لم يؤثّر شخص في لغة
جيل كامل (أو جيلين) من اللبنانيين كما أثّر زياد الرحباني. كانت مفردات مسرحياته،
كما بعض كلمات الأغاني التي كتبها ولحّنها، مستوحاة من كلام فئات من الناس راقبها
وعاش معها وعبّر بمزاجيّة ثاقبة عن عقليّتها، ثم اعتمدها في قوالب مسرحية تُحاكي
كلَّ واحد منّا وتذكّره بورود ما يشابهها مرّة على الأقل في علاقاته وأفراحه ومتاعبه.
وهو فوق ذلك، حوّلها الى تعليقات أو لازمات أغنيات أضحكتنا لدرجة أنها صارت مرجعاً
في حالات كان يمكن أن تكون غليظة الوطأة لولا تذكّرها.
فمن منّا لم يعلّق على
شخص يتأخّر دائماً في المشاركة في حديث أو يعود لذكر ما جرت الاستفاضة بنقاشه
وكأنه لم يكن حاضراً أو لم يفهم شيئاً ممّا سبقَ ذكرُه بحضوره: "وأيمتى جايي
الحكيم؟" نقول له، والقول يكفي ليشرح الوضع بأكمله (من مسرحية "فيلم
أميركي طويل").
ومن منّا لم يقل أو
تمنّى أن يقول لمتذاكٍ يريد تعديل عنوانٍ أو شعارٍ غير موفّق اقترحه سواه، أو يريد
أخذ مكان شخص لم يكن إداؤه مُرضياً، فإذا بالعنوان أو الشخص القديم أفضل بكثير منه
كبديل: "خلّيك خلّيك روجيه" (من مسرحية "شي فاشل"). ومن لم
يُشارك نصيحة مدير المسرح "الأرمني" الذي أشار لمدرّب الرقص بأنه إن
أراد إبداء ملاحظة لجوزف فعليه أن يعطي واحدة مباشرة من بعدِها لعبد تجنّباً لأي
تأويل (من "شي فاشي" أيضاً). ثم هل من "ليلة وضواحيها" يمكن
ذكرها من دون تذكّر أبي الجواهر ورشيد "ملك الساحة اللبنانية عَ بياض" الذي
بدا مقتنعاً أن "الناس عم يستغلّوا الزعما والزعما معتّرين" (من
"فيلم أميركي طويل")... طبعاً يمكن إضافة الكثير وتذكّر النماذج التي
ظهرت في مسرحيّاته والتي نصادفها في حياتنا اليومية، مثل مزيج السوقية والظرف في "يا
أرض احفظي ما عليكِ يقبش" (من "بالنسبة لبكرا شو")، أو كل ما يمكن
أن يحيط بتسريحة شَعر "الست هند" اللي "شوي عالية"، أو في ما
خصّ النقد الفنّي المتحذلِق الذي يخترع أحياناً أموراً لا أساس لها في العمل
المعنيّ، كما حين تسأل الناقدة الفرنكوفونية الرسّامةَ الشابة (في "شي
فاشل") عن مغزى تكرار الدائرة في لوحاتها، فيتبيّن أنها بسبب
"الجرّة" التي وضعها أحدُ الممثّلين خطأً فوق اللوحات، فخلّف قاعها الرطب
دوائر أضرّت بها وعلّمت عليها جميعها.