Tuesday, August 11, 2009

أربع قضايا لمرحلة جديدة

لا يمكن اعتبار الخروج المتوقّع للنائب وليد جنبلاط من تحالف 14 آذار (بمعزل عن تقييم توقيت الخروج وأسلوبه) سوى نهاية مرحلة. مرحلة كان يفترض في أي حال إنهاؤها بعد الفوز بالانتخابات في 7 حزيران والردّ ديمقراطياً على 7 أيار. إنهاؤها من خلال التأكيد على الشعارات الاستقلالية والاستقرارية التي أنتجت انتصاراً في صناديق الاقتراع، والإعلان عن بدء البحث الجدّي ليس في إعادة تشكيل السلطة التنفيذية فحسب، بل أيضاً وأولاً في أربع قضايا أثبتت السنوات الماضية استحالة القفز فوقها، وصارت تتطلّب مقاربة أبعد من الاصطفاف وفق شعارات تحقّق بعضها بعد نضال وصمود وتضحيات، فيما يرتبط البعض الآخر بالقضايا الأربع التي نقصد.
- القضية الأولى هي تحديد موقع لبنان في المنطقة ودوره فيها وسبل التعبير عن هذا الدور. وفي ذلك ما يؤدّي الى ترجمة مقولات كمثل "العروبة" و"الممانعة" و"الدفاع عن الأمة" أو "لبنان أولاً" و"محور الاعتدال" وغيرها الى خيارات واضحة في السياسة الخارجية وتعهّداتها، بما فيها الحربي، وفي التوجّهات الاقتصادية والقانونية التي تمليها المواقع والأدوار المختلفة. وليُتفّق عندها على ما يمكن اعتباره قواسم مشتركة. فإن تعذّر ذلك، أمكن على الأقل التلاقي حول شكل الانخراط التزاماً بأي موقع، وحول تغليب الديبلوماسية والإعلام على سواهما في هكذا انخراط.
- القضية الثانية هي سيادة الدولة فوق كامل أراضيها وامتلاكها حصرياً قرارات الحرب والسلم، وما يقتضيه الأمر من حوار طويل (وهادئ) مع حزب الله بشأن سلاحه الواجب وضعه تحت أمرة مؤسسات الدولة (التي يشارك أساساً فيها)، وفق المتفق عليه من تحديد لموقع لبنان في المنطقة، أو لشكل انخراطه في "شؤونها".

- القضية الثالثة هي صيغة النظام السياسي التوافقية المعتمدة منذ العام 1943، ومدى قدرتها على الاستمرار في استيعاب التبدّلات وتلبية المطالب المتزايدة للمذاهب والجماعات. وربطاً بذلك، البحث في أي إصلاحات يحتاج إليها النظام في لبنان بعد كل الأزمات التي عصفت به، والتي تداخل فيها الخارج بالداخل على الدوام، فأنتجا قسمات غالباً ما استندت الى خطوط فصل طائفي، استتبعتها إعادة توزيع للسلطة ولأحجام المشاركة فيها بهدف الطمأنة أو الاحتواء أو تغيير التوازنات. وهذا ما شجّع دورياً كل طرف رئيسي على المطالبة بتوسيع مشاركته وتعديل حصصه (وبالتالي حصص الآخرين) إن اعتبر الظروف – خارجية كانت في منطقة لا استقرار فيها، أو داخلية – مؤاتية.
- القضية الرابعة هي المسألة الاجتماعية الاقتصادية، وهي مسألة ضاغطة بعد أن ضاعت على لبنان بإمكاناته الذاتية المحدودة ثلاث فرص للاستفادة من الطفرات النفطية (في العام 1975 مع اندلاع حربه الأهلية، وفي بداية الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم في السنوات الخمس الأخيرة)، وبعد أن تفاقمت مدينونيّته في عالم مأزوم اقتصادياً، وبعد أن تحوّلت الزبائنية في إداراته ومؤسساته الى عنصر كبح لإمكانات التحديث. ويُعطف على ذلك طبعاً موضوع توزيع الدخل وخلق الوظائف والسعي للتنمية المناطقية المتوازنة، تخفيفاً لضغط على الدولة وعلى المواطنين مرشّح للتصاعد ما إن تتقلّص المساعدات والهبات والتحويلات من الدول والهيئات الأجنبية، ومن اللبنانيين المقيمين في الخارج.
يمكن أن نضيف الكثير من القضايا إن أردنا بلورة أجندة إصلاحية لبناء الدولة وتكريس الاستقرار. من قضايا المرأة وحقوق الانسان الى قضايا البيئة والعمران مروراً بكامل ملفات قوانين الانتخاب واللامركزية الإدارية واستقلالية القضاء والتعليم العام... لكن الأمر قد يصير أشبه بالرفاه النظري المُشيّد على واقع متهالك لا نملك سبل تدعيمه، إلا إذا قرّرنا البدء بالحوارات الجادة، خارج المناوشات البليدة والحسابات العقيمة.
زياد ماجد