ليس في تعبير بعض السياسيين و"المسؤولين"
عن العنصرية جدّة في لبنان اليوم. فقد سبق للأخيرة أن استهدفت فلسطينيين وعرباً
وأفارقة وآسيويين. كما استهدف شكل من
أشكالها
لبنانيين
من المناطق الطرفية شمالاً وجنوباً وبقاعاً في حقبة سابقة على الحرب الأهلية
ومواكِبة لأولى سنواتها.
لكن ثمة جديداً في تجلّياتها الحالية واستهدافها
للسوريين على نحو خاص. ولجديدها هذا ثلاث خصائص على الأقل.
الأولى، أن التعبير العلني عنها يأتي على نحو
خاص (ولو غير حصريّ) من أطراف (وزراء ونوّاب ومجالس بلدية) هم حلفاء للنظام
السوري. وفي هذا دلالة على ثقافة تشبه تماماً ثقافة الأنظمة الاستبدادية في
كراهيتها للناس وحقدها عليهم، وتؤكّد أن ادّعاءات "الوقوف الى جانب
سوريا" إنما تعني الوقوف الى جانب نظامها لأسباب سياسية وطائفية ومن منطلق
شراكة في العداء للسوريّين والسوريّات.
والثانية، أن بعض مظاهره في الإعلام تقلّد مسلكيّات أقوام
تعدّهم "أرفع شأناً"، متّخذة من السياق الفرنسي مثالاً. ففي فرنسا عاش
أو درس أو لجأ هروباً أواخر الحرب اللبنانية بعض المتفوّهين بالمقولات العنصرية
اليوم. والأرجح أن في بيئاتهم من لا يخفي إعجابه بحالات سياسية من أقصى اليمين
العنصري الفرنسي (آل لوبان مثالاً)، وأن في استنساخهم للمقولات البلهاء لهذا
اليمين عن ربط اللاجئين أو العمال الأجانب بالمشاكل الأمنية والمعيشية كما بـ"قلّة
النظافة" واستيراد الصراعات ما يضيف الى البلاهة بلاهةً مضاعفة.
والثالثة، أن التعبير العنصري يتخطّى اليوم الفظاظة
اللفظية المعهودة ليصل الى إجراءات عملانية تشبه قرارات الحظر أو التمييز العنصري في
ما خصّ ضبط حركة "الأجانب" (السوريين) وتحديدها في الفضاء العام وفق
معايير زمنية، تمنع عنهم "التجوّل" في ساعات الليل، وتُتيحها في ساعات
النهار حين يحتاج الشبّانَ منهم أربابُ العمل اللبنانيين ليحقّقوا على حسابهم
أرباحاً تتخطّى ما كان يمكن جنيه في غيابهم.
يمكن بالطبع إضافة خصائص أُخرى الى ما ذُكر، ويمكن
البحث في تراجع مستوى الثقافة السياسية في الإعلام وتصاعد العنف والتوتّرات
المذهبية، وانعكاس ذلك على مفردات العنصريين وانفعالاتهم واستسهالهم الإفصاح عمّا
عندهم. ويمكن الخوض في نقاش جدّي أيضاً (بعيداً عن تبسيط الأمور واعتبار وجود
مليون نازح في بلد تعداد سكّانه أربعة ملايين حدثاً غير استثنائي)، والبحث في
الآثار الاقتصادية الاجتماعية والديموغرافية للنزوح إن تحوّل الى إقامات تطول
نظراً لصعوبة العودة (واستحالتها في المستقبل القريب).
لكن كل هذا على وجاهته لا ينبغي أن يقدّم أي تبرير
لسلوك العنصريّين وانحطاطهم. ففي الموقف الواضح منهم ما يمنع أوّلاً من أي تطبيع
مع وبائهم، ويتيح بعد ذلك للنقاشات جميعها أن تستقيم وأن تخوض في القضايا الخطيرة بلا
استثناء...
زياد ماجد
نصّ منشور في مجلة "سيدة سوريا"، العدد الخامس - حزيران/يونيو 2014