Monday, December 30, 2024

العام 2024: استمرار حرب إبادة ونهاية نظام إبادة

يندر أن تتلاطم الأحداث في سنة واحدة على هذا النحو الاستثنائي الذي شهدناه في آخر العام 2024.

ففي عشرة أيام، ترنّح نظام الأسد في سوريا ثم سقط وهرب رئيسه تاركاً خلفه مقابر جماعية وسجوناً وتماثيل ومرتزقة جاهزين لتبديل الولاءات.

سبق ذلك وقفٌ لإطلاق النار في لبنان بعد تدميرٍ وقتل وخرابٍ أصاب مدناً وبلدات وآلافاً من البشر.

وسبق ذلك أيضاً ورافقه واستمرّ من بعده إمعان إسرائيلي في الإبادة الجماعية في غزة، وسط صمت أو تواطئ عالميّ أو استنكارات لم يعد لها معنى أو طائل، رغم تطّور مهمّ يجدر ذكره ويرتبط بمسارات عدالة دولية مستقلّة.

سوريا: الحقّ في أن نفرح وحسب

يمكن أن نكتب اليوم، كمعنيّين وباحثين في الشأن السوري، عمّا ينتظر سوريا في المقبل من الأيام والسنوات من تحدّيات ومن تعامل مع مسائل وألغام خلّفها النظام الأسدي البائد. ويمكن أن نحافظ على حذر المراقبة ومسافة النقد اللازم تجاه كل تطوّر قد يحصل أو كل إجراء قد تتّخذه السلطات الجديدة في دمشق.

ويمكن أن نخوض في أفكار حول سُبل التعامل مع "المسألة الكردية "ومخاطر الاشتباك المُحتمل في الشمال الشرقي لسوريا، وأن نفكّر بشكل النظام الجديد ودستوره وحدود لامركزيته الضرورية لإدارة التنوّع والتعدّد وبعض مؤدّياتهما الترابية.

ويمكن أن نتحدّث عن أهمية العمل لرفع العقوبات الأميركية والأوروبية على الدولة السورية وإنهاء آثارها والشروع في ورش إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، وعن حلّ مشاكل الملكية الخاصة والعامة داخل سوريا بعد اختلاسات النظام المخلوع وممارساته وما تخلّلها من سطو ومصادرة وإتلاف مستندات. 

Sunday, December 15, 2024

سقوط "الأسد والأبد" وسجونهما

طوى السوريون قبل أسبوع صفحة من تاريخهم وتاريخ المنطقة والعالم استمرّت أكثر من نصف قرن. صفحة ما سُمّي بسوريا الأسد، أي تلك التي قامت على أساس احتكار السلطة بالقوة من قبل عائلة استندت في حكمها الى سبعة أركان.

الركن الأول هو ذاك المرتكز الى أجهزة مخابراتية وأمنية ووحدات عسكرية في الجيش، شديدة الولاء من خلال قادتها للعائلة الأسدية، وشديدة البطش دفاعاً عنها وعن نفسها وعن مكتسباتها، وشديدة التحسّب أيضاً لاحتمالات الانقلاب العسكري عليها. ولعبت خبرة حافظ الأسد في تكوين هذه الأجهزة والوحدات دوراً أساسياً وهو القابض على السلطة بعد ثلاثة انقلابات شارك في اثنين منها (في العامين 1963 و1966) وقاد الثالث (في العام 1970) مطيحاً (قتلاً أو سجناً) بكل من يمكن أن يهدّد سلطانه المطلق.

Thursday, December 5, 2024

أسئلة التصعيد العسكري في سوريا

تثير التطوّرات الميدانية المتسارعة في سوريا منذ أيام عدّة أسئلة حول أسبابها وتداعياتها وعلاقتها بمجموعة عوامل خارجية وداخلية.

ذلك أنه بعد سنوات من تراجع القتال وتثبيت السيطرة الترابية لكلّ طرف بتوافق روسي وتركي وإيراني (وبقبول أميركي)، ورغم بعض الخروقات وعمليات القصف التي نفّذتها قوات النظام ضد مدن وقرى ومخيّمات نازحين في الشمال الغربي، جاءت هجمات فصائل المعارضة وجبهة "فتح الشام" المتواصلة لتنهي "تجميد الصراع" بموجب ما عُرف بمسار آستانة، وتُبدِّل الواقع الميداني على نحو سريع ودراماتيكي.

فخلال أيام معدودة، انهارت مواقع الجيش السوري في أكثر من محور عسكري، وتغيّرت "الحدود" الداخلية، وأظهرت الخرائط التي تُتابع مباشرة أحوال الرقع الجغرافية التي تتحكّم بها الأطراف المتقاتلة تقدّم المعارضين و"فتح الشام" في عشرات البلدات ووصولهم بعد استعادة سراقب الى قلب مدينة حلب وسيطرتهم على قواعد عسكرية وعلى مطار أبو الظهور وعلى مساحات واسعة تُحيط بطريق دمشق حلب السريع.

فيروز والمخلوفي والحمراء وبيروت التسعينات

لا تستدعي تسعينات بيروت، بين نهاية الحرب الأهلية العام 1990 واندحار الاحتلال الإسرائيلي العام 2000، استذكاراً نوستالجياً لأحداثها أو لمآلات تطوّراتٍ سياسية واقتصادية وإعمارية وحربية حصلت خلالها. لكنّها تستعدي بلا شكّ استذكاراً للجهود وللبهجة والدهشة التي عرفتها ولألوان أمكنةٍ أليفة زالت، ويبدو كما لو أنها لم ترافقنا في حياتنا اليومية على مدى عقود. 

