يتزايد عند كل استحقاق
انتخابي لبناني استخدام معظم السياسيين والعديد من الإعلاميين لمقولات وكأنّها
بديهيّات، في حين أن لا شيء واضحاً فعلياً في معانيها ومؤدّياتها.
من هذه المقولات الرائجة
مؤخّراً مثلاً، مقولة "الحاجة الى مسيحي قوي" في رئاسة الجمهورية. وهي
إذ تبدو مألوفة في لحظة انتخاب مفترض للرئيس، لا يشير التدقيق فيها الى أي وضوح،
إذ لا معنى محسوماً لأسباب الحاجة الى القوة أو لمصادر الأخيرة وخصائصها، وما قد
ينجم عنها.
وإذا كان مفهوماً أن
المقصود هو انتخاب مرشح ذي وزن سياسي ومشروعية شعبية، فإن المقاربة والتعبير
التوصيفي يظلّان غامضين، خاصة أن وجهة استخدام القوّة – الى جانب من وضدّ من – لا
تبدو جليّة، وأن صرفها في الواقع اللبناني
الراهن بمعطياته الميدانية وتوازناته وعلى أساس النصوص الدستورية المعتمدة منذ
اتّفاق الطائف تتطلّب تمحيصاً في دور الرئيس ووظائفه وشروط "قوّته".
فحتى لو أتى الأخير كمرشّح أكثرية مسيحية وكصاحب حضور سياسي ذي شأن، لن يكون
بمقدوره منافسة شريكيه في "مثلّث الحكم" إن كان معيار القوّة المطبّق
عليه هو نفس معيارهما.
ذلك أن "الشيعي" يملك من مقوّمات القوة 70
ألف صاروخ، وحلفاً إيرانياً، وديموغرافيا داخلية متقدّمة. و"السني" يملك
بدوره مشاريع واستثمارات بمليارات الدولارات، وحلفاً سعودياً، وديموغرافيا داخلية
أفقية الانتشار وشديدة التأثير انتخابياً.
أما "المسيحي"، فإن قيست قوتّه على الأساس
نفسه لقيل إنها تقوم على الاستقواءً بواحدة من القوّتين المذكورتين ضد الثانية، ولا
تملك فوق ذلك أكثر من نوستالجيا وبقايا علاقات بالغرب وديموغرافيا متراجعة.
ومقتلها بالتالي هو في نوع كهذا من المقارنات، والتعويض لا يتمّ بالشتائم والتهديد
ولا بالإحباط والمقاطعة، بل بالعودة الى البحث في الدور والوظيفة والرسالة
السياسية التي يمكن لموقع رئاسة الجمهورية المعقود بموجب التركيبة اللبنانية
لسياسي ماروني أن يؤدّيها كرمز سيادي وحام للدستور وممثل للبلاد (في ما يتخطّى
تمثيل المسيحيين وترؤّس السلطة التنفيذية الموجودة بحسب اتفاق الطائف في مجلس
الوزراء مجتمعاً).
بهذا المعنى، إن صحّت الحاجة الى انتخاب رئيس تكون
له مشروعية شعبية مسيحية تحصّنه، فإن الأهمّ أن تكون له قدرة على إعادة بناء دور
للرئاسة يوجد له ولها "قوّة" تفرض البحث في مجمل القضايا الداخلية
اللبنانية، وفي موقع لبنان في منطقته، وفي ملكية السلاح والصواريخ وما تستجلبه من
حروب ونزاعات وتوتّرات طائفية. أما إن جرى الاكتفاء بذكر "القوة" والبحث
عن مكامنها في مقارنات لا تستقيم وفي أوهام معادلات لا يمكن لممثّل المسيحيين في
الدولة أن يخوض بنجاح فيها، فأغلب الظن أن الوهن سيتفاقم، ومعه مظاهر قوة
كاريكاتورية ليس الصراخ أو إقفال الهاتف إلا بعضاً من تجلّياته.
النظام الطوائفي في لبنان كرّس فلسفة الشراكة في
السلطة وأرسى حدوداً لصلاحيات أقطابها. والواقع السياسي والأمني والديموغرافي أوجد
اختلالات لا بدّ لرئيس أن يتعامل مع بعضها. ففي تعامله هذا ما يوفّر استعادة الكثير
من عناصر القوّة...
زياد ماجد