Tuesday, September 8, 2009

مَن للنظام السوري في لبنان؟

تظهر التطوّرات الراهنة أن النظام السوري يستطيع استخدام أوراق إقليمية عدة لتخفيف الضغط الدولي عليه، لكنه يفتقر الى أي قاعدة شعبية في الدول التي يجد فيها هكذا أوراق، مما يجعله عاجزاً عن الحسم في ملفاتها. وهذا يدفعه، من خلال العودة الى ما أسميناه في مقال سابق "بسياسات الأب"، الى تقديم العروض المتناقضة لكسب الوقت ولكن من دون قدرة فعلية على إتمام الصفقات.
ذلك أن "كفاءة" النظام في توتير الوضع العراقي والسماح بتسلل "الجهاديين" وبقايا البعثيين الذين يحتضنهم الى بغداد لا تترافق مع ولاء له داخل العراق ترفعه فئات ضيقة أو واسعة من العراقيين وتفاوض خصومها على أساسه، واستضافته قيادة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية في دمشق وتأثيره فيها لا تجعل منه قبلة أهل غزة يبايعونه قبل بحثهم في أي شأن داخلي أو إسرائيلي؛ والأهم، أن اختراقه مخابراتياً للكثير من المؤسسات اللبنانية التي أدارها لعقود وقدرته على الضغط الأمني لا تترافق مع غرام شعبي فيه، ولا مع تسليم مفاتيح الحل والربط له حتى في الأوساط التي تؤمّن له اليوم الغطاء وتسمح له بالحضور السياسي المباشر على الساحة الوطنية.
وقد أظهرت الانتخابات النيابية الأخيرة أن أياً من حلفاء النظام السوري لا يستطيع الفوز بأي مقعد في لبنان خارج المناطق ذات الأكثرية الشيعية. وحتى في تلك المناطق، فيجب أن يقبل حزب الله بضمّه، وهذا يتطلّب موافقة إيرانية مستندة الى مستوى التحالف مع سوريا وليس الى تفويضها الشأن اللبناني أو الإقرار بحضورها "الجماهيري" شيعياً.
وإن كانت زغرتا تناقض ما ذكرناه (وما أثبتته على الأرض نتائج راشيا والبقاعين الغربي والأوسط ثم الجبل الجنوبي فبيروت وطرابلس وعكار والمنية والضنية وسائر الشمال حيث لم يفز واحد أحد من مرشحي دمشق)، فإن نسب الأمور في تلك المنطقة الى العلاقة بسوريا تبسيط يلغي فهم الحيثيات المحلية وطبيعة الزعامات العائلية. وحتى في المناطق حيث فازت اللوائح العونية بمعظم المقاعد، فإن الخرق الذي حصل فيها كان على حساب المرشح الأقرب الى سوريا (أي القومي في المتن)!

وهذا الضعف الشعبي هو على الأرجح ما يفسّر بعض المشاهد اللبنانية هذه الأيام، ويبرّر عدم وقوع دمشق - عند الحديث عن عمل متجدّد للمحقّقين الدوليين في بيروت مؤخراً - على أي سياسي لبناني وازن يهاجم المحكمة الدولية بالنيابة عنها. فحزب الله يتعاطى مع الموضوع منذ تقرير "دير شبيغل" بحذر وبتنسيق مع طهران حصراً، والعماد عون يدير معركة حجمه في السلطة ولا يريد التعاطي في ما قد يؤذي معركته، والرئيس بري يؤاثر الترقب والصمت. بذلك، لا يبقى غير ضابط سابق (مشتبه به) وسياسيين ثانويين ليشتموا المحكمة ويرفعوا الهجاء والصراخ في وجهها. المفارقة أن الضابط السابق كان يتوعّد قبل الانتخابات وقبل هزيمة سوريا وحلفائها في 7 حزيران باستلام وزارة العدل وإدارة مختلف الملفات (بما فيها طبعاً ملف المحكمة)، فصار جلّ ما يطلبه اليوم أن يحاسب سعد الحريري بعض القضاة الذين يتظلّم من سجنهم له!
غير أنه من الضروري التنبّه الى أن الضعف الشعبي لا يعني بأي شكل ضعفاً لإمكانيات إثارة الشغب وإيقاع الضرر والتخريب لاستجلاب العروض أو تقديمها.
فالإرهاب والتعطيل من أسهل الأمور، أما الفرض والتسيير فهما من المؤشرات الى مواطن النفوذ الحقيقي. وهذا عادة ما لا يستطيعه إلا القادر على بتّ الصفقات وليس الداخل فيها مضارباً أو لاهثاً للعودة الى "تكتيكات الماضي" بأكثر رموز هذا الماضي بهتاناً...
زياد ماجد