Sunday, November 17, 2024

هل يمكن الحديث اليوم عمّا بعد حرب غزة؟

تَطرح أدبيّات رائجةٌ في علوم السياسة و"حلّ النزاعات" آلياتٍ وديناميّات مختلفة لوقف الحروب أو الصراعات المسلّحة، وتقترح مساراتٍ ومصالحاتٍ أو تسويات أو إعادة إعمار أو إدارة انتقالية للمناطق التي حلّت بها نكبات أو كوارث إنسانية بسبب القتال والتدمير والخراب. ويزعم المدافعون عن هذه الجوانب والمروّجون لها أن التعامل مع تحدّيات "اليوم التالي" للصراع هو المنطلق السليم الوحيد لتجنّب تكرار الظروف التي تُفضي الى تجدّده أو الى صراعات أُخرى قد تتناسل منه.

غير أن مسائل "اليوم التالي" وسبل حلّ النزاعات ومساراتها تفترض بالضرورة أموراً ليست أطرافُ كثرةٍ من الصراعات في عالم اليوم معنيّة بها. فهي تفترض مثلاً أن مؤدّى كل صراع هو إقرار أحد أطرافه باحتمال هزيمته، وسعيه بالتالي للتفاوض قبل الانكسار أو الاضطرار لاحقاً للقبول بشروط تزداد مع مرور الوقت سوءً. وهي تفترض أيضاً "عقلانية" في سلوك الأطراف المتصارعة وداعميها يجعلها تقبل في لحظة معينة بوقفَ القتال والنيران حمايةً لمقدّرات اقتصادية وحربية وبشرية. وهي تفترض كذلك قناعة لدى المتصارعين مفادها أن الكيانات بجغرافياتها أو المشاريع السياسية أو المجموعات الإثنية التي يدافعون عنها أو يسعون "لتحسين ظروفها" غير مهدّدة بالزوال أو بالقضم إن ساوموا أو قبلوا بتسويات تُنهي الصراعات المسلّحة المرتبطة بها. وهي تفترض أخيراً إلماماً بأسباب الصراع وأوجهه وبأهداف المتصارعين القصوى وتلك التي يمكن القبول بها، كي تُطرح المبادرات على أساسها، وينطلق العمل التسووي والتفاوضي لإيجاد الحلول وتسويقها.

وكل هذا يدعونا للتدقيق بمشروعية الطرح الذي يُروّج له راهناً حول "اليوم التالي" في غزة، أو حول ما بعد حرب غزة، ويدعونا للبحث كذلك في أهدافه.

على مدخل الضاحية

لا شيء يفصل الضاحية الجنوبية عن بيروت. لا حدائق ولا مصانع ولا مواقف باصات. تدخل إليها من أطراف العاصمة عبر زاروب أو مفرق مفاجئ قرب محطة بنزين، أو تنفذ نحوها بين مسجد أو حسينية ومحل تصليح سيارات. تراها ممتدّة بموازاة طريق المطار، وتعبر مداها البحري، بعد منطقة الجناح في محلّة الأوزاعي، حيث تحوّل المؤقّت الى دائم، وحيث الدائم يبدو بين الحين والآخر مُقبلاً على مشاريع لا تتحقّق.

لا شيء يفصل الضاحية الجنوبية عن بيروت. لكنّها ظلّت على الدوام "الضاحية". ذلك المكان الذي توسّع ببطء على مدى عقدين قبل الحرب الأهلية، لتتسارع إيقاعات توسّعه بعد اشتعالها، ويصبح النزوح الجنوبي العظيم إليه واقعاً فرضته الاجتياحات الإسرائيلية ابتداءً من العام 1978.

هكذا، جمعت الضاحية خلال نصف قرن "سكاناً أصليين" (ولاجئين فلسطينيين) بنازحين اقتصاديين من الجنوب والبقاع وبمُهجّرين من العمق الجنوبي احتلّت إسرائيل وعملاؤها قراهم ومدنهم، فكانت عودتهم إليها لاحقاً عودةً صيفية أو موسمية، لا تعوّض مقام الضاحية وألفة شرفات مبانيها وكثافة بشرها وكراسي البلاستيك البيضاء المنتشرة أمام متاجرها ومحلات السندويشات فيها.

كامالا هاريس ودونالد ترامب: الخيار بين السيّئة والأسوأ

تجري يوم الثلاثاء المقبل في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يصعب حتى الآن التكهّن بهوية الفائز فيها. ذلك أن كتلتين تتواجهان وتتساويان حجماً وتعبئة: كتلة قوامها الأساسي ملوّنون وسود من شرائح اجتماعية مختلفة وبيض مدينيّون متعلّمون ونساء يدافعن عن حقّ الإجهاض، وهم يشكّلون أكثريات سكّانية في الساحلين الغربي والشرقي الشمالي وفي معظم المدن الأمريكية الكبرى والمتوسّطة، وهؤلاء يدعمون مرشّحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس؛ وكتلة من البيض منخفضي المستوى التعليمي، ومن أثرياء داعمين لتخفيض الضرائب والانفاق الاجتماعي، ومن المحافظين المسيحيين المعادين للإجهاض وللخطاب النسوي، وهؤلاء أكثريات سكّانية نسبية في الولايات الجنوبية وفي ولايات الوسط وبعض ولايات الشمال حيث تتّسع الشرائح الريفية أو العمّالية الصناعية الدنيا التي عصفت بها التحوّلات الاقتصادية في العقود الماضية، وهم يصطفّون خلف دونالد ترامب الذي سيطر على الحزب الجمهوري وفرض رعباً على معارضيه فيه.

