Tuesday, September 1, 2009

فزّاعة التوطين


تحتاج كل تعبئة، خاصة إن كانت طائفية، الى نظرية مؤامرة تغذّيها وتبرّرها وتسمح لها بخوض معاركها.
ويبدو "التوطين" هذه الأيام "المؤامرة" الأكثر رواجاً وتوظيفاً للتعبئة ولخوض بعض الصراعات الداخلية.
فالعماد ميشال عون ومريدوه لا يتركون مناسبة من دون الإشارة الى هذه المؤامرة والى تصدّيهم لها، وهو التصدّي الذي يتسبّب بحسبهم بحرب كونية ضدهم. حتى أن أحدهم ذهب مرة الى حد "اكتشاف" أن سلاح حزب الله هو لمنع التوطين وأن المطالبة بنزع هذا السلاح هي مطالبة بالتوطين…
غير أن القضية لا تقتصر على البيئة السياسية العونية، ولو بدت أبرز اختصاصات الناطقين بلسانها. فثمة في 14 آذار من يهجس بالموضوع أيضاً مزايدةً على العونيين أو انتماءً الى ذاكرة السنوات الأولى من الحرب الأهلية الأليمة. وثمة في البيئة الحزب إلهية – الأملية – القومية (الزاعمة على الدوام مناصرة القضية الفلسطينية) من يحذّر من الأمر نفسه ويربطه بالديون الخارجية المستحقة على لبنان وبشروط الدائنين والهيئات الدولية المشاركة جميعها في "المؤامرة".
لكننا لا نقع عند أحد من كل هؤلاء على شرح لماهية التوطين ولشروطه وليومياته، وذلك بعد انقضاء 61 عاماً على وصول اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان وإقامتهم فوق أراضيه.


فإن كان التوطين يعني منح الجنسية لحوالي 350 ألف فلسطيني (مع ما يعنيه الأمر ديمغرافياً-مذهبياً، وهنا ربما جوهر الموضوع)، فلا أحد يمكنه أن يفرض ذلك لأسباب عديدة مرتبطة بآلية اتخاذ القرارات في المؤسسات اللبنانية وضروة التوافق شبه العام فيها، وهو ما لا يمكن أن يحصل في موضوع مشابه.
وإن كان التوطين يعني منح الفلسطينيين حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية، فهذا أقل ما ينبغي فعله لتنظيم شؤون لاجئين يعيشون في لبنان إنطلاقاً من الاتفاقيات الدولية ومن شرعة حقوق الانسان. ويمكن اتخاذ إجراءات تقوم على منح الفلسطينيين إقامات تخوّلهم العمل والتنقّل والتملّك ضمن الحدود القانونية السارية، من دون أن يعني ذلك إعطاءهم الجنسية (وبالتالي تغيير التركيبة الديمغرافية والانتخابية اللبنانية) أو التأثير على قرارهم بالعودة الى فلسطين في إطار حل في المنطقة (لا تبدو تباشيره قريبة في أي حال).
هذا مع العلم أن كثراً من الفلسطينيين يتمنّون الهجرة من لبنان نحو بلاد تتيح ظروفاً معيشية أفضل إذا تعذّرت عودتهم الى بلادهم.
أمّا إن كان التوطين شعاراً طائفياً وعنصرياً يُرفع للتغطية على المشكلة الفعلية التي يفترض أن تُثار ضمن مقاربة شاملة للمسألة الفلسطينية في لبنان، وهي مشكلة السلاح الفلسطيني، فالأمر يستحق بعض الملاحظات.
ذلك أن معظم من يتحدث عن التوطين وعن أشباحه، لا يشرح لماذا لا يصرّ على جمع السلاح الفلسطيني الموجود خارج المخيمات، في الناعمة وعلى الحدود اللبنانية السورية بقاعاً. كما أنه لا يعرض لخطّته لمنع التوطين ولمعالجة مشاكل المخيّمات ومنع المطلوبين من التسلّل إليها وتحويلها بؤراً أمنية تهدّد أبناءها وجيرانهم.
بهذا المعنى، يبدو التحذير من التوطين بحثاً عن تعبئة ضد لاجئين وجدوا أنفسهم منذ ستة عقود في لبنان بعد أن هُجّروا من أرضهم، ويبدو في الوقت عينه تغطية لسلاح يحمله البعض منهم لأسباب غير مبرّرة. والأهم، صار التحذير وكأنه تبرير لسلاح آخر، لبناني أهلي، إن من خلال ربطه بمقاومة التوطين، أو بمقاومة المتؤامرين لفرضه.
وبهذا المعنى أيضاً، تبدو الشرعية وسيادة الدولة اللبنانية على أراضيها، كما تبدو حقوق الإنسان وكرامات اللاجئين وعيشهم، شؤوناً لا تعني "مقاومي" التوطين الافتراضي ولا تهمّهم...

زياد ماجد