Thursday, August 21, 2014

أوباما وداعش وسوريا والعراق

تُظهر الضربات الجويّة الأميركية التي أمر بها باراك أوباما ضد "داعش" شمال العراق، والأسلحة المتطوّرة التي قرّر الأوروبيون تقديمها لوحدات "البشمركة" – وبعضها وصل الى أربيل فعلاً – أن لا شيء كان يحول دون ضرب النظام السوري عقب تنفيذه المجزرة الكيماوية في الغوطة الصيف الماضي، أو حتى دون قصف واشنطن "داعش" إيّاها في الرقّة ودير الزور وتسليح أوروبا للجيش السوري الحرّ أو لبعض الكتائب المتناثرة عنه. لا شيء طبعاً سوى غياب الرغبة والإرادة الأميركية والأوروبية في ذلك.

لماذا هذه الانتقائية؟ وهل من فرص لإنهاء المأساة السورية خارج تدخّل دولي في سوريا ضد النظام و"داعش" مباشرة أو على نحو غير مباشر؟

لا تبدو الإجابات واضحة أو مقنعة. ففيها خليط من التردّد ومن الخشية من "البديل" لدى الإدارات الغربية، وفيها حسابات باردة وتداعيات تجارب عراقية قديمة وليبية جديدة، وفيها حدود إسرائيل وعقبات في مجلس الأمن ورغبات تسوية مع موسكو واستنزاف لطهران وإضعاف لأنقرة وتفويض مشروط للرياض تارة وللدوحة تارة أخرى. وفيها كذلك رأي عام غربي لم يجد في فظاعات النظام الأسدي وقتله لعشرات الآلاف وتعذيبه حتى الموت لآلاف المعتقلين منهم ما يكفي ليدفع حكّامه الى التدخّل، كما لم يجد في قتل "داعش" لآلاف المسلمين السنّة السوريّين ما يهدّد أقواماً بالفناء فيحرّك الطائرات لحمايتهم.

وكلّ هذا أدّى بعد مضيّ ثلاث سنوات على المقتلة السورية الى إنقاذ النظام الأسدي المدعوم إيرانياً وروسياً (ومن قبل الميليشيات المذهبية اللبنانية والعراقية). وأدّى كذلك الى تمدّد "داعش" كالسرطان في الجسد السوري، وتنقّله مدعّماً بالموارد المالية والنفطية التي سيطر عليها في الرقة ودير الزور ومناطق عدة من الجزيرة والحسكة بين سوريا والعراق حيث منشؤه الأصلي، وحيث أتاحت له المظلومية العربية السنية نتيجة حكم المالكي وممارساته الاستئثارية من توسيع رقعة انتشاره وصولاً الى إعلان الدولة والخلافة.


البقية معروفة لجهة جرائم الداعشيين ضد المسيحيين والإيزيديين في الموصل ونينوى وسنجار وما رافقها من فظاعات مشهدية، ولو أنها جميعها لا تصل الى حدود مجزرة واحدة ارتكبوها هم أنفسهم، أو ارتكبها النظام الأسدي، في سوريا. الفارق في ردّة الفعل الغربية، الأميركية تحديداً، جاء هائلاً. وهو مع ضرورته لمنع البربرية من التقدّم أكثر يبقى انتقائياً لأسباب ليست على اختلافها أخلاقية أو حتى منطقية. فأصل البلاء موجود في سوريا وليس في مكان آخر، على عكس ما يدّعي أوباما زوراً. و"داعش" ومشتقّاته صعدوا بقوّة نتيجة تفسّخ الأوضاع في سوريا. ونظام الأسد المسؤول الأوّل عن ذلك لا يمكن أن يكون بديل "داعش" ولا شريكاً في أي حرب ضدّه. هو مجرّد شبيه به ومنافس له متفوّق عليه في القتل. وحتى صدامات الطرفين المستجدّة (والمقبلة) في أكثر من منطقة تماس بينهما لا تعدو كونها "تنظيفاً" موضعياً يسعى إليه "داعش" ويردّ عليه النظام غاراتٍ وقصفاً عشوائياً.


السياسة "المفيدة" الوحيدة في سوريا اليوم لإعادة بعض التوازن الى المشهد المأساوي وصولاً الى فرض حلّ سياسي في المقبل من الأيام هي ضرب النظام و"داعش" مباشرة، أو من خلال تسليح من يقاتلهما ويتصدّى منذ سنةٍ لهما على جبهات مختلفة رغم ضآلة الإمكانات ومحدودية الدعم. وهذا لا يتمّ دون الإفراج عن الصواريخ المضادة للطائرات والدروع وعن عتاد حربي متطوّر يوقف الزحف السرطاني للتنظيم الظلامي، ويُسقط طائرات الموت الأسدي ودبّاباته في حلب والمليحة ودرعا وغيرها من نواحي النزيف السوري المستمرّ... غير ذلك لا شيء سينفع ولا شيء سيؤول الى التحسّن أو الاستقرار لا في سوريا ولا في العراق ولبنان.
زياد ماجد