وتتموضع بين هاتين الكتلتين كتلة ثالثة، من خليط سكّاني طبقي وجيليّ ومناطقي وجنسيّ ومن أصول مختلفة، متردّدة وغير متجانسة، وتحاول كل حملة اجتذاب أكبر عدد من مكوّناتها إليها.

Sunday, October 20, 2024

ممانعون وخصوم لهم يتشابهون ويتقاذفون البديهيات

رغم مرور عام على بدء حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في غزة، غير المسبوقة التوحّش في العالم منذ فظاعات النازية قبل سبعين عاماً، ورغم اشتداد الحرب الإسرائيلية على لبنان وارتكاب تل أبيب جرائم الحرب الدورية فيه، بموازاة حربها التوسّعية الهادفة الى ضمّ الضفة الغربية المحتلة (وهذا هدفها الأول اليوم ومنذ سنوات)، ما زال المشهد السياسي والثقافي العربي يخضع لسطوة نفس المقولات، وبعضها في الأصل متداول ومكرّر منذ عقود. 

فمن ناحية، ثمة خطابات مجترّة لا تغيّر فيها المآسي والتدمير وسقوط عشرات ألوف الضحايا وتشريد الملايين. ويبدو في مقولاتها أن "محور الممانعة" يسجّل الانتصارات الواحد تلو الآخر، وأن الاقتصاد الإسرائيلي على مقربة من الانهيار، ومثله الكثير من مؤسسات الدولة المعادية.

وثمة من ناحية ثانية خطابات مضادة، جلّها متوقّعة قراءته عند كل حرب أو حدث جلل، تعدّ الإشارة الى توحّش إسرائيل بداهة لا يفيد الركون إليها أو تكرار ذكرها، وترى في المقابل أن المسألة تكمن في أدوار قوى مثل حماس وحزب الله التي "تستدرج العدوان" وتتحمّل مسؤولية تبعاته، داعية الى تسليط الضوء على أعطاب المجتمعات العربية وهشاشة دولها.

Sunday, October 6, 2024

كيف أوهنت الحرب السورية والذكاء الاصطناعي حزب الله

بعد شهور طويلة من تبادل القصف عبر الحدود، ورغم الفوارق الكبيرة في الخسائر البشرية والمادية بين حزب الله والإسرائيليين، ظلّ الحزب اللبناني متوازناً في إدائه العسكري ضمن قواعد اشتباكٍ تمسّك بها تجنّباً لحرب واسعة لم يُرِدها يوماً.

فما الذي جرى في شهر واحد لتتغيّر المعادلة المذكورة ويتعرّض الحزب لضربات أصابت الآلاف من عناصره واستهدفت بنجاح جميع قياداته وصولاً الى أمينه العام، ودمّرت بلا خشيةٍ من ردوده المُفترضة عشرات القرى الجنوبية والأحياء السكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت وطالت بلدات ومدناً في البقاع والجبل وصولاً الى الشمال؟

وهل ما زال الحزب قادراً على الاستمرار في المواجهة والقتال؟

Sunday, September 22, 2024

الياس خوري، الراوي والرواية

(الى يامن...)

 

كثيرة هي سيَر الياس خوري.

فالرجل الذي التقيتُه العام 1994، وكان مديراً لـ"مسرح بيروت" ورئيسَ تحريرٍ لـ"ملحق النهار الأدبي"، لم يتوقّف يوماً عن العمل والمبادرة والكتابة منذ شبابه المبكر.

كأنه كان في سيَره روايةً مستقلّة عن راويها، أو بالأحرى كأنه كان في سيَرِه، روايته المكتملَة المشتهاة.

من الشبيبة الأرثوذوكسية والمطران جورج خضر، الى حركة فتح وكتيبتها الطلابية أواخر الستينات، الى الدراسة في الجامعة اللبنانية ثم في فرنسا، الى مجلة "مواقف" ثم الحرب الأهلية ومجلّة "شؤون فلسطينية" مع محمود درويش، الى جريدة "السفير" التي تولّى تحرير صفحتها الثقافية قبل أن تُخرجه تبعات حرب المخيمات العام 1985 وهيمنة النظام السوري على "بيروت الغربية" ثم على كل لبنان تدريجياً منها، وصولاً الى "مسرح بيروت" و"ملحق النهار" في التسعينات، تتابعت سيَر الياس وعجّت حقباتها بالأشخاص والأحداث الجسام.

بموازاة ذلك، كان الروائي يبني تجربةً تتوالى فصولها، وتتعدّد أشكالها ومضاميرها، ولَو أنها اتخّذت على الدوام من فلسطين وقصص نكبتها، ومن حرب لبنان وجغرافيتها ومن أبطالها ولصوصها، ومن عوالم الأحلام والكوابيس والشعر العربي الذي حفظه عن ظهر قلبٍ أرضاً لها وفضاءً، تعدّدت نجومه تَعدُّد صداقات الياس وأمزجته وأهوائه وخساراته الشخصية.

Wednesday, September 11, 2024

حروب فلسطين والمنطقة العربية والمواقف من الأعداء والحلفاء

يشهد "الشرق الأوسط" حروباً متعدّدة ومتداخلة في رقعها الجغرافية وفي تعدّد الفاعلين وكثرة الجبهات التي ينخرطون فيها.

الحرب الأولى، هي حرب إسرائيل على الوجود الفلسطيني، المستمرّة منذ 77 عاماً، والمتصاعدة بعد العام 2021 والمتحوّلة منذ أحد عشر شهراً في غزة الى "حرب إبادة". 

الحرب الثانية، هي حرب التوسّع الإيراني، بعد العام 2003 تحديداً، المستغلّة صراعات أهلية وتصدّعات وطنية في العراق، حيث استفادت أيضاً من نتائج الغزو الأمريكي، وفي سوريا ولبنان واليمن، لبسط سيطرة جزئية أو هيمنة لطهران عبر حلفاء أقوياء في مواضع استراتيجية توصلها الى البحر المتوسّط وباب المندب وحدود إسرائيل.

