يصعب توصيف البلاء الذي أصاب قطاع غزة منذ سنوات
حصار إسرائيلي، وإقتتال بين حركتي فتح وحماس حسمته الأخيرة ففصلت القطاع عن الضفة وعن "السلطة" الفلسطينية، ومقاطعة دولية وعزل اقتصادي وسياسي، ثم حرب إسرائيلية مدمّرة، فاشتباكات داخلية وقمع وفرض لقوانين ظلامية، واليوم نزاعات متنقّلة وتصفية دموية لتنظيم يُقال إنه سلفي جهادي أعلن "الإمارة" ورفض التسويات.
ويصعب النظر الى ما يجري في غزة خارج منطق النزاعات الأهلية المفتوحة على احتمالات الانهيار الكامل.
فأن تُهاجَم عائلات ويُنكَّل بشبّانها بحجة انتماء سياسي متّهم بالسعي لتهديد "الأمن"، وأن تُطلَق النيران خلال الحرب الإسرائيلية وبعدها من "مسلّحين" على مواطنين لتأديبهم بحجة امتلاكهم السلاح، ثم أن يُبحث في إلزامية "الحجاب" وفي سبل نشر "الفضيلة" وفرض "مقتضياتها" على الناس ومعاقبة "المسيئين" لها منهم، تبدو الأحوال الغزاوية سائرة نحو سيناريوهات مرعبة لا تشكّل المعارك الأخيرة بين حماس وجند أنصار الله سوى أحد تجلياتها.
ذلك أنه لا قعر للانهيار حين يعتبر المسؤولون عنه والساقطون مع ركامه أنهم فوق القانون إذ يطبّقون الشرع، وأنهم "نخبة مصطفاة" يمثّلون الحق ولا يحتاجون للتفاوض مع أحد على شراكة وتعاقد في تدبير شؤون قضية أو أرض أو بشر.
كما أنه لا قعر للإنهيار حين يصبح التعاطي مع السياسة والاقتصاد مستنداً الى شعارات من عالم الماورائيات لا حسابات فيها ولا دراسات جدوى ولا تحديداً واضحاً للمصالح والتطلّعات.
*****
لخّص بكلمات معدودة مأساة تغييب العقل وتغليب الغيب على العلم، ومأساة ازدراء الدولة. الدولة التي تحوّلت تفصيلاً لا قيمة له فوق أرض "الوقف" والقتال والموت. والدولة التي لا يظهر في غيابها غير شبح "الصوملة" يحوم جالباً الخراب، والدمار الشامل...
زياد ماجد