Thursday, December 25, 2014

الرئيس السابق إذ لا يجد له خلفاً

ذكرتُ مرّةً أن لبنان هو الجمهورية الوحيدة في المنطقة العربية التي يمكن لعبارةٍ من نوع "الرئيس السابق" أن تُستخدم فيها ويكون المعنيّ حياً يرزق وغير معتقل، إذ لا رؤساء أحياء سابقين في الجمهوريات العربية بل قتلى أو راحلين (أي أنهم استمرّوا في مواقعهم الى أن وافتهم المنيّة)، أو في أفضل الأحوال مخلوعين منفيّين أو مسجونين (أو في الإقامة الجبرية).
واليوم يمكن القول إن تونس صارت الاستثناء العربي الثاني. فقد صار لها رئيس سابق هو المنصف المرزوقي الذي حملته الثورة العام 2011 الى الرئاسة، قبل أن يخسرها بفارق عشر نقاط أمام منافسه الباجي السبسي في الدورة الثانية التي جرت قبل يومين.

على أن تونس إذ تؤكّد استثنائيّتها، لا تؤكّدها في تبدّل رؤسائها انتخاباً وفي دخول عبارة "الرئيس السابق" الى قاموسها وحياتها اليومية فحسب، بل أيضاً في تكريسها لمسار تغييري سياسي يعبّر عن نفسه في صناديق الاقتراع بعيداً عن الانقلابات والعنف واعتقال الخصوم.

كما أن تونس ترتقي الى مكانتها الاستثنائية هذه في وقت يبدو فيه لبنان في تنازل عنها، ويحوّل فضيلتها الى حالة فراغ قد يصبح مستديماً.
بهذا المعنى، أضحى غياب رئيس "حالي" أو "لاحق" يخلف "السابق" أزمة لبنانية خطيرةً يصاحبها تمديد متكرّر لمجلس نيابي لم يعد قادراً على اعتماد قانون انتخاب يُتيح اقتراعاً للّبنانيين. وصار في لبنان بالتالي مجلس لا مؤشرات الى تحوّله "مجلساً سابقأ" في الفترة القادمة، ورئاسة لا يوجد ما يشي باحتلالٍ لموقعها في المقبل من الأيام. والأزمة هذه سياسية بلا شك، لكنها أيضاً بنيوية في النظام اللبناني المنعدم المرونة، الذي تتسبّب الانقسامات الحادة في المجتمع دورياً في شلله وعجزه عن إعادة تشكيل مؤسّساته.


ولنتذكّر أننا منذ العام 1988 نتعثّر كل ما حان استحقاق الانتخابات الرئاسية. فبعد فراغ استمرّ عاماً آنذاك، انتُخب رينيه معوّض ليُغتال بعد أسابيع. ثم بدأ مسلسل تعديل الدستور: من أجل التمديد كما العام 1995 (للرئيس الهراوي)، ثمّ بهدف السماح لموظّف بالترشّح العام 1998 (قائد الجيش إميل لحّود)، ثم لتأمين التمديد له (2004)، ثم بعد أشهر من الفراغ، بهدف تأمين انتخاب موظف ثانٍ (قائد الجيش ميشال سليمان العام 2008).


هكذا، لم تعد "الأسبقيّة" أمراً يُحتفى به بقدر ما صار كل تخطٍ لها يتطلّب فراغاً لأشهر ثم مشروطيّة تعديل دستوري تُتيح الانتهاء منه. وعلى هذا الأساس يصحّ القول اليوم، في آخر العام 2014، إن لبنان أصبح جمهورية برئيس سابق لم يجد له خلفاً، ولا يبدو أنه سيجد عمّا قريب.
زياد ماجد