الحرب الثالثة، هي حرب الاستبداد أو حرب الثورات المضادة المُفضية ابتداءً من العام 2011 الى انقلابات واغتيالات واعتقالات طالت عشرات الألوف من البشر، في البحرين ومصر وتونس، وأدّت الى نزاعات مسلحة طاحنة لم تنتهِ بعد في ليبيا والسودان. تدخّلت في هذه الحرب مباشرة أو من خلال قوى محلّية الإماراتُ والسعودية، بعد أن كانت قطر وتركيا، وأحياناً أمريكا ودول أوروبية، دعمت لفترة عدداً من الثورات أو محاولات التغيير لأسباب تخصّ أجنداتها الإقليمية والدولية.

الحرب الرابعة، المتقاطعة مع الحربين الثانية والثالثة، هي حرب النظام السوري على أكثرية السوريين، وهي حرب تبدّلت فيها أدوارٌ وتغيّرت بعض التحالفات، وأدّت الى تدمير البلد وقتل وتهجير واعتقال أكثر من نصف سكّانه، واحتلال أراضيه المفتّتة من قبل روسيا وإيران وأمريكا وتركيا، إضافة الى استمرار احتلال إسرائيل لجولانه.

وتخترق ديناميّتان بعض هذه الحروب بأشكالها ومستوياتها وتحالفات المشاركين فيها على تعدّد مواقعهم واختلاف حساباتهم: دينامية صراع إيراني إسرائيلي يرتبط بملّف طهران النووي؛ ودينامية صراع إيراني سعودي من جهة وإماراتي سعودي قطري تركي من جهة ثانية، يرتبط كلّ منهما بقضايا توسيع النفوذ وإرساء المعادلات السياسية والاقتصادية في المنطقة.

Tuesday, August 27, 2024

الخارج والداخل وحرب الإبادة

شكّلت ثنائية الداخل والخارج في التحليلات العربية الساعية الى شرح أزمات وصراعات وإخفاقات وهزائم منطلق فرز بين معظم التيارات السياسية والأفراد المشتغلين في الكتابة منذ أكثر من نصف قرن.

وانقسم أغلب المعنيين فيها بين دعاة تحميل الخارج بتدخّلاته و"مؤامراته" مسؤولية الانتكاسات والفشل من دون بحث جدّي في أعطاب الداخل وسطوة الاستبداد القابض عليه وهشاشة الكثير من بناه المجتمعية والثقافية، وبين دعاة تحميل الداخل جلّ المسؤولية وجعل مسائل الخارج نسبية أو أقلّ تسبّباً بالمعضلات والكوارث القائمة والمتفاقمة منذ عقود.

قلّة قليلة كانت وما زالت لا تُقيم مفاضلة أو تُعمِل في هذا الباب فصلاً صارماً (واعتباطياً) بين داخل وخارج، إذ لا يمكن في الحالة العربية (كما في حالات كثيرة)، منذ اكتشاف النفط ثم تأسيس إسرائيل من ناحية، وبسبب الموقع الجغرافي للمنطقة (بين آسيا وأفريقيا وأوروبا) من ناحية ثانية، فصل إشكاليات الاستبداد والقمع والانقلابات العسكرية والتخلّف الاقتصادي والتشدّدين الديني والقومي وتوظيفهما سياسياً عن قضايا التدخّل الخارجي والاحتلال والحروب وموازناتها وعن تداعيات ثقافة الريع النفطي وتحالفات القائمين عليها. وليس من المستغرب أن هذه القلة تحوّلت مع الوقت الى هدف هجمات طرفَي الثنائية المذكورة. فهي بالنسبة لدُعاة "مؤامرات الخارج" من مُمانعين و"مُعادين للإمبريالية" تشذّ عن تصنيفهم الناس بين "شرفاء" و"عملاء"، بما يجعلها منطلق ارتباكهم ومحطّ كراهيتهم المضاعفة. وهي بالنسبة لدُعاة مسؤولية "الداخل" عن استجلاب المصائب عصيةً على التنميط الذي يتمنّونه بدورهم، والذي غالباً ما يُسقط قضايا جوهرية من حسابه ليسهّل بناء منظومته الفكرية. 

Tuesday, August 13, 2024

عن بعض الكتابات العربية حول حرب غزة

كُتب الكثير عربياً عن الحرب الإسرائيلية المستمرّة منذ عشرة أشهر ضد الفلسطينيين في غزة، وسيُكتب الكثير عنها أيضاً في الأشهر المقبلة.

النص التالي يتناول ثلاث قضايا تُثار على نحوٍ متسرّع، في حين أن النقاش الرصين حولها وحول مؤدّياتها قد يكون ضرورياً لتوضيح المواقف وفرزها.

