ثمة طرف حزبي مشارك وحلفاؤه في الحكومة اللبنانية الجديدة بنسبة الثلث. وله
وشركاؤه في البرلمان (المنتهية ولايته) نسبة تفوق الثلث، ثم لتمثيله المذهبي
انطلاقاً من المبدأ الوفاقي-الميثاقي ما يوازي الثلث أيضاً.
ولهذا الطرف حضور داخل مؤسسات الدولة الإدارية، وله يد طولى داخل مؤسّساتها
الأمنية، وله من خارج هذه المؤسّسات أجهزة إدارية وأمنية ومالية مستقلّة تتلقّى
مليارات الدولارات من دولة أجنبية، كما له جيش يفوق تسليحه وعديده (وعديد من يقدر
على تعبئتهم) تسليح الجيش اللبناني وعديده.
فوق ذلك، يملك هذا الطرف سياسة خارجية تتصرّف أحياناً باسمه وأحياناً باسم
لبنان بأكمله، وتستخدم جيشه كذراع لها (أو العكس هو الأدقّ)، فتقرّر مواقيت الحرب
والسلم وتربطها باستحقاقات نووية إيرانية – إسرائيلية، أو تقرّر التدخّل (الاستباقي)
في سوريا بحجة إن مؤامرة تستهدف نظام الحكم فيها وأنّ إسقاط هذا النظام سيصيبها
بأضرار فادحة، فترسل آلاف اللبنانيين ليقتلوا ويُقتلوا معتدين على أهل مدن وبلدات
لا شأن لهم فيها. ثم لا تجد أجوبة على الأسئلة حول أسباب الانفجارات العشوائية
(الإرهابية) التي صارت تستهدف مناطق نفوذها في العمق اللبناني لأوّل مرّة منذ ربع
قرن سوى الحديث عن المؤامرات والمكائد الكونية.
علاوة على كلّ ما ورد، يملك هذا الطرف مدارس ومستشفيات ومستوصفات ودور
أيتام ومحطّات وقود وتعاونيات إستهلاكية. ويملك جمعيات تنظّم حملات الحج وزيارة
العتبات المقدّسة وتبيع الكتب الدينية والملابس "الشرعية". ويملك كذلك اتّحادات
كشفية ورياضية ووسائل إعلام مرئي ومسموع ومكتوب ورقمي، ويُشرف على الكثير من
المجالس البلدية ومشاريعها كما على المراكز الدينية حيث تقام الشعائر والمناسبات اليومية.
هذا الطرف، حزب الله، يملك إذاً دولة موازية للدولة اللبنانية، ويملك في
الوقت عينه حصّة فيها، وأكثر. مع ذلك، نسمع مسؤوليه يشكون غياب "الدولة"،
أو يحمّلونها – إذ يقرّرون عودتها من الغيبة - المسؤولية عن كلّ تقصير وتدهور أمني
يطرأ في البلاد...
هكذا، يسير جانب من الأمور في لبنان منذ عقد من الزمن تقريباً. وهكذا تزداد
معضلة حزب الله استعصاء على الحلّ في السياق اللبناني. ولولا الدماء الغزيرة في
طرابلس والهرمل والضاحية وبيروت وغيرها من المناطق، لأمكن الاكتفاء بالحديث عن
مهزلة وعن مأساة مؤجّلة. لكنّنا تخطّينا المهزلة وأوغلنا في المأساة، ولا يبدو أن
المقبل من الأيام سيكون أقلّ بؤساً...
زياد ماجد