Wednesday, June 25, 2014

فارسٌ إذ نافس ابن الطاغية

استقطب خبر إفراج النظام السوري قبل أيام عن الرياضي الفارس عدنان قصّار على اهتمام وسائل الإعلام. ذلك أن الرجل أمضى واحداً وعشرين عاماً في سجون آل الأسد لسبب وحيد: غيرة باسل الأسد منه لكونه تفوّق عليه في رياضة الفروسية وفي إحراز النقاط في المسابقات وفي قيادة الفريق السوري في اللعبة المذكورة.

عدنان قصّار اعتُقل العام 1993، قبل أشهر من مصرع باسل في حادث سيارة، ورُكّبت ضدّه تهمة حيازة متفجّرات، ولم تجرِ أي محاكمة له ولم يصدر بالتالي أي حكم يُدينه، وغاب في المعتقلات لأكثر من عقدَين لم تشفع خلالها المناشدات العائلية والرياضية، ولم يُطلَق سراحه إلا قبل أيام، بعد صدور ما سُمّي "عفواً رئاسيّاً".

قصّة سجن قصّار تقول الكثير عن "سوريا الأسد". عن قدرة أسرة حاكمة على "التصرّف" بحياة الناس اعتقالاً أو قتلاً أو نفياً أو قهراً وإلزاماً بالصمت. و"التصرّف" هذا لا يُصيب المعارضين السياسيين أو الناشطين الحقوقيين وحدهم، وهم الذين نهب آل الأسد سنواتٍ طويلةً من أعمارهم. هو يصيب أيّ إنسان يقرّر فرد حاكم شطبه أو التنكيل به أو إذلاله لجعله عبرةً لغيره، تأكيداً لسلطةٍ لا ضوابط تكبحها إن شاء أصحابها إظهار إطلاقيّتها.

على أن بُعداً آخر يُضاف الى ما ذُكر في ما خصّ اعتقال الفارس قصّار. فمُعتقِلُه، الضابط الذي كان يتحضّر لوراثة أبيه، رُوِّج له على أنه الفارس الذهبي والرياضي المثالي، وعُدّت الفروسية وما تختزنه عادةً من قيَم نُبل وشهامة وشجاعة شيمته الأولى. فكيف لفارس آخر أن يهزمه في مسابقة أو أن يُحرز نقاطاً أكثر منه، أو أن يُظهر فروسية تغطّي على فروسيّته هو، وليّ العهد المُقبل على قيادة سوريا من على صهوة الفرس؟


لم يشأ باسل قتل عدنان قصّار، ولم يطلب من عناصر الأمن ضربه في الشارع مثلاً أو كسر ظهره. أراده سجيناً لا حصانة له ولا قدرة لأحد على استجداء حرّيته أو السؤال عن موعد "محاكمته". أراده عِبرةً حيّة يتخيّله كل مواطن سوري محنيّاً في زنزانته مع كل ظهورٍ "للفارس الذهبي" والحاكم المستقبلي على شاشة التلفزيون. ففي تخيّله في وهنه وعجزه ما يؤكّد بأس باسل وقسوته، وما يُضاعف الخوف منه ومن مجرّد تحدّيه.

قصّة الفارس السجين هي قصّة معظم السوريّين. وسرقة فروسيّته المُعلنة وعقابه جهاراً عليها هما بالتحديد مدد الاستبداد والاستعباد، ومدعاة الرعب منه ومن بطشه الماديّ والرمزي...


قد لا يصدّق كثر في العالم قصصاً كقصة قصّار. وقد يظنّون في سردها ضروباً من المبالغة والخيال. وحدهم السوريّون يُدركون مدى البربرية التي واجَهوا ويُواجهون. وحدهم ينتفضون عليها ويمضون في مقارعتها، الى أن تُطوى يوماً صفحتها وتُستعاد سيَر الناس الذين التهمتهم، سيرةً سيرة.
زياد ماجد