يمكن
لمن يُقيمون في عواصم غربيّة ويحتكّون بجمهور عام ليس بالضرورة صاحب انتماءات أو
مواقف سياسية أو إيديولوجية، أن يلاحظوا أنّ الدفاع عن القضية الفلسطينية والحديث
عن انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي وسياساته العدوانية أسهل اليوم من الدفاع عن
الشعب السوري والحديث عن جرائم النظام الأسدي في حقّه.
فثمة تآلف "غربي"
منذ سنوات مع الوضع في فلسطين حيث توصيف "الاحتلال" لم يعد موضع جدل
كبير، وحيث عدد ضحايا "العنف" محدود، وحيث المستوطنون يتمّ تعريفهم
بالمتطرّفين وتُلام الحكومة الاسرائيلية التي تشجّعهم وتمتنع عن تطبيق القرارات
الدولية. وقد أتى تصويت دول أوروبية لفلسطين في الأونيسكو وامتناع دول أُخرى عن
التصويت ضدّها رغم كل ضغوط الإدارة الأميركية ليؤشّر الى هذا التآلف الذي لم يعد
يخشى التعبير عن نفسه، ولو أنه غير قادر بعدُ على التأثير الكبير في مآلات الصراع
الفلسطيني الاسرائيلي
في
المقابل، لم يتآلف كثر من "الغربيّين" حتى الآن مع الحدث السوري بوصفه
ثورة ضد طاغية، وما زالوا يستغربون أن تكون أموره في جوهرها بهذه
"البساطة" أو الوضوح خاصة في ظلّ صور الدمار والقتال وأخبار الجهاديّين
الذين يحتلّون موقع الصدارة من الأخبار بوصفهم "أعداء الأسد".
على
أن للأمر أسباباً أُخرى لدى العامة من الناس، غير قضية الجهاديين أو قضايا الخوف
من الإسلاميين (أو المؤامرات التي يهجس بها كثرة من اليساريّين).
من
هذه الأسباب أن وضعاً سورياً بهذه الدموية لا يمكن ألّا يكون فيه مصالح لقوى دولية
لا يتمّ الإفصاح عنها، ومن الأفضل عدم تصديق ما يُقال في ظلّ "إخفائها"،
ولا حاجة بالتالي لأخذ موقف لأن الواقع "بلا شك معقّد" وعصيّ على الفهم.
الثاني،
ربطاً بالأول، خلوّ المخيلّات "الغربيّة" من كلّ قدرة على تصوّر ممارسات
العنف البربري لنظام ضد "شعبه" و"بلده" في القرن الواحد
والعشرين. لذلك، يبدو القول في تجويع النظام الأسدي لمدنيّين ومدنيّات مثلاً
وضربهم بالكيماوي وتعذيب أسرى بالسكاكين وتحطيم عظامهم وقصف أطفال بالطائرات
وصواريخ السكود بالنسبة للسامعين ضرباً من ضروب المبالغات أو تعميم استثناءات على
سلوك حُكم لا يمكن أن تكون له مصلحة في تدمير دولته ومجتمعه.
السبب
الثالث، صعوبة تصديق أن دعماً خليجياً لطرف سياسي في بلد ما يمكن أن يرتبط بقضية
ديمقراطية وحرية وكرامة. فصورة دول الخليج شديدة السلبية، والارتباط بها يثير
الشكوك حول المرتبط وحول أسباب الارتباط.
أما
السبب الرابع، فهو رغبة واعية أو غير واعية برفض تصديق الأخبار عن الأهوال التي
تجري في سوريا. ذلك أن تصديقها والإقرار بالمسؤوليات حول وقوعها يجعل رفض التدخّل
لوقف الجرائم موقفاً لا أخلاقياً ولا تفسير غير سياسيٍ له، خاصة أنه غير مستحيل التوقّع.
زياد ماجد