يسجّل النظام السوري منذ فترة محاولة عودة في سياسته الخارجية الى أسلوبه القديم والى بحثه عن أدوار متوازية كان يلعبها على مدى ثلاثة عقود خلت.
فبعد عامين عصيبين عليه في ال2005 وال2006 إثر اغتيال الرئيس الحريري واضطراره لسحب جيشه من لبنان وبدء التحقيق الدولي عمله، تنفّس نظام دمشق الصعداء تدريجياً ابتداء من العام 2007 مستفيداً من تفاقم المأزق الاميركي في العراق وحاجة الأميركيين الى تنسيق حدودي معه، ومن الرغبة الاسرائيلية في استقراره خوفاً من البديل المجهول على حدود الكيان العبري الشمالية، ومن الدعم التركي له الهادف الى إبقاء أكراد سوريا بعيدين عن أكراد العراق والمحافظة على جار جنوبي موالٍ ومريح. كما استفاد من حربي تموز 2006 في الجنوب اللبناني ثم كانون 2009 في غزة وما رافقهما وتلاهما من ارتباك دول ما يسمّى بمحور الإعتدال العربي ومصالحة بعضها له، ومن الانفتاح الأوروبي عليه والفرنسي تحديداً مع وصول ساركوزي، ثم من نهاية ولاية جورج بوش وعودة السياسة الأميركية الى البراغماتية بعد مرحلة إيديولوجية طويلة، فقرّر بدوره العودة الى أسلوب العمل الذي كان الرئيس الأسد الأب كرّسه طيلة سنوات حكمه.
ما هو هذا الأسلوب؟
يمكن تعريفه بوصفه تموضعات يسعى النظام السوري من خلالها الى إيجاد الحاجة الدولية لدور له في التوّسط لحلحلة مشاكل إقليمية (يتسبّب هو نفسه بخلق بعضها) بهدف قبض ثمن الحلحلة أو مقايضة الثمن المذكور بأمور أخرى تضمن للنظام إكسيره.
وللمراقب أن يتذكّر أن الأسد الأب كان صديقاً للاتحاد السوفياتي وساعياً في نفس الوقت الى فتح كل الخطوط مع الأميركيين، ثم حليفاً رئيسياً لإيران في حربها مع العراق وركناً من أركان "الثلاثي العربي" (الذي ضمّه الى السعودية ومصر، بعد مروره في "جبهة الصمود والتصدي"). وكان نظامه مساهماً في نشر الفوضى في لبنان ووسيطاً لتهدئة الأمور فيه، ومسهّلاً لخطف الأجانب في بيروت ثم مرسالاً بين دولهم والخاطفين.
واليوم، بعد ما يبدو انتهاءً لسنوات عزلة بدأت أميركية عام 2003 ثم صارت دولية وخليجية ومصرية بعد عام 2005، عاد النظام الى قديمه.
يتيح انتخاب رئيس جمهورية في لبنان بعد تعطيله الأمر لأشهر طويلة مقابل التطبيع معه، يدّعي القدرة على ضبط حزب الله وحماس واصطحابهما الى طاولة المفاوضات ويؤّمن الدعم اللوجستي والعسكري لهما، يترك الغرب يراهن على إمكانية فك ارتباطه بإيران شرط ضمان مستقبل حكمه ثم يؤكد ثبات تحالفه مع الجمهورية الإسلامية وقدرته على التأثير إيجاباً فيها وإفادة الغرب نفسه من تحالفه هذا (ولعلّ وساطته للإفراج عن الموظفة في السفارة الفرنسية في طهران والمدرّسة الفرنسية في إصفهان رسالة أراد توجيهها في هذا الاتجاه وحصل على شكر فرنسي حار لقاءها!)
والأهم، يدعو لحلف إيراني تركي سوري عراقي، ولا يمانع من حلف مواز مع السعودية ودول الخليج.
قد يكون الجواب عن السؤال برسم ما سيجري في الأشهر القادمة بين إيران وإسرائيل والغرب في الشأن النووي وارتدادات ذلك عربياً ودولياً.
في الإنتظار، يدفع الشعب السوري ثمن ارتياح النظام المؤقت الى وضعه ونسيان عواصم "حقوق الإنسان" للسجناء السياسيين القابعين في زنزاناته.
ولاحقاً قد ندفع نحن اللبنانيين الثمن، إن لم تتشكّل السلطات السياسية وتتحصّن المؤسسات الأمنية. ذلك أننا اعتدنا أن يُصرف عندنا كل فائض في "نجاح" النظام السوري، كما كل فشل ذريع...
زياد ماجد