وكأنهم من آل البيت أو من حُماة مقامات أبنائه وبناته.
وبمعزل عن أن السيدة زينب قد لا تكون أصلاً مدفونة في المرقد
الحامل اسمها جنوب دمشق، إذ تختلف الروايات التاريخية حول مثواها بين القاهرة ودمشق
والمدينة (حيث رجعت بعد مقتلة كربلاء وراحت تؤلّب الناس على جور يزيد، ولم تخرج
منها بعد ذلك، على ما يقول عدد من مراجع الشيعة)، وبمعزل عن أن لا سوء أصاب المقام
وفناءه المشيّد في سوريا منذ عقود طويلة (وهو كان مسجداً يتّخذ اسمها قبل قرون)، تُشير
التعبئة المذهبية للقتال على أساس منع سبي أخت الإمام الحسين الى مفارقتين.
المفارقة الأولى، أن هوية انخراط اللبنانيين والعراقيين
في القتال السوري صارت مذهبية سافرة، بعد أن كانت مضمرة. ولم يعد هناك كلام عن
المؤامرات الإمبريالية والمكائد الصهيونية وسايكس بيكو ولا عن أنابيب الغاز وباقي
"عدّة الشغل" التي اعتمدها "الممانعون" بأنواعهم المختلفة على
مدى عامين.
والمفارقة الثانية، أن مقاومة السبي صارت تتمّ في النبك
بعد أن كانت في القصير وبينهما في نبّل والزهرا (قرب حلب). وهي بذلك بعيدة كلّ
البعد عن موقع السبي المفترض وعن حمَلة السيوف المُتخيَّلين، التوّاقين إليه.
مقام السيدة صار إذاً منطلق تكفير لأكثرية الشعب السوري
إذ يُصوّر وكأنه يثور منذ ألف يوم لسبي زينب مرّة ثانية! ومقام السيدة صار أيضاً "حائط
مبكى" شيعياً في سوريا. فهو يؤمّن الغطاء المذهبي للقتل (الوقائي)، ويستثير
مظلوميات تاريخية لافتعال معارك دفاعٍ عن آل الأسد.
لكن لا يبدو أن المعارك هذه ستنتهي قريباً، ولا أن
نهاياتها ستكون شبيهة بالبدايات، لا في سوريا ولا في العراق ولبنان...
زياد ماجد