Wednesday, February 12, 2014

قتلُ النساء

تتزايد جرائم العنف الأُسري في لبنان، ويتزايد عدد ضحاياها النساء. ولا يبدو أن التغطية الإعلامية المتزايدة بدورها لهذه الجرائم تكفي لِردع المُجرمين، إذ لهم حلفاء في أربع "سلطات" في البلاد.

السلطة الأولى هي السلطة السياسية، التي تمنّعت عن اعتماد مشروع قانون صريح يجرّم العنف المنزلي/الأُسري بكل أشكاله الهمجية: من الاغتصاب الى التعنيف والاعتداءات الجسدية.
السلطة الثانية هي السلطة الدينية، التي تُعطي الرجل (الزوج والأخ والأب...) حقوقاً في ممارسة سطوته على المرأة وفي انتهاك حقوقها على أكثر من مستوى، والتي تُؤْثِر من باب "الحكمة" الطلب الى النساء المعنّفات مصالحة رجالهنّ عوَض الابتعاد عنهم أو السعي لمقاضاتهم.
السلطة الثالثة هي سلطة بعض القضاة والقانونيّين، الذين يُنقل عنهم رفضهم النظر في الكثير من الأحيان في شكاوى نساء تعرّضن للعنف الزوجي، ونُصحهم المعنيّات بالبحث عن حلول حبّية تعيدهنّ الى "بيوت أزواجهنّ تفادياً للفضائح والمشاكل التي لا تنتهي".
السلطة الرابعة هي سلطة بعض الأمنيّين والأطباء الشرعيّين، الذين يأبون تسجيل حالات عنف منزلي أو يقدّمون تقارير ملتبسة لا يمكن الاستناد إليها قانونياً في الدعاوى والملاحقات القضائية.

ويُضاف الى السلطات المذكورة، ثقل العادات والثقافة الاجتماعية المهيمنة التي تُطبّع نساءً ورجالاً مع حالات العنف باعتبارها طارئة أو حقّاً زوجياً أو نتيجةً لسوء تفاهم أو توتّر لا بدّ أن للنساء حصّة فيه أو قدراً من المسؤولية في وقوعه، على نحو استثار ردود فعل "غاضبة" تركت على ظهورهن آثاراً أو أفقدتهن عيوناً أو حتى أعماراً، كما حصل مع 24 سيّدة (أُعلن عن مقتلهنّ) في السنوات الأربع الأخيرة...



لكلّ هذا، تتطلّب قضيّة العنف الأسري اليوم تشريعات تُلزم كلّ سلطة متواطئة ضد النساء بتجريم التعدّي عليهنّ بمعزل عن موقع حدوثه وعن صلة القربى التي تربط المعتدين بالمعتدى عليهنّ. والأمر قرار سياسي إرادَوي لا بدّ من استخدام كل الوسائل لفرضه، كي لا يستمرّ تزايد عدد الضحايا وعدد الأيتام وعدد الأولاد والبنات الذين سيعيشون لاحقاً ما عاشه أهلهم مُعتدين أو معتدى عليهنّ. أما الاستمرار في تمييع القضية عبر القول بمناخ العنف العام في البلاد الذي يؤثّر في حالات العنف الخاص، أو الحديث عن "الحاجة الى تربية مدنية تُغني عن القوانين"، أو اعتماد المقولات السمجة البلهاء عن "حاجة الرجال الى الحماية أيضاً"، فجميعها تبرير (غير مباشر) للقتل الواقع والمتكرّر ضد نساء من مختلف المناطق والبيئات الاجتماعية وتواطؤ مع المجرمين يُفيد التشهير به وبمعتنقيه من "المسؤولين" كي لا يبقى كثير التداول...
زياد ماجد