يمكن لبعض المشاهد أحياناً أن تختصر قضايا
وأحوال عقود كاملة. وقد وقع متابعو الشأن السوري الأسبوع الفائت على ثلاثة مشاهد
مكثّفة تثبت ذلك
المشهد الأول، وقوامه 55 ألف صورة مسرّبة من
سجون النظام الأسدي أو من جوفه "العميق"، يعبّر أصدق تعبير عن جوهر
الدولة التي ابتناها الأسدان وأجهزتهما: دولة التعذيب الجسدي والرمزي. فالحرق
والخنق وفقء العيون تتمّ ضمن طقوس همجية جماعية تهدف الى إبادة المستهدفين وتسليط
الرعب المريع على الناجين ليبقى ما شهدوه على أجسامهم وأجسام جيرانهم في الزنازين
أبدياً معطّلاً لإراداتهم. وهذا بالتحديد ما فعله الأسد الأب في حماة وتدمر، وما
يفعله ابنه منذ سنوات في معظم أرجاء سوريا
المشهد الثاني، وهو مفاوضات مدينة مونترو
السويسرية، يُظهر لُبّ المعركة التي يخوضها النظام منذ قرابة الثلاث سنوات: بقاء
الأسد وإعدام أو تجويع كل من لا يقبل بالأمر. فكلّ المفاوضات تدور حتى الآن حول
مسألتَي نقل السلطة من "الرئيس" الى حكومة انتقالية، وسماح "الرئيس"
إيّاه بدخول الحليب والخبز والأدوية الى مناطق يحاصرها في حمص والغوطة وجنوب دمشق
ومخيّم اليرموك. ولا شيء غير ذلك يهمّ النظام أو ثمة حاجة للتفاوض عليه أصلاً، لا
المؤامرات الكونية ولا الخطط الصهيونية ولا مكائد الرجعية العربية ولا الإرهاب ولا
الأقلّيات ولا "سايكس-بيكو" الجديد.
المشهد الثالث، وهو إعجازي بكلّ ما للكلمة من معنى، هو لحظة انتشال طفلة في حي شعبي حلبي، طمرَها وأهلَها قصفُ طيران النظام لمنزلهم. والطفلة هذه، بعد حفر شبّان وكهول في الرمل والركام الذي غطّاها بأيديهم العارية ومن دون معدّات، وبعد رفعٍ لحجارة ثقيلة وإزاحة عتبة درج منهار تحتجز أحد قدميها، كانت حيّة تتنفّس، وفتحت عينيها من خلف الغبار لترى الناس المحتشدين حولها غير المصدّقين ما رفعته أيديهم وأعادته الى الضوء، الى الحياة (رابط الفيديو).
المشهد الثالث، وهو إعجازي بكلّ ما للكلمة من معنى، هو لحظة انتشال طفلة في حي شعبي حلبي، طمرَها وأهلَها قصفُ طيران النظام لمنزلهم. والطفلة هذه، بعد حفر شبّان وكهول في الرمل والركام الذي غطّاها بأيديهم العارية ومن دون معدّات، وبعد رفعٍ لحجارة ثقيلة وإزاحة عتبة درج منهار تحتجز أحد قدميها، كانت حيّة تتنفّس، وفتحت عينيها من خلف الغبار لترى الناس المحتشدين حولها غير المصدّقين ما رفعته أيديهم وأعادته الى الضوء، الى الحياة (رابط الفيديو).
ويمكن القول إن المشهد الأخير هذا هو مآل المشهدَين
السابقَين، أو هو تتويج لهما وللثورة المستمرّة عليهما وبسببهما: حفر بالأظافر في
جدران سجون تبتلع منذ سنوات عشرات الآلاف من البشر، والنهوض من تحت الرمل وحصار
الموت، وإشهار إرادة التحدّي في مواجهة النظام وبراميله ورئيسه.
هكذا، تختصر مشاهد ثلاثة معاناة عقود وثورة
سنوات. وهكذا، تتجسّد في صوَر معدودة معادلة السوريّين الوجودية، أو قدرهم الوحيد:
"إما نحن أو أنت"!
زياد ماجد