شكّل 7 حزيران 2009 منعطفاً سياسياً هاماً في لبنان. فنتائج هذا اليوم المشهود (المميّزة لبنان الى حد بعيد عن محيطه) أسقطت مجموعة مقولات سادت طويلاً في السنوات الماضية:
- مقولة أن الأكثرية وهمية وأنها عابرة ومزيّفة لأن التحالف الرباعي وقانون الانتخاب السابق أمّناها، وبالتالي أن لا مقتضى سياسياً لوجودها في الحكم أو لمحاولتها إدارته.
فهذه الأكثرية عادت بتفويض انتخابي كبير، ولم يعد ممكناً التشكيك بمشروعيّتها.
- مقولة أن حزب الله لا يخيف أكثرية اللبنانيين، وأن تحالفاته الإقليمية وثقافته السياسية مقبولة من المواطنين الذين ينظرون الى تاريخ 7 أيار بوصفه حدثاً عابراً لا يستدعي كثيراً من الكلام ومن التضامن للردّ عليه "ديمقراطياً". واستطراداً، مقولة أن سلاح الحزب عنصر طمأنة للبنانيين يحميهم من إسرائيل.
فقد بيّنت الانتخابات أن الموقف من سلاح حزب الله والخوف من ثقافة الأخير وتسلّطه وممارساته المصنّفة الناس والمهدّدة المختلف معه، هما أبرز العناصر التي حرّكت معظم الناخبين وفرزتهم في العديد من المناطق بين أكثرية وأقلية.
- مقولة أن اللبنانيين بأكثريّتهم لم يعودوا معنيّين بما يجري، وصاروا أقرب الى العزوف عن خوض الشأن العام غير آبهين بالمشروعين المتصادمين في البلاد: مشروع الاستقرار، ومشروع الارتباط العضوي بالتحالف (الحالي) الإيراني السوري.
ذلك أن مستوى المشاركة في مختلف الدوائر كان الأعلى في تاريخ الانتخابات النيابية في لبنان، نتيجة استشعار أكثرية الناس بأهمية هذه الانتخابات، وميل العديد منهم الى التصويت ضد مشروع حزب الله وضد تأمين الغطاء لهذا المشروع، ولو عبر الاقتراع لمرشّحين غير "مقنعين" لناخبيهم في بعض الحالات.

- أننا مقبلون على مرحلة من التفاوض الصعب لتشكيل حكومة جديدة. على أنه تفاوض يدخل إليه تحالف 14 آذار من موقع قوّة يُفترض أن يحول دون إلزامية منح الأقلية الثلث المعطّل، ولو دون استبعادها عن المشاركة في السلطة التنفيذية.
- أننا قد نشهد هامش مناورة أوسع لرئيس الجمهورية رغم فشل بعض المرشحين المحسوبين عليه، نتيجة رغبة بعض القوى في المعسكرين بإتاحة الفرصة أمامه للعب دور تحكيمي أو ترجيحي يقلّص التوتّرات ويبحث عن التسويات والمخارج في لحظة الخلافات الحادة.
على أن المدى القصير الذي يتمناه أكثر اللبنانيين منطلقاً لتثبيت الاستقرار، يجب أن يترافق مع عمل للمدى البعيد يحصّن إنجاز 7 حزيران من خلال البحث في إصلاحات جدية للنظام السياسي، تجعل الحكم قادراً على استيعاب الأزمات وحلّها، وتخفّف من قدرة الخارج على التأثير في مجريات السياسة الداخلية واصطفافاتها. ولا غنى برأينا لذلك عن الخوض في:
أ- اعتماد قانون انتخاب جديد يقوم على التمثيل النسبي، يتيح عدالة أكبر في التمثيل، ويُضعف قدرة طرف أو طرفين ضمن كل طائفة على الاستئثار الكامل بالتمثيل السياسي للطائفة.
ب- بحث جدي حول موقع لبنان في المنطقة وسبل تحييده عن الانخراط في ما لا يعنيه من صراعاتها وصفقاتها.
ج- بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها والتحاور حول أحادية ملكيّتها السلاح والحق في استخدامه دفاعاً عن البلاد.
د- تطوير نظام "الديمقراطية التوافقية" بحيث يضمن مشاركة الجماعات الأهلية (وغيرها) في اتخاذ القرارات المصيرية، من دون الوصول عند كل خلاف الى شلل مؤسساتي بحجة حق الفيتو الطائفي. وهذا يتطلّب إنشاء مجلس شيوخ تُناط به القضايا الكبرى، مقابل تحرير المجلس النيابي من قيده الطائفي وجعله فاعلاً في التشريع والمراقبة وتكريس مبدأ تخطي الطائفية.
زياد ماجد