القضية الأولى هي قضية البعد الحقوقي أو التعريفات القانونية لخصائص الحرب الدائرة، مع ما لها من مترتّبات وتداعيات. ذلك أن عدّة مستجدّات طرأت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. فلأوّل مرة في تاريخ الصراع في فلسطين، تُحاكم إسرائيل (التي حظيت منذ تأسيسها بحصانة تامة تجاه الانتهاكات التي ترتكبها) أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية". والجريمة المذكورة، وهي حالة الفظاعة القصوى في سلّم الجرائم المُعرّفة بموجب معاهدات القانون الدولي الإنساني، نادراً ما اتُّهِم أو يُتّهم طرفٌ بارتكابها (حصل الأمر "رسمياً" مرّة واحدة فقط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في رواندا، واعتبره البعض قائماً كذلك في البوسنة من دون أن تتبنّى الأمم المتحدّة ذلك). يُعطف على الأمر أن حجم التوثيق لما يجري، لجهة المواد البصرية وتكنولوجيا الخرائط وداتا المعلومات وجمع الأدلّة على الجرائم والمسؤولين عنها، غير مألوف في تاريخ الصراعات، وأولى نتائجه اضطرار المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الطلب الى قضاة المحكمة إصدار مذكّرات توقيف بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (وهو ما طلبه أيضاً في ما يخصّ ثلاثة من مسؤولي حركة حماس، ممّا فاقم من الغضب الإسرائيلي إذ عدّت تل أبيب أنه ساوى بينها وبين ميليشيا تصنفّها "إرهابية"). يضاف الى ذلك، حسمُ محكمة العدل الدولية مسألة لا شرعية الاحتلال والاستيطان وتأكيدها أن النظام الاسرائيلي المفروض على الأراضي المحتلة هو نظام تمييز عنصري "أبارتايد"، وهو المعدّ في القانون الدولي "جريمة ضد الإنسانية". 

Wednesday, July 17, 2024

الكتل الناخبة الفرنسية والمأزق الديمقراطي

بعد نتائجِ الانتخابات البرلمانية الأوروبية في 9 حزيران/يونيو 2024 التي حصلت فيها لائحتا اليمين المتطرّف الفرنسي على 31 من أصل 80 مقعداً مخصصة لفرنسا (وفق كوتا تتبع الأحجام الديموغرافية لبلدان الاتحاد الأوروبي)، وبعد حلِّ الرئيس إيمانويل ماكرون البرلمان الوطني في اليوم التالي لصدور النتائج الأوروبية ودعوته لانتخابات فرنسية مبكرة، جرت هذه الانتخابات التشريعية على دورتين (في 30 حزيران/يونيو و7 تموز/يوليو 2024) وأعادت رسم المشهد السياسي في فرنسا مظهّرة ديناميات سياسية واجتماعية جديدة ستجعل الحكم المستقرّ في البلاد متعذّراً لفترة غير قصيرة.

Sunday, June 30, 2024

حربٌ في لبنان وأسئلة حول سعة نيرانها

تتواصل منذ الثامن من تشرين الأول - أكتوبر 2023 الحرب بين حزب الله وإسرائيل على حدود لبنان الجنوبية، بموازاة حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.

وتتراوح العمليات الحربية بين القصف الصاروخي والغارات الجوية وإطلاق المسيّرات وعمليات الاغتيال. وهي أدّت لغاية 21 حزيران - يونيو 2024 (بحسب "داتا مشروع الصراعات المسلّحة وأحداثها" الذي نشرت "الجزيرة" بياناته بالإنكليزية( الى مقتل 543 شخصاً على الجانب اللبناني (بينهم حوالي 400 عضو ومسؤول في حزب الله) في 6142 هجمة إسرائيلية، و21 شخصاً على الجانب الإسرائيلي (معظمهم من الجنود) في 1258 هجمة شنّها حزب الله. كما أدّت الى دمار هائل في قرى وبلدات لبنانية حرق الجيش الإسرائيلي أراضٍ زراعية محيطة بها بالفوسفور الأبيض وهجّر منها حوالي الـ80 ألف شخص. في المقابل، أصابت نيران حزب الله العديد من المواقع العسكرية الاسرائيلية، كما ضربت عدداً من المستعمرات والمدن وفرضت على 90 ألفاً من سكّانها النزوح.

وتخطّت الصواريخ والغارات حدود لبنان ووصلت الى سوريا، حيث أغارت إسرائيل على مواقع لحزب الله وخطوط إمداده هناك، في حين استخدم الحزب منصّاته القريبة من الجولان المحتل ليردّ منها على الإسرائيليين.

Sunday, June 23, 2024

التشظّي السياسي الفرنسي وأزمة الحكم المقبلة

لم ينتظر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كثيراً بعد نتائج الانتخابات الأوروبية الكارثية لحزبه الأسبوع الماضي، ليعلن حلّ البرلمان الفرنسي والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة. أدّى الأمر الى مباغتة معظم القوى السياسية، بما فيها تلك الموالية له، وفتح الباب أمام احتمالات عديدة، تُظهر جميعها أن فرنسا مرشّحة للدخول في أزمة حكم سيصعب الخروج منها في الأشهر المقبلة. 

Sunday, May 19, 2024

لبنان بين الحرب وتراجيديا اللاجئين والتطبيع مع الانهيار

يعيش لبنان منذ أكثر من سبعة أشهر حالة حرب مُعلنة، قتلت المئات من أبنائه ودمّرت أحياء في قرى وأحرقت بالفوسفور الأبيض أراضيَ زراعية في جنوبه، ملوِّثةً التربة لسنوات طويلة مقبلة. وهي هجّرت فوق ذلك أكثر من ثمانين ألف شخص، مُنهية العام الدراسي لجيل كامل من التلامذة المغادرين قراهم الحدودية. 

على أن الحرب هذه، بين إسرائيل وحزب الله، تبدو في أغلب الأحيان، إن راقبها الواحد من خارج البلد أو من مناطق داخله بعيدة قليلاً عن مسرح عمليّاتها المباشر، وكأنها تدور في بلدٍ آخر. كأن شريط الجنوب الحدودي والمساحات المتاخمة له في مكان لا صلات عضوية لباقي لبنان بها أو لا تماس حياتياً مع أهلها، رغم أن أبعد نقطة في البلد الصغير عن الحدود الجنوبية بالكاد تتخطّى الـ200 كيلومتر.

Monday, May 6, 2024

الحرب الأخيرة أو الكتابةُ في مواجهة الإبادة

"هُنالك مَوْتى ينامونَ في غُرفٍ سَوْفَ تَبْنونَها. هنالك مَوْتى يَزورون ماضيَهُم في المَكان الّذي تَهْدِمونْ. هنالك مَوتى يمرّون فَوقَ الجسورِ […]. هنالِك مَوتى يُضيئون لَيْل الفَراشات، مَوْتَى يجيئونَ فَجْرًا لكي يَشْربُوا شايَهم مَعَكُم، هادِئينْ كما تَرَكَتْهمْ بنادُقكُم. فاتركوا يا ضُيوفَ المَكانْ مَقاعَد خاليةً للْمُضيفينَ، كي يَقْرأُوا عليكُمْ شُروطَ السّلامِ مَعَ المَيّتين!" – محمود درويش، خطبة الهندي الأحمر، 1992.

بمقتطفات من هذه القصيدة الملحمية، ختم الياس صنبر، الكاتب والمترجم ومؤسس "مجلة الدراسات الفلسطينية" بالفرنسية وسفير فلسطين السابق في اليونيسكو، كتيّبه المعنوَن "الحرب الأخيرة؟"، الصادر في نيسان/أبريل 2024 عن دار غاليمار في باريس.

والكتيّب أو المنشور، عرضٌ مكثّف ومركّب في 45 صفحة لملامح الحرب الدائرة في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واستذكار لحقبات ومراحل من كفاح الفلسطينيين الطويل في مواجهة الإبادة: الإبادة السياسية التي شكّلت النكبة العام 1948 قوامها وبنى الصهاينة قبلها ثم على أساسها فكرة نفي وجودهم كشعب مقيم فوق أرضه. والإبادة الجماعية التي تُنزلها بهم إسرائيل اليوم في حربها المتواصلة منذ 7 أشهر، وسط حملات دعائية تنزع عنهم الأنسنة وتشكّك بمعاناتهم وبأرقام ضحاياهم وبالمصطلحات القانونية الواجب استخدامها لتوصيف ما يتعرّضون له من تدمير ومجازر وانتهاك وتهجير.

Monday, April 22, 2024

القبول بمواجهة محدودة مع إيران لاستكمال المذبحة في غزة

تثير المواجهة المباشرة بين تل أبيب وطهران، وما تخلّلته حتى الآن من هجوم إيراني على إسرائيل ليل 13 – 14 أبريل الجاري ردّاً على قصف القنصلية في دمشق ومن عملية إسرائيلية استهدفت قاعدة جوّية إيرانية في أصفهان ليل 18 – 19 من الشهر ذاته، العديد من الملاحظات، وتطرح سؤالاً أساسياً: هل ستوظّف إسرائيل الدعم الغربي المتجدّد لها بعد أن تحوّلت الأنظار عن غزة نحو الجبهات الإقليمية المختلفة والخشية من انفجارها، لتسرّع حرب الإبادة وتجتاح رفح؟

ثمة مؤشّرات تدفع للميل لهذا الافتراض.

فالواضح أن طهران وواشنطن لا تريدان التصعيد إقليمياً. وتل أبيب التزمت مرحلياً بالسقف الأمريكي، لكنها تجهد في المقابل لتقليص الاشتراطات والضغوط عليها كي تسير في تنفيذ عمليّتها في جنوب القطاع.

Monday, April 15, 2024

تهافت السياسة في لحظة الإبادة

منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، تراجعت السياسة الى أدنى مستوياتها. فمن ناحية، تحوّل القتل اليومي والتعذيب والتدمير الشامل الى هدف إسرائيلي وحيد، تُسخَّر الموارد المالية والعسكرية والتكنولوجية والدعائية والديبلوماسية لتحقيقه والدفاع عنه ونفي تفاصيله ومفاعيله تارة أو تبريرها تارة أخرى. ومن الناحية المقابلة، صار الخلاص من الإعدام الفردي أو الجماعي الأمل الذي يتمسّك به المدنيون الفلسطينيون، والنفاذ من الاستئصال والدفاع عن الوجود ما يصبو إليه المقاتلون. وفي الحالتين، حالة القتل أو حالة السعي للإفلات منه، لا حيّز واسعاً للسياسة أو للخيارات السياسية وللبحث في تفاصيلها واحتمالاتها.

Sunday, March 24, 2024

منطقة اهتمام بين فلسطين وسوريا والشرط الإنساني

 يثير فيلم "منطقة اهتمام" للمخرج البريطاني جوناثان غلايزر، الحائز على جائزة أوسكار هذا العام، ضجة كبيرة بين الكتّاب والعاملين في حقول الثقافة والسينما في بريطانيا وأمريكا، ليس لمضمونه أو لفكرته أو لسياقه أو لتركيب شخصياته، بل لما قاله مخرجه عند تسلّمه الأوسكار.

فغلايزر (اليهودي المولد) اعتبر أن فهم فيلمه لا يتمّ عبر اعتباره يُعالِج ماضياً أو فظائع تاريخية فقط، بل تنبغي مشاهدته أيضاً على أساس أنه يرتبط بما يجري اليوم في غزة. وعبّر عن رفضه توظيف "الهولوكوست" لتبرير الحرب الدائرة ونزع الأنسنة وارتكاب الجرائم.

وقد ردّ عليه في بيان مشترك أكثر من ألف شخصية سينمائية عرّفت عن نفسها كشخصيات يهودية، رافضة المقارنة التي اعتبرت أنه أجراها بين المحرقة النازية وبين الحرب في فلسطين منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

في المقابل، دافع عن غلايزر مثقفون ومنظمات يهودية يسارية، اعتبروا أن رفض مجابهة الماضي بالحاضر والسعي لمصادرة ذاكرة "الهولوكوست" ما هي إلا محاولات للتعمية على الجرائم و"على حرب الإبادة" التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وكتبت نعومي كلاين، الصحافية والجامعية النسوية الكندية، مقالاً ثاقباً في صحيفة "الغارديان"، قارنت فيه بين اعتياد الناس على العيش على مقربة من الإبادة الجماعية التي يعرفون بوقوعها (يفصلهم عن هولها جدار)، كما صوّرهم الفيلم، وبين عيشنا اليوم، على بُعد بضعة جدران من غزة، حيث تحصل منذ ستة أشهر تقريباً عمليات إبادة، لم يتدخّل أحدٌ بعدُ لوقفها.

Saturday, March 23, 2024

حزب الله والمأزق اللبناني

تغطّي حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرّة ضدّ الفلسطينيّين في غزة على كل النقاشات السياسية في المنطقة العربية. ليس فقط لأن مقدار القتل والتجويع والتعذيب وشراسة التدمير وتعمّد إنزال أشدّ أذية ممكنة بالبشر والعمران والبيئة وسرقة البيوت والممتلكات وتدمير المدارس والجامعات والمستشفيات وكامل البنية التحتية تتخطّى في بربريّتها كلّ ما شهدناه في الحروب الكثيرة في العالم في العقود الأخيرة في فترة زمنية قصيرة وفي رقعة جغرافية صغيرة ومحاصرة تماماً، بل أيضاً لأن تداعيات هذه الحرب في فلسطين والمنطقة وعلى منظومة العلاقات الدولية ستكون بلا شكّ عميقة الأثر.

وإذا كان رصد هذه التداعيات ما زال مبكراً الآن (ولَو أن بعض معالمها بدأ بالظهور)، إلا أنه في الحالة اللبنانية تكشّف عن مجموعة أمور طوت مرحلة واستهلّت أخرى مفتوحة على احتمالات عديدة، لا يُستثنى منها الاحتمال الحربي الواسع النطاق.

Saturday, February 24, 2024

"سيلفي" الخراب العظيم

ثمة فظاعة في هذه الصورة. التقطَها المصوّر تسفرير آبايوف في 19 شباط/فبراير 2024 لمجموعةٍ من الجنديّات الاسرائيليات لحظة أخذهنّ "سيلفي" أمام حطامٍ رهيب لحيّ سكني سُحقت مبانيه في قطاع غزة.

لم يُشر المصوّر على صفحته في إنستغرام الى موضع التصوير الدقيق. لكننا نفهم من تعريفه البارد والبليد بهذه الصورة الاستثنائية العنف أنها من شمال القطاع. وَضع الكثير من الـ"هاشتاغ" تحتها، مستخدماً مصطلحات حربية إسرائيلية، وأشار الى الهوية "الجندرية" للعناصر العسكرية، وحدّد بالطبع نوعية كاميراه وحجم عدستها ومستوى حساسيتها. 

قد يكون عدم الإشارة الى المكان، في هذه الصورة وفي سلسلة صورٍ لا تقلّ بشاعةً تبعتها ضمن ألبوم المصوّر ذاته، مرتبطاً بأوامر الرقابة العسكرية الإسرائيلية. وقد يكون مجرّد سهوٍ أو عدم اكتراث منه. أو قد يكون مردّ ذلك ببساطةٍ أن قطاع غزة بأكمله مدمّر (أو شِبه مدمّر)، والتصوير والـ"سلفي" أمام أي ركامٍ داخل مدنه ومخيّماته يحمل الدلالة والمعنى إياه: نتصوّر ونبتسم للعدسة ونُبيّن ما جعلناه أشلاء أمكنةٍ، ومساكن أشباحِ من اختفوا قتلاً أو تهجيراً.

Monday, February 12, 2024

في وداع رياض الترك، صانع الأمل وصائنه

السيّدات والسادة، الرفيقات والرفاق

العزيزتان خزامى ونسرين 

ما الذي يجمعُنا اليومَ، سوريّين وفِلسطينيين ولبنانيين وفرنسيّين، لتكريم رجلٍ تسعينيّ غادرنا قبل أربعين يوماً؟

هل هو احترامُنا لسيرته ولكفاحه على مدى عقود من أجل الحرّية التي رفضَ كلّ تنازلٍ عنها أو تسويةً على حقّه في انتزاعها؟

هل هي الصلابة الاستثنائية التي وسمت حياته داخل السجون وخارجها في مراحلَ واجه فيها التعذيب والقتل والاستبداد بلحمِه الحي؟

هل هو حبّنا المشترك لبلادنا المنكوبة التي لم يعرفِ التاريخُ إلا نادراً هذا المقدارَ من القسوة المسلّطةِ على ناسها، في حمص وداريا ودرعا وحلب، كما في غزة وخان يونس ورفح وجنين وبيروت وصنعاء وبغداد؟

هل هو الأملُ الذي ظلّ يذودُ "ابن العم" عنه ويقولُ به ويعدُ بلسانه بأن سوريا لن تبقى مملكةً للصمت؟

أم هو جانب الهشاشة الإنسانية رغم الإرادة الفولاذية الذي جعل منه مرآة لكثرٍ من آبائنا، ننظر عبره إليهم فنرى قوّتهم وتردّدهم وحنانهم وخشونتهم وانحناءهم الأخير تحت ثقل السنوات وما حملت من تجارب وأهوال؟ 

أظنّنا نجتمع هنا لكل هذه الأسباب. وأظنّنا هنا أيضاً لأنه ترك أثراً في كل واحد منّا، بمعزل عن مدى قربنا الشخصي منه.

Sunday, February 11, 2024

مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرّف لغزّة

دخلت حرب الإبادة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة شهرها الخامس، ولا مقترحات واضحة بعد عند أي من الأطراف الإقليمية والدولية لِسبل وقفها والتعامل السياسي مع المرحلة التي ستليها.

ورغم بعض الأفكار التي بدأ الأمريكيون بتسريبها حول خطواتهم الممكنة في الأشهر المقبلة، فإن لا شيء يُظهر حتى الآن قابليّة أفكارهم للتطبيق. فالأخيرة قوامُها اعترافٌ قريب بالدولة الفلسطينية من دون توقّف عند حدودها، بما يعني جعل الاعتراف المسبق مقدّمةً لمسار تفاوضي جديد في المنطقة ثم ترك هذا المسار يخوض في "التفاصيل" الميدانية وفي شكل الدولة وتُرابيّتها ونهائيتها السياسية، على ما نُقِل عن أنطوني بلينكن. وهذا ترفضه إسرائيل، في ما تدعمه السعودية ومصر والأردن، ويُرجّح أن تتبنّاه بريطانيا ومعظم الدول الأوروبية. بموازاة ذلك، تبحث أمريكا في شكل إدارة مرحلةٍ انتقالية في غزة تعقب الانسحاب العسكري الإسرائيلي "التدريجي" وتُتيح للسلطة الفلسطينية، بعد توسيع هياكلها بمساعدة عربية، أن تلعب دوراً أساسياً فيه، بما يحفّز دولاً وهيئات مانحة على البدء بتمويل "إعادة إعمارٍ" للقطاع المنكوب.

Friday, February 2, 2024

نحن وجرح غزّة والعالم

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الخامسة على قطاع غزة، يعيش الكثير من الأكاديميين والحقوقيين والصحافيين والعاملين في منظمّات مجتمع مدني أو منظمات إنسانية دولية، في الغرب، المتابعين منذ عقود لمجريات الصراع في فلسطين المحتلة وللتحوّلات الحاصلة في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي، كابوساً تتوالى فصوله يومياً. 

ذلك أن ضراوة الحرب الإسرائيلية في شهرها الرابع، غير المسبوقة لجهة تسخير أحدث تكنولوجيا لتعميم أوسع دمار عمراني وخسائر بشرية ممكنة، ولجهة حجم المعاناة الإنسانية في فترة زمنية "قصيرة" وفي رقعة جغرافية صغيرة لم يشهد العالم له مثيلاً منذ عقود، تترافق مع تغطية إعلامية تلفزيونية غربية، لا تشذّ عنها سوى قلّة من المحطّات، غالباً ما تُغيّب الحقائق الميدانية وتنزع الأنسنة عن الفلسطينيين. يتجلّى الأمر في اختيار الصور أو في التعليقات عليها أو في اعتماد المصطلحات غير العلمية لتوصيف الأوضاع أو في استضافة أشخاص غير اختصاصيين يكرّرون مقولات خاطئة أو في السماح للناطقين باسم الجيش الإسرائيلي بالمشاركة في البرامج الحوارية وعدم مساءلتهم الجدّية، إلا نادراً، حول الفظائع التي يرتكبها جيشهم. ويكمّل هذه التغطية غير المهنية وغير الأخلاقية، خطاب يعتمده أحياناً عنصريون من بين الضيوف، يشكّكون بكل غرور وجهل بحجم الخسائر البشرية الفلسطينية المُعلنة، أو يكرّرون أن على إسرائيل "الدفاع بقوّة" عن نفسها وسط محيطٍ (عربي) معادٍ لها. وطبعاً لا يفقه أصحاب الخطاب المذكور شيئاً بالقانون الدولي الإنساني، ولا بالسياق التاريخي المُفضي الى الحرب الدائرة.

Sunday, January 14, 2024

جنوب أفريقيا إذ تخوض أبرز معارك العدالة في لاهاي

شكّل البثّ المباشر لجلسة محكمة العدل الدولية التي رافع فيها وفد جنوب أفريقيا ضد الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة، حدثاً استثنائياً في تاريخ القضية الفلسطينية وفي تاريخ القانون الدولي. وعبّر كذلك عن تبدّل جذري في تموضع الدول تجاه المؤسسات والمعاهدات والمواثيق الإنسانية، الكونية نظرياً، التي انبثقت في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ويمكن التوقّف عند أربع مسائل أثارها الحدث الجلل في مقرّ المحكمة في لاهاي.

هل يجوز الحديث عن إبادة جماعية في غزة؟

منذ أن شنّت إسرائيل حربها الأكثر وحشية على فلسطينيّي غزة (على إثر هجوم حماس ضد الجنود والمدنيين الإسرائيليين في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، تحوّل القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في وسائل الإعلام وتصريحات المتحدّثين باسم معظم الحكومات الغربية إلى مجرّد وجهات نظر وآراء تبثّها الشاشات ويخوض فيها أشخاص غير اختصاصيين. وقد نتج عن ذلك استخدام مصطلحات ومفاهيم ذات معان محدّدة كـ"جريمة حرب" أو "جريمة ضد الإنسانية" أو "تطهير عرقي" أو "إبادة جماعية" على نحو عشوائي، تارة لوصف حالات معيّنة وغالباً لنفي أو رفض تطابقها مع الواقع في غزة. وهذا ما يدعونا للتذكير بتعريفات هذه الجرائم ثم للتحقّق من إمكانية تطابقها مع وقائع الحرب الإسرائيلية في القطاع.

زياد ماجد، على موقع لوريان 21.

لقراءة المقال كاملاً، يمكنكم النقر